نشر مغردون عراقيون يوم السبت، فيديو يظهر فيه مراهق وقد جرد من ملابسه بالكامل بينما يستجوبه أفراد يرتدون ملابس تبدو عسكرية، موجهين له الإهانات، بينما يقطع أحدهم شعره باستخدام آلة حادة, وكان الفيديو مقرفا ومخدش للحياء بكل ما ورد فيه من تعامل مع الشاب الحدث في عمر 16 سنة, الى جانب استخدام الألفاظ السوقية النابية بحقه, والتي لا تعبر عن اخلاق قوات حفظ النظام كما ينبغي, والذين يجب ان يتحلوا بثقافة حقوق الانسان في التعامل مع حالات الأعتقال او عموم سلوكياتهم المهنية والتي يجب ان ترتبط اصلا بالحفاظ على ارواح المواطنين والتعامل وفق القانون واللوائح الانسانية التي اقرتها القوانين العراقية ومنظمات حقوق الانسان, ولكن على ما يبدوا ابتلاء هذه الاجهزة الأمنية بالمحاصصة الطائفية والسياسية والاجندة الحزبية في تركيبة تلك الاجهزة لم يترك فسحة انسانية لعمل تلك الاجهزة على اسس من التعامل الانساني النزيه والمهني, مما يضع المواطن ضحية سهلة لأفتراس تلك الاجهزة, التي اصبحت ملاذا لمن لم يحصل على عمل في القطاعات المدنية, كما ان البطالة في القطاعات الأجتماعية الاخرى دفعت الكثير للأنتساب لتلك الاجهزة بعيدا عن النزاهة في المهنية وشروط الاختيار وبعيدا عن دراسة الخلفية الاجتماعية والنزاهة العامة للمتقدم لتلك الاجهزة, مما ترك تلك الاجهزة فريسة لمختلف السلوكيات المنحرفة والسيكوباتية للعديد من منتسبيها.
وقد اكدت وزارة الداخلية، انه تم تدوين أقوال المشتكي المجني عليه الذي طالب بالشكوى وتوجيه الاتهام ضد من قام بهذا الفعل، مؤكدة انه تم التعرف على هوية مرتكبي هذا الفعل الاجرامي، وباشرت فرق العمل بإجراءات القاء القبض عليهم واحتجازهم لاستكمال التحقيق معهم واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإنجاز التحقيق وعرض النتائج أمام القائد العام للقوات المسلحة. واوضحت الوزارة، انه لثبوت وجود تقصير في القيادة والسيطرة من قبل قائد قوات حفظ القانون وجه القائد العام للقوات المسلحة بإحالته إلى الامرة وإعادة النظر بهذا التشكيل الذي من المفترض أنه تم استحداثه لتعزيز سيادة القانون وحفظ الكرامة الإنسانية ومحاربة كل المظاهر غير القانونية، لا أن يكون هو نفسه أداة خرق للقانون والاعتداء على المواطنين بالصورة البشعة.
هذا الحدث والتعامل المشين يعزز المزيد من التساؤلات والاقتراب من الاجابة عليها, وهي من كان يقف وراء قتل وتعذيب المئات من الابرياء المحتجين منذ اندلاع انتفاضة الاول من اكتوبر في العام الماضي والى اخر الشهداء والضحايا الذين وقعوا في نهاية شهر تموز 2020 ومن يقوم بالاختطاف والاعتقال الكيفي والتغييب للمحتجين, وان اقرب الدلائل الأخيرة تشير الى القتل ببنادق الصيد من قبل أفراد محسوبين على القوات المسلحة الحكومية والذين جرى اعتقالهم وهم قيد التحقيق” حسب المصادر الرسمية “.
وعلى خلفية تلك الاحداث اصدرت المنظمة العليا لحقوق الانسان في العراق بيان يوم السبت في الاول من آب 2020 جاء فيه أن المفوضية تعرب عن استهجانها لتصرفات القوات الامنية وفي مقدمتها قوات حفظ القانون بالتمادي في أنتهاك حقوق المواطن العراقي وأمعانها في استخدام العنف اللفظي والتعذيب الجسدي المهين الذي يحط من كرامة المتظاهرين السلميين المطالبين بالحقوق.
وأكدت المفوضية في بيانها ان الكثير من التصرفات المسيئة رصدتها فرقها الرصدية في العديد من ساحات التظاهر وتم ابلاغ الحكومة العراقية واجهزتها التنفيذية وقواتها الامنية بضرورة الزام منتسبيهم بعدم التمادي في انتهاك حقوق المتظاهرين والالتزام بالمعايير الدولية لفض التظاهرات وأحترام كرامتهم وأعتماد آليات الاشتباك الآمن الذي يضمن حياة المتظاهرين والقوات الامنية على حد سواء. فيما أضافت أن تجاهل قيادة التشكيلات الامنية “لتوصياتنا” شجعت منتسبيها على الاساءة للمواطن وانتهاك حقوقه والحط من كرامته وهي بحد ذاتها جريمة يعاقب عليها القانون.
وطالبت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق رئيس الوزراء و وزير الداخلية بعدم التسويف والمماطلة وتحمل المسؤولية بالكشف عن “منتسبيها المنتهكين لحق التظاهر وكرامة المواطن” وتقديمهم للقضاء لأنتهاكم حقوق الانسان الدستورية، وانتزاع الاعترافات بالاكراه “خلافا للأتفاقية الدولية” لمناهضة التعذيب المصادق عليها من قبل العراق.
يُعرف التعذيب تعريفات مختلفة، ولكن التعريفَ الأكثر استخداماً ما ورد في المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984، والتي عرَّفت التعذيب على أنه “ أي فعل يُحدَث فيه الألم أو تُسبَّب من خلاله المعاناةُ الشديدة، سواءً الجسدية أو العقلية، قصداً، لشخص ما “. والتعذيب جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.
يُعد الألم المزمن من أشيع الآثار التي يعانيها الناجون بسبب مركزية الألم وشدة العديد من ممارسات التعذيب القاسية والمدمرة. ولهذا السبب يمكن أن تستمر الآثار النفسية فترة طويلة، أو أن تتطور بعد مدة معينة من الزمن. ومن المحتمل أن يختبر الناجون من التعذيب ألماً مستمراً ومشكلات نفسية تظهر في سياق صعوبات اجتماعية ومالية.
وللتعذيب مخاطر بالغةٌ لفهم الأعراض النفسية والجسدية للناجين، فلكل قصة نجاة تفاصيلُها التي تؤثّر في كلِّ حالة خصوصاً. وتتباين هذه المشاعر بين الهزيمة واليأس والكبرياء والبقاء على قيد الحياة والمرونة. تُقسم أنواع التعذيب إلى: الاعتداءات البدنية, والتعذيب النفسي, والحرمان من الظروف الانسانية” مثل الحرمان من الطعام والماء”, والتحفيز الحسي المفرط” مثل التعرض المستمر للضوضاء”.
آثار التعذيب: الآثار الجسدية الطويلة الأجل: الندبات، والصداع، وآلام العضلات والعظام والقدم، وفقدان السمع، وآلام الأسنان، والمشكلات البصرية، وآلام البطن، واضطرابات القلب والأوعية الدموية، وإصابات الجهاز التنفسي والعصبي. الآثار النفسية الطويلة الأجل: صعوبةُ التركيز، والكوابيس والأرق، وفقدان الذاكرة، والتعب، واضطرابات القلق والاكتئاب وحتى محاولات الانتحار، واضطراب ما بعد الصدمة.
أن بناء الأجهزة الأمنية على اساس القوة وليس على السلطة الشرعية النابعة من المجتمع يعتبر احد مصادر استخدام العنف المفرط واللامسؤول, وعدم الحيادية لهذه الاجهزة يعتبر احد مصادر تهديد السلم الاجتماعي وانتشار الجرائم المنطمة وشيوع المافيات المحمية من قبل اجهزة امنية مخترقة وهي تقترب من اداء الميليشيات وليست الاجهزة الامنية المستقلة, كما ان الطائفية والمحاصصتية في بناء هذه الاجهزة تركها فريسة في عدم اداء مهماتها في حفظ كرامة الفرد والمجتمع, وبالتالي شاعت الانتقائية المريضة والواسطات والمحسوبية والرشاوى في انتقاء الكثير من عناصر تلك الاجهزة, بدلا من ان تكون متاحة للجميع وللعناصر المهنية والوطنية في الانتماء أليها, وبالتالي اصبحت تؤدي وظائف قمعية لا حمائية للمواطن. صحيح ان هذه الاجهزة لها في جذور القمع في العراق تاريخ طويل وليست وليد نظام المحاصصة ما بعد 2003 إلا ان وظاائفها يفترض ان تختلف جذريا عن حقب ماضية وخاصة في المجتمعات التي ترغب في بناء نظام العدالة الاجتماعية والديمقراطية.
وبدل ان تتحول هذه الاجهزة الحساسة الى امكنة مهنية وعادلة وحامية للمواطن, اصبحت هذه الاجهزة امكنة لمن يمارس التعذيب والقتل والاهانة لمن يريد الاحتماء بهم, وبات الكثير من منتسبيها يحمل الصفات السيكولوجية لممارس التعذيب والعنف دون وجه حق, ولعل ابرز تلك الصفات المستواحاة من الادبيات النفسية هي:
1ـ السادية: وهي تعني استمتاع الشخص برؤية الآخرين وهم يتألمون وحصوله على نشوة نفسية من القيام بتعذيب الآخرين، وهذه السادية تعتبر اضطرابا شديدا في الشخصية يجعلها تسعى نحو إذلال الآخرين والتنكيل بهم، والشخصية السادية لا تستطيع العيش إلا بهذا الاسلوب. وهذه الصفة قد تكون في الأمرين بالتعذيب او المنفذين له.
2 ـ المسايرة: هذه الصفة قد تكون مستغرَبةً ومتناقضةً مع الصفة السابقة، ولكنها ضرورية جدا لمن يقومون بالتعذيب، فهم يستجيبون لأوامر رؤسائهم استجابة تتسم بالاستلاب والخضوع والمسايرة، ولا يناقشون هذه الأوامر ولا يعرضونها على عقل واع أو ضمير حي، فهم في هذه الحالة يطيعون رؤساءهم طاعة عمياء وينفذون أوامرهم في التعذيب دون بصيرة، وغالبا ما يكون هؤلاء المسايرون المنفذون من أصحاب الذكاء المحدود والثقافة الضحلة أو المنعدمة، ومن الذين يسهل إقناعهم واستهواؤهم والإيحاء لهم بأن ما يفعلونه فيه مصلحة للبلد أو للبشرية أو لقضية ما.
3 ـ الشخصية السيكوباتية: وهي شخصية مضادة للمجتمع لا تحترم قوانينه ولا قيمه ولا أعرافه، وهي شخصية عدوانية لا تعرف الإحساس بالذنب أو الندم ولا تتعلم من تجاربها السابقة ولا تعرف الشفقة أو الرحمة أو العدل أو الكرامة، وكل ما يهم هذه الشخصية هو تحقيق أكبر قدر من اللذة حتى لو كانت هذه اللذة مبنية على أكبر قدر من الألم الذي يصيب الآخرين. والسيكوباتي ليس بالضرورة لصا بل أحيانا تجد هذه الصفات في رؤساء أعتى الدول وفي مسئولين كبار، وفي هذه الحالة نجد الصفات السيكوباتية مغلفة بقناع من الدبلوماسية والنعومة ولهذا يطلق على هذا النوع السيكوباتي المهذب, هو أخطر من السيكوباتي العنيف الظاهر العنف لأن الأول يحمل كل صفات السيكوباتية مضافة إليها صفات الخداع والتستر وهذه الشخصية تتسم بالانتهازية والبراجماتية، والقانون والأخلاق لديها كلمات ليس لها معنى أو وجود وهي تستخدمها فقط حين تجد في مصلحتها ذلك.
4 ـ الشخصية البارانوية: وهي شخصية متعالية متغطرسة ترى في الجميع أعداءً لها، وتتوقع النوايا السيئة والأفعال السيئة من الناس، لذلك فهي تتسم بسوء الظن وتلجأ إلى العدوان الاستباقي أو الوقائي وتبرر هذا العدوان بأنه لحماية نفسها أو غيرها من الإرهاب أو الأذى المتوقع من الغير (الأشرار دائما في نظرها)، وهذه الشخصية تحتقر الآخر وتسحقه إذا استطاعت وبالتالي فلن ترعى له حرمة أو كرامة ولن تأخذها الرحمة أو الشفقة بها لأنها تعتبر الجميع شياطين أو حشرات صغيرة تستحق السحق والتعذيب والإذلال.
5ـ التبرير: وهو أحد الدفاعات النفسية التي يستخدمها المعذِّبون” من غير الانواع السابقة ” لكي يقوموا بالتعذيب وهم مرتاحو الضمير، فمثلا يعتبرون التعذيب وسيلة مشروعة لتحقيق الأمن لبقية الناس أو لانتزاع اعترافات مهمة تؤدي إلى تحقيق السلام” في نظر امريهم او قادتهم “, فهم في النهاية يربطون التعذيب بقيمة وطنية أو أمنية تسمح لهم بقبوله والتفنن فيه.
قد يكون الأمر مفهوما أن يقترب الفرد من حالات المرض العقلي او اضطراب شخصي فيرتكب افعالا تضر بالأخرين, وتكون هذه الصفات الخمسة اعلاه او بعض منها قد استحوذت على سلوكه ودفعته لأرتكاب جرائم ألحاق الاذى او تعذيب الآخرين, ولكن الاخطر عندما يكون فعل التعذيب والاهانة والمساس بالكرامة عمل مؤسساتي تقوم به اجهزة محسوبة على كيان الدولة, فأن الامر اشد خطورة وتهديدا للدولة والمجتمع, وهنا تلعب العقائد المتحجرة والطاعة العمياء والتصديق على قرارات غير عادلة ومبهمة دورا خطير وكبيرا في حرف مهنية الاجهزة الامنية وتوظيفها لصالح فئات واحزاب ومصالح مختلفة لا صلة لها بالأمن المجتمعي. أن سيطرة الدولة على كافة الاجهزة الامنية والدفاعية كان ولايزال وسيبقى واجبا لا يمكن المساومة عليه ابدا, وسوق من تسول له نفسه في العبث بالاستقرار الاجتماعي او التجاوز على الابرياء الى العدالة لينال جزائه, اما خلاف ذلك فأن القدر المجهول ينتظر الجميع.