ذهب المفسرون إلى أن رؤية رقص الرجل في المنام دلالة وانعكاس على السعادة والفرحة، خاصة إذا كان الرجل يرقص بطريقة متناغمة ومتزنة، أما إذا كان الرقص على وقع الأغاني الهابطة المبتذلة فتلك الرؤية تنذر بالفشل والفقر أو الخسارة والإفلاس.
وشدد المفسرون على أنه غير محمودة رؤية الرجال يتمايلون في رقصهم أو يرقصون كما ترقص النساء، إذ يشير ذلك الحلم بالضعف والخيبة والتخاذل الذي يصيب الرائي في تحقيق حلمه.
هكذا وضع المفسرون حدًا واضحًا لما يترجمه رقص الرجل في المنام، لكن ماذا عن رقص الرجال في الشارع، وفي الأعراس والمناسبات المختلفة؟ ولماذا يبقى الإصرار دائمًا على وصم هؤلاء بأنهم مثليون؟ من يمتلك تلك الصكوك ليحاسب هذا على رقصه أو آخر على الطريقة التي اختارها ليعبّر بها عن فرحته؟ وما علاقة الهوية الجنسية بالرقص في الأصل؟ أسئلة كثيرة وأجوبة مثيرة تفك شفرة اللغز الصعب: لماذا يُحرم الرجال من الرقص؟
لطالما رقصنا
قبل الميلاد بألف عام، رسم الفراعنة على جدران معابدهم رجالًا يمارسون نوعًا من الرقص ضمن الشعائر الدينية، يشبه إلى حد بعيد الرقص الشرقي في عصرنا الحالي.
كما أوضحت تلك الرسوم أن الرجال كانوا يمارسون أنواعًا أخرى من الرقص في المناسبات والأعياد والشعائر الخاصة كطقس من طقوس العبادة والتقرب إلى الآلهة.
وقد تبنّت بعض المؤسسات الأهلية في مصر تجربة العلاج بالرقص بمفهومه الحداثي للعديد من الأمراض، خصوصًا دعم مرضى السرطان.
شاركغردلما روحت أخطب مراتي حالياً، والدها رفض لما عرف إني برقص في فرقة استعراضية، وقال إنه شايف أن الرقص ده شغلانة حريمي ميصحش أي راجل يشتغلها.
شاركغرد الرقص الشرقي على الأغاني الشعبية وموسيقى المهرجانات بصراحة بشوفها حاجة مش للرجالة خالص. أنا مبحترمش الراجل اللي يرقص زي الستات.
وترى دراسات أن الرقص أداة ثقافية واجتماعية تحتضن فوائد صحية وجسدية، ووفقًا لبحث إسكتلندي فإن 62% من الأشخاص الذين رقصوا مرة واحدة خلال العام كانوا أكثر صحة من الأشخاص الذين لم يقوموا بالرقص البتة.
كذلك جاء في كتاب “أخلاق وعادات المصريين المحدثين” لإدوارد لين أن ممارسة الرجال للرقص الشرقي كانت سائدة في أوائل القرن الـ19، وذلك لتسامح المجتمع مع رقص الرجال. وللمفارقة كان المجتمع يرفض وقتها أن ترقص النساء أمام الرجال، ولهذا مُنعت الراقصات من ممارسة الرقص في شتى الأنحاء.
وسبق أن قال الداعية الإسلامي يوسف فرحات، عضو رابطة علماء فلسطين، إن الدين الإسلامي دين الرحمة يُعنى بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب الناس خاصةً في الأفراح، وإن النبي بُعث بالرحمة وكان من نهجه أن تضرب الدفوف في الأعراس، ورد فرحات حين وُجه إليه سؤال عن رقص الشباب: “الأفضل أن يتبع الإنسان الوسطية في كل شيء، ولا سيما في هذا الجانب بحيث يرقص الشاب ويعبّر عن فرحته بشكل لائق”.
تحليلات وتفسيرات وفتاوٍ لم تجد أي صدى لدى قطاع كبير من المصريين الذين حرّموا الرقص على الرجال بحجة أنه ينتقص منهم ومن “رجولتهم.”
العيب
يقول محمود نجيب، 23 عامًا، خريج كلية التجارة جامعة القاهرة: أحد أصدقائي سافر قبل عامين إلى شرم الشيخ، للعمل في أحد الفنادق هناك، ولأنه بارع في الرقص، عمل شهرين كراقص شرقي، حتى أرسل له والده رسالة تهديد بضرورة العودة وإلا فسوف يقتله، لأنه جلب لهم العار على حد قوله.
يضيف لرصيف22: السبب الوحيد الذي دفع صديقي إلى ممارسة تلك المهنة هو حاجته إلى المال، فهو رغم أنه من خريجي الجامعة، فشل على مدار خمس سنوات في إيجاد وظيفة مناسبة، ما تسبب له في حالة إحباط كبيرة، ووجد الخلاص منها في الرقص قبل أن يُحرم منه بسبب طريقة والده في التفكير واقتناعه بأن الرقص عيب وأن الجيران “كلت وشه لما عرفت أن ابنه بيرقص في الفنادق”.
أما أحمد منصور، خريج كلية الآداب بجامعة عين شمس، فقال: كنت دائمًا برقص في أفراح أصحابي وقرائبي، وكان الكل يوصيني ويشدد عليا إني لازم أرقص في الفرح، والحقيقة إني كنت بستمتع باني قادر على إسعاد كل اللي حواليا برقصي لحد ما اضطرت أبطل بعد ما حصلت خناقة بيني وبين مجموعة شباب في فرح ابن خالي.
ويكمل: طول ما أنا برقص كانوا يقولوا كلمة واحدة بس “استرجل يا حيلتها” لحد ما وقفت قدام واحد فيهم وقلت له يعني أنت شافني مش راجل فرد وقالي “اللي يعمل اللي أنت بتعمله ده يبقى لا مؤاخذة…” وهنا لم أتمالك نفسي فصفعته على وجهه، ووقعت خناقة كبيرة، لدرجة أن الفرح كان هيبوظ، من وقتها قررت أبطل رقص وأكتفي باني أرقص كل ما أكون زهقان أو متضايق، وطبعا رقصي بيكون في قوضة مقفولة عليا عشان محدش يقولي بترقص ليه وكده عيب.
يعلق أدهم محمود، الراقص السابق بإحدى فرق الفنون الشعبية: من صغري وأنا بحب الرقص، وطبعا الناس في مجتمعنا عندها خلط كبير بين فكرة الرقص الشرقي وفكرة الرقص الاستعراضي أو التعبيري، كله عندهم رقص وكله عندهم عيب وحرام واللي يمارسه مش راجل.
ويضيف: المهم إني لم ألتفت طوال حياتي لأي نقد جارح لما أمارسه من فن، ورغم أني كنت متفوق وحصلت على عدد من الجوائز في أكثر من مسابقة داخل وخارج مصر، إلا أني هجرت الرقص بسبب جوازي.
لو في حد مش عاجبه شكل الرجالة وهم يرقصوا في أي مناسبة يبقى يدير وشه الناحية الثانية
ويوضح: لما روحت أخطب مراتي حالياً، والدها رفض لما عرف إني برقص في فرقة استعراضية، وقال إنه شايف أن الرقص ده شغلانة حريمي ميصحش أي راجل يشتغلها، وأمام إصراره على الرفض طول ما أنا بشتغل الشغلانة دي، قررت إني أضحي بالحاجة اللي بحبها عشان حاجة أكبر بحبها برضه، اللي هي مراتي طبعا. ودلوقتى بشتغل مندوب مبيعات.
وقال رمضان عبد الجواد، الطالب بكلية الحقوق: بصراحة أنا ضد فكرة التقييد عموماً، اللي عايز يرقص يرقص طالما أنه شايف إن دي الطريقة اللي يعبر بيها عن فرحته، أه صحيح أنا ممكن أرفض فكرة إن حد يمسك سلاح ويرقص بيه زي ما بنشوف الشباب في المناطق الشعبية، إنما اللي يرقص بمتعة وسط أهله وناسه، أمنعه ليه، الكبت وحش وبيودي في داهية، بس مين يفهم؟
ويكمل: إحنا بنرقص في كل حته، في الانتخابات، في الأفراح، في الموالد، حفلات السبوع، في الاستاد لما الفرقة اللي نشجعها تكسب، نرقص في كل مكان عشان نخرج اللي جوانا من هموم ومشاكل، الرقص فرح وبهجة، يبقى ليه الناس مش عايزه غيرها يفرح رغم أنها بتتفنن إزاى تسعد نفسها، يعني هو حلال ليهم وحرام لينا؟ إحنا ما نأذي حد ولو في حد مش عاجبه شكل الرجالة وهم يرقصوا في أي مناسبة يبقى يدير وشه الناحية الثانية.
“جوزي مش رقاصة”
تقول آلاء مجدي، ربة منزل: والله أنا موافقة أن جوزي يرقص شرقي، بس في حالة واحدة بس، يكون رقصه ده جوه البيت مع مراته وعياله، إنما غير كده يبقى يقل من نفسه ومن هيبته ومن هيبة ولاده، إفرض أن حد من عياله بقى بكرة مهندس أو دكتور الناس تبص لهم إزاي؟
أما سمر السيد،وموظفة بشركة تأمين، فقالت: أوافق أن أبني أو جوزي يرقص قدام الناس عادي في المناسبات، بس تكون رقصة رومانسية أو محتشمة، إنما الرقص الشرقي على الأغاني الشعبية وموسيقى المهرجانات بصراحة بشوفها حاجة مش للرجالة خالص. أنا مبحترمش الراجل اللي يرقص زي الستات.
وأضافت هند النجار، ربة منزل: يعني هو عشان يعبر للناس عن فرحته بيهم ويثبت لهم أن مبسوط في فرحهم يتحول لرقاصة.. طبعا الكلام ده مش مظبوط وأنا عمري ما اقتنعت ولا حاقتنع بيه في يوم من الأيام، إزائي يبقى جوزي رقاصة يعني؟
وعلقت هدى عز الدين، خريجة كلية علوم بجامعة القاهرة: وماله لما جوزي يرقص، على الأقل يخرج الطاقة اللي جواه، ويرجع لنا فريش من تاني.. وبعدين كل واحد حر يعمل اللي هو عايزه، طالما أنه لا يتعدى على حقوق الغير.
لازم ترقص
يقول هاني الشحات الخبير النفسي لرصيف22: فكرة الرقص وسيلة استعراضية تلفت الانتباه بأسرع الطرق، كما أن الغالبية منهم تعاني همومًا يهربون منها بالرقص.
أما سامر خطاب مدرب الرقص والاستعراض فقال: أسهمت السينما بقصد أو بدونه في تغذية تلك الصورة عن كل من يمارس الرقص الشرقي، وظهر ذلك في تقديم بعض الأفلام وظيفة مساعد الراقصة على إنه مثلي، كما قدمت مجموعة من الرجال “المثليين” في عدد من الأفلام يمارسون الرقص مثل فيلم “خمسة باب” و”شوارع من نار”، الأمر الذي نتج عنه في النهاية وصم كل من يرقص بأنه مثلي. ما دخل الميول الجنسي بالتعبير الراقص؟”.
وتابع لرصيف 22: نعاني من حالة من تضييق الإبداع والابتكار، ونسينا أن تراثنا العربي مليء بقصص وحكايات عن رجال رقصوا دون أن يتدخل أحد بهويتهم الجنسية والاجتماعية.
إنها مسألة ثقافة وتثقيف، ولذا نحن بحاجة إلى إعادة تصحيح المفاهيم، وكشف الحقائق، لأن من يتهمون الرجال بصفات ليست فيهم لمجرد أنهم يرقصون في المناسبات، لا يعرفون أن الرقص في الأفراح والمناسبات عادة قديمة ظهرت عند الأشوريين والمصريين القدماء قبل الميلاد بألف عام. وأن من يمارسه أنما يمارسه باعتباره مشاركة ومجاملة منه تجاه صديق أو قريب في مناسبات بعينها.
وأخيرًا قال أستاذ الأدبي الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة، الدكتور أحمد مرسي: لا يستطيع أن يحرم أحد أحدًا من الرقص، الحيوانات نفسها ترقص، ورقص الرجال يندرج ضمن ثقافات كثيرة، ويكاد ذلك أن يكون في بعض الثقافات طقسًا دينيًا، وفي بعضها الآخر ممارسة اجتماعية، واحتفالية، وفرحاً.
رصيف 22