الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتثورة 14 تموز والآمال التي علقت عليها: مصطفى محمد غريب

ثورة 14 تموز والآمال التي علقت عليها: مصطفى محمد غريب

 


            

كان لثورة 14 تموز 1958 واقع مشرق بشر منذ البداية بالخير والتقدم  في انتقال السلطة  من الملكية شبه الاقطاعية الى سلطة تتداخل فيها مقومات وتأثيرات الطبقات الأخرى البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة ” شغيلة اليد والفكر”  المتمثلة بالنقابات العمالية والثقافية وتنظيماتها السياسية، وهذا التوجه خلق آمالاً واسعة في العودة لبناء العراق على أسس دولة مدنية ديمقراطية تتحرر من ربقة الاستعمار البريطاني وغيره وتتجه لبناء علاقات جديدة مع المحيط العربي والإقليمي والدولي اما في الوضع الداخلي على أمل التوجه الجاد لإنهاء الهيمنة العسكرية على السلطة وتحقيق الانتقال الى السلطة المدنية وفسح المجال لقيام أحزاب وطنية وديمقراطية بدون استثناءات ثم العمل لتطوير القضايا المهمة في الصناعة والزراعة وتطوير القطاع الخاص والمختلط ومؤسسات الدولة كي يجري تنفيذ المهمات الوطنية الداخلية منها قضية  الفقر والبطالة وحل ازمة السكن وتحسين الأوضاع الخدمية والصحية والتربوية أي بالمعنى الصريح تحقيق السلم الاجتماعي في قضية العدالة الاجتماعية ومهمات أخرى تنحصر في وضع حجر الأساس لبناء جديد والتخلص من تركة الماضي المؤلم الذي أنتج الكثير من الفوارق والمآسي بما فيها إقامة نظام امني هاجسه محاربة القوى الوطنية والديمقراطية وزج المئات من المناضلين في السجون والمعتقلات ثم القيام بحملات القمع والاضطهاد والتعذيب والاعدامات التي طالت كوكبة من الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين ، فثورة تموز حققت تلك المهمات التي تعتبر فاتحة لعصر جديد من العلاقات والبناء، إلا ان هذه المهمات تعطلت لأسباب عديدة منها

1 ــــ الاصرار في بقاء السلطة بيد العسكر وبخاصة قيادته التي قامت بالتخطيط والتنفيذ لثورة 14 تموز 1958

2 ـــ تفتت الجبهة الداخلية والمعني جبهة الاتحاد الوطني الذي أقيم في عهد الملكية بسبب توجهات البعث بالاعتماد على قوى الردة الرجعية وفلول الاقطاع والملكية ودعم خارجي

3ـــ التذبذب البرجوازي الصغير والتهاون مع قوى الردة والرجعية والقومية المتطرفة ثم الارتداد والانتكاسة بمحاربة القوى الديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي وزج المئات في السجون والمعتقلات وإصدار الاعدامات بواسطة المجلس العرفي العسكري ورئيس المحكمة العسكرية العقيد شمسي

4 ـــ التآمر البعثي والقومي المتطرف مع القوى الرجعية وفلول الاقطاع والنظام الملكي وبدعم من القوى الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية

5 ـــ الموقف العدائي للجمهورية العربية المتحدة المتمثلة في مصر وسوريا وتقديم الدعم اللوجستي المختلف للقوى المتآمرة وفي مقدمتها حزب البعث العراقي والجبهة القومية.

تحققت الردة الرجعية الدموية بانقلاب 8 شباط 1963 حيث تم إعادة العراق الى حالة عدم الاستقرار  والعودة الى سياسة الترهيب والفساد والفوضى والقتل العشوائي وقيام الحرب على الكرد في كردستان العراق وإنهاء الامل في الانتقال بالثورة من العسكرة الى المدنية وبناء دولة دستورية وطنية وديمقراطية، وتعطلت هذه المهمات حتى بعد قيام انقلاب 18 / تشرين / 1963 بقيادة عبد السلام عارف وإقصاء البعث العراقي من السلطة ومجيء القوى القومية التي ادعت انتمائها الى قيام الوحدة العربية ودولتها القومية والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، فلم تتحقق لا الوحدة العربية ولا بقاء الجمهورية العربية المتحدة ثم ضياع كل فلسطين والكثير من الأراضي العربية بالاحتلال الإسرائيلي في 1967 وهذه لوحة التاريخ واضحة امام الجميع، واستمرت التداعيات نحو عدم الاستقرار والهيمنة على السلطة بالرغم من فشل مشروع القوى القومية لإقامة الوحدة العربية والتضامن العربي وكانت النتيجة الأخيرة لما أفرزه انقلاب 8 شباط الاسود 1963 في اجهاض امل تحقيق مهمات ثورة 14 تموز ثم قيام الانقلاب الثاني في 17 / تموز / 1968 بقيادة حزب البعث وتحالفه مع القوى الاستعمارية والرجعية ، كل الحقبة التاريخية  التي استمرت 35 عاماً كانت عبارة عن سلسلة من التراجعات عن المهمات الوطنية وبناء دولة الاستبداد والإرهاب على الرغم من بعض التطورات التي حدثت في البداية لكن سرعان ما انتكست نحو الدولة البوليسية الدكتاتورية والحروب الداخلية والخارجية بما فيها الحرب في كردستان واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً حتى قيام الاحتلال الأمريكي البريطاني واسقاط النظام الصدامي  السلطوي، واعيد العراق الى المربع الأول من الاستعمار والانتداب البريطاني وبهذا تم التخلص ولو شكليا من تلك الآمال الشعبية التي اوجدتها ثورة 14 / تموز/ 1958 وأعاد الاحتلال الأمريكي الى الانتداب الاستعماري بتشكيل مجلس الحكم على أسس طائفية مازلنا نعاني منها لحد هذه اللحظة وهي من بركات السياسية الامريكية، فبدلاً وحسبما قيل او خطط لها قيام حكومة للإنقاذ الوطني على أسس بناء الدولة المدنية ووفق انتخابات برلمانية ديمقراطية وقانون انتخابي عادل وبوجود مفوضية مستقلة فعلاً  سلمت السلطة اعتماداً على إرادة الإدارة الامريكية وبوجود قانون انتخابي جائر وغير عادل، وقيام مفوضية للانتخابات تابعة للقوى المتنفذة  وهكذا استلمت السلطة احزاب الإسلام الشيعي والحزب الإسلامي وقوى متحالفة  همها السلطة والمال، وبهذا ختمت مرحلة تحقيق مهمات ثورة 14 تموز ونحن نرى كيف انحدرت السلطة والدولة الى ادنى درجات التخلف والقهر الاجتماعي والى التدخل الفظ في شؤون البلاد والهيمنة على مقدراتها والاستمرار في التعنت لتصليح ما خربته هذه القوى المتخلفة بالعودة لتشريع قوانين وطنية عادلة مثل قانون الانتخابات وقانون الأحوال الشخصية وغيرها من القوانين وإلغاء القوانين التي أصدرها مجلس قيادة الثورة السابق ثم العمل على قيام مفوضية عليا للانتخابات مستقلة فعلاً كي يتحقق جزء من العدالة بعدم سرقة أصوات الناخبين في انتخابات ديمقراطية حرة والتخلص من المحاصصة…الخ من الإجراءات التي تخدم البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

 لقد كانت ثورة 14 تموز 1958 بحق نقلة نوعية من اجل التطور والبناء لو تركت وفق أسس قانونية ووطنية بدون التآمر البعثي القومي الاستعماري الإقليمي التي نرى نتائجها المخيبة للآمال وللعقلية الوطنية. لكان وضع العراق أفضل وأكثر تقدماً ورفاهية وبدون هذا التخلف والتبعية والاحتلال. 

 

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular