من حق الشعب العراقي، ولاسيما نسوة العراق، وبالأخص النسوة الإيزيديات، ممثلات عن كل النساء اللواتي تعرضن للاضطهاد والاختطاف والأسر والاغتصاب والقتل والتشريد والنزوح الجماعي والتهجير القسريين، أن يهلل لمنح جائزة السلام للمرأة المقدامة، لنادية مراد، رمز النضال ضد الحرب والعدوان والقتل والاغتصاب للنساء لا في العراق فحسب، بل وفي جميع أنحاء العالم. ولكن من حق الشعب العراقي، ولاسيما نسوة العراق، وبالأخص الإيزيديات ومن تعرض من النسوة الأخريات إلى كل العذابات في العراق، أن يحزنَّ لأن منح هذه الجائزة جاء لا بسبب اكتشافات واختراعات وانجازات علمية وثقافية وبيئية … لصالح البشرية جمعاء، كما هو حال غالبية جوائز نوبل للسلام التي تمنح سنوياً، بل لأن العراق وشعبه ونساءه، ولاسيما نساء نينوى الإيزيديات والمسيحيات والشبك والتركمان، قد تعرضن لأسوأ الكوارث والمآسي، لأسوأ وأول إبادة جماعية فعلية وقعت في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، لأن أكثر من 5000 امرأة إيزيدية تم أسرهن واغتصابهن و بيعهن في “سوق النخاسة الإسلامي” من أبشع تنظيم إسلامي سياسي تكفيري وعدواني ووحشي، تنظيم داعش. ومنح هذه الجائزة يراد منه تأكيد ثلاث مسائل جوهرية آمل أن لا تغيب عن بال كل العراقيات والعراقيين، بل كل نساء ورجال العالم:
- الأهمية البالغة لرفض الحروب والاستبداد والعنف والتمييز وما يقترن بها من قتل ودمار واغتصاب للنساء وتشويه للطفولة والحياة اليومية للإنسان.
- الأهمية البالغة للكفاح ضد التمييز الذي تعاني منه المرأة في جميع بقاع العالم، ولاسيما في الدول ذات الأكثرية المسلمة، وما يؤكد الموقف غير السليم للشريعة والفكر الديني الإسلامي من المرأة المسلمة وغير المسلمة وعواقب ذلك على المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة.
- الأهمية البالغة لمعاقبة كل الذين يمارسون اغتصاب النساء، كما لا يجوز بأي حال إعفاء مجرمي الاغتصاب بسبب مرور زمن محدد من جهة، ومحاسبة ومعاقبة النظم السياسية والشخصيات التي قادت سياساتها إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، ومنها الاغتصاب وضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية من جهة أخرى.
إن منح جائزة نوبل للسلام لعام 2018 للسيدة المناضلة نادية مراد من جانب الأكاديمية السويدية تعني دون أدنى ريب بأن على الشعب العراقي أن يطالب دون هوادة وبإصرار مستمر ثلاث مسائل أساسية:
- النضال الدؤوب ضد كل العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي قادت إلى وقوع تلك الجرائم البشعة في العراق عموماً وضد النساء خصوصاً، ولاسيما اغتصاب النساء الإيزيديات وغيرهن. وهذا يعني النضال ضد السياسات الطائفية والأثنية والتمييز الديني والمذهبي والتمييز ضد المرأة بكل أشكاله وصور ظهوره وممارسته. وهذا يتطلب أيضاً فصل الدين عن الدولة وإقامة دولة ديمقراطية علمانية.
- النضال دون هوادة وملاحقة مستمر لتقديم كل المسؤولين العراقيين الذين كانوا سبباً وراء اجتياح الموصل ونينوى من جانب تنظيم داعش المتوحش ووقوع جرائم الإبادة الجماعية، وبضمنها جرائم الاغتصاب ضد النساء وتشويه الطفولة البريئة والقتل والتشريد والتدمير …الخ، إلى القضاء العراقي ومحاكمتهم وتأمين العدالة وإنزال العقاب بمن يستحق منهم ذلك.
- ملاحقة كل القتلة والمجرمين الذين مارسوا سياسة الإبادة الجماعية في الموصل ونينوى من قوى الظلام والجريمة، من تنظيم داعش الإرهابي ومن تعاون معه وساعده في ارتكاب جرائمه.
إن منح الجائزة بطبيعتها المعنوية غير كاف، بل يفترض أن يجد تعبيره في معاقبة المجرمين وفي توفير الأرضية الصالحة لعدم تكرار وقوع مثل هذه الجرائم البشعة في العراق، لاسيما وأن العوامل التي قادت إل كل ذلك لا تزال قائمة، كما إن الشخوص الذي تسببوا في وقوع تلك الجرائم لا زالوا على رأس الأحزاب الإسلامية السياسية وميليشياتها الطائفية المسلحة وفي السلطة أيضاً.