ليس صعبا للمواطن الكوردي معرفة ما تطمر له هذا القانون وأمثاله، فمن كثرة ما عانى من الاستثنائيات سابقاُ في ظل السلطة البعثية الشمولية، خلقت لديه حاسة متطورة، تشعره بما هو آت، ولربما لا يحتاج إلى ما سينبش فيه القانونيون أو الحراك الثقافي ويقوم بمعالجة بنوده؛ لأن التناقض ما بين العنوان والمتن أكثر من واضح، ورغم أن بعض البنود تظهر بوجه منطقي، لكنها تطعن بالبنود اللاحقة، فتظهر الغاية، وهي أن الإدارة الذاتية تحاول أن تستثمر هذه الأملاك من جهة، وتطعن في المهاجرين من جهة أخرى، والغريب فيه أنه موجه للشعب الكوردي حصرا، والأغرب وكأن الإدارة تفتقر إلى مصادر الدخل، حيث النفط والغاز، ومنتوجات الفلاحين، ولن نتحدث عن المصادر الأخرى، ونتمنى أن تكون الإدارة غنية جدا، وتظهر شريحة رأسمالية كوردية عالمية يقومون باستثمارات متنوعة داخل الوطن، لكن ليس على حساب الشعب.
مع ذلك نعود ونقول يتطلب تناوله من قبل الكتاب والمثقفين كتحذير للذين أصدروا القانون الجائر، وتنبيههم لإلغائها أو تعديلها؛ أو توجيهها إلى الجهة المطلوبة تلقيها، أي الغمريون؛ المجموعة المحتلة لأرض كوردستان، وإلا وفي وجهتها هذه وبهذه الصياغة؛ ستخلق من الإشكاليات في القادم من الزمن، ضمن الإدارة الكوردية وعلى مستقبل المنطقة، ما لا يحمد عقباه، كما وستحفر جروحاً في المجتمع الكوردي المهجر والمهاجر، سوف لن تندمل ولن تزال أثارها على مدى عقود مديدة.
ومن المتوقع أن تكون سلبياتها عديدة، إلى جانب ربما القليل من الإيجابيات فيما إذا وجدت، ومنها:
1- سيقطع تطبيق هذا القانون طريق العودة على الحالمين بالعودة إلى الوطن؛ في حال تلاءمت الظروف، وتحسنت الأوضاع، وهم كثر من بين المليونين وأكثر من المهاجرين الكورد الذين اضطروا إلى المغادرة ولأسباب عدة، ولسنا بصدد سردها، والتي كان لهؤلاء الذي يقفون وراء القانون، وليس الذين أصدروه؛ دورا في تلك الأمواج من الهجرات، إلى جانب القوى الأخرى الأكثر نفوذا حينها، والتي اشتغلت على تفاقمها لتصبح على مستوى كارثي للديمغرافية الكوردستانية.
2- تطبيقها إلى جانب ما يتم من تأزيم الحياة المعيشية، كقطع الكهرباء والمياه، وغلاء المعيشة، وغيرها من المصائب، قد يدفع بمجموعات أخرى من المجتمع الكوردي إلى الهجرة، وبالتالي طعن أخر في الديمغرافية الكوردية في جنوب غرب كوردستان.
3- أنها طعنة مباشرة في المحادثات الكوردية الجارية، لئلا يتم الاتفاق، ويصلوا إلى تشكيل هيئة تمثل الشعب الكوردي في الهيئات الدولية، وفي الحوارات القادمة على مستقبل سوريا والمنطقة الكوردية، والأهم لئلا يتم تكوين هيئة إدارية تنفيذية تمثل الشعب الكوردي.
4- ستساهم مع غيرها من القوانين المماثلة؛ في إضعاف الدور الكوردي المتبقي في المنطقة مقابل تصاعد الدور العربي، وبشكل خاص الغمريون، الذين يستولون على جغرافية كوردستان منذ ما يقارب النصف قرن وأكثر، ويتم حمايتهم من قبل الإدارة الذاتية، وحماية الأملاك التي استولوا عليها بمساعدة البعث.
5- ستخلق خلافات ضمن الحراك الكوردي، وهذه ستؤدي إلى ظهور إشكاليات على مستوى القوى الكبرى المتعاملة مع الإدارة الذاتية والراعية للمفاوضات الجارية.
6- ستسهل عودة دور السلطة المركزية إلى المنطقة، وستضعف دور الإدارة الكوردية لها، فهو قانون يشبه ما أصدرته سلطة بشار الأسد قبل سنة في هذا المجال.
7- ستعيد الخلافات الكوردية الكوردية ثانية إلى الساحة؛ بعدما هدأت قليلا منذ بدأ المفاوضات.
على مدى عقد من الزمن، لم يتلقى المواطن الكوردي من الإدارة الذاتية، إلا الفتات من الطيبات، ونحن لن نعيد التاريخ ونتحدث عما تم، والقانون المنوه إليه في العنوان، والذي يحمل في طياته طرفي التناقض واحدة من تلك، والتي تتبين يوما بعد أخر أنه هناك من يقف وراء هذه الفوضى الخلاقة، وهو ما يمكن تسميتهم بـ (الدولة العميقة) وهم الذين يشوهون سمعة الإدارة الذاتية، ويحاولون القضاء على مكتسباتها.
لا يستعبد أن الذين أصدروه هم نفسهم الذين شاركوا السلطة؛ قبل سنوات، في خلق الصراع بين الداخل والخارج، وحاولوا أضفاء الصفة اللاوطنية بالمهجرين والمهاجرين، في الوقت الذي أذاقوا الصامدين كل أنواع العذاب، ولا زالوا.
فالشريحة التي تقف وراء هذا القانون وغيره من القوانين المضرة بالمجتمع الكوردي المعاني، إما أنهم من الكورد الجهلاء والسذج، ولا يملكون بصيرة لرؤية المستقبل وبالتالي يتم التلاعب بهم من قبل القوى المتربصة بالكورد، وتحت مفاهيم نظريات طوباوية يتم الطعن في الوجود الكوردي وقضيتهم القومية والوطنية. أو أنهم شريحة معادية للكورد، بلغت مستويات في الإدارة الذاتية، وبالتالي تمرر مثل هذه القوانين، للقضاء على الكورد كقومية ثانية في سوريا، وذلك تحت أغطية متعددة؛ كما نراها في عنوان القانون.
المشاكل التي تقف أمام قضيتنا والإدارة الذاتية أكثر من يتم الإحاطة بها بمقال أو حتى بسلسلة، وقد تناولنا بعضها خلال السنوات الماضية، ونوهنا إلى أخطاء جسيمة حصلت، ومن بينها ما يتعرض له البقية الصامدة من شعبنا في الداخل، للويلات والاعتداءات، وتسليط تجار الحروب عليهم، وتقزيمهم أمام المكون العربي وخاصة الغمريين في المنطقة، وقد كان من المفروض أن يصاغ هذا القانون للغمريين الذين يستثمرون أملاكنا كأي احتلال خارجي، وجلهم خارج المنطقة، بل بعضهم شاركوا مع داعش، ومثالا عليه، عائلتين من العوائل الأربعة الذين يحتلون 220 هكتارا من قرية والدي (تل نصران)، انضموا إلى جحافل داعش يوم وصلوا إلى المنطقة، وهربوا بعد خسارتهم، وتم الاستيلاء على أراضيهم من قبل الإدارة الذاتية لعدة سنوات، وقبل سنتين أو أكثر أعادوها لهم ثانية، وقيل لنا أنه تم بأمر من المربع الأمني في قامشلو، علما أن أخي الكاتب عباس عباس طالب الإدارة بإعادتها له، وهي ملكه وملك أجداده منذ ما يقارب الـ 300 سنة، وما تم ليس بأكثر من احتلال لأرض كوردستان، لكنه جوبه بالرفض القاطع. علما أن هذا الاحتلال كان من ضمن الأسباب المؤدية إلى هجرة العديد من العائلات الكوردية، وذلك بعد ضياع الملك ومصادر الرزق، والإدارة تدرك أن أكثر من ثلاثين عائلة فلاحية في نصران تملك 200 هكتار فقط، مقابل أربع عائلات غمريه تملك أكثر منهم؛ وكان ملكا موزعا بين ثمانية عشرة أخا وأختا؛ أبناء محمد عباس، جميعهم الأن يعيشون في المهجر.
تسكين ما يقارب النصف مليون غمري في المنطقة وربما أكثر بعد سنوات من الاحتلال، واستثمارهم لأراضي كوردستان، كان لا بد من تناولها في السنوات الأولى للإدارة الذاتية، مثلما كان عليهم النظر في الدوائر الحكومية التابعة للسلطة، كالمحافظة ومديرية المنطقة والناحية، والمصارف والبلديات، بحيث تصبح إدارة ذاتية فعلية؛ تابعة للمركز، بحيث تتمكن من إضعاف الإملاءات، وبالتالي تصبح صاحبة قراراتها. ولكانت اليوم عوضا عن إصدار قانون حماية أملاك المغترب، والذي هو في الواقع مصادرة أملاك المغترب، قانون إعادة أملاك الكورد إليهم، في الوقت الذي تحتاج في منطقة سد الفرات والرقة إلى إعادة تسكينها وتعميرها واستثمارها أراضيها.
نتحدث من منطق النصيحة، والنقد من أجل البناء، أملين إعادة النظر في المسارات الخاطئة، ولا شك؛ كل عمل جديد وعلى مستوى بناء المنطقة من العدم؛ لا بد وستكون هناك أخطاء، لكن وللأسف مثل هذه الأخطاء تدرج كشنائع، خاصة عندما تتم وعن قصد، ولغايات، جلها تظهر على أنها تهدف للطعن في القضية القومية الكوردية، وإلا فلماذا نرى أن قرى الغمريين المحتلين لكوردستان ينعمون بالحماية وخدماتهم أفضل بكثير مما هي لدى المدن والقرى الكوردية، ويملكون من الأراضي أضعاف ما يملكه الفلاح الكوردي، مع ذلك يتم أصدار قوانين تطعن في ملكية الكورد لبيته، ويستثنى منه الغمريين.
لن نعود إلى بنود القانون الذي تم الطعن فيه من قبل العديد من الأخوة الكتاب، وما طالب به الأخوة المثقفون والقانونيون، فقط نود معالجة إشكاليتين:
1- البند السابع، هل فعلا يستطيع الكورد المهاجرون الطعن في القانون خلال ثلاثة أشهر؟ وإن أرادوا فهل للإدارة الذاتي قنصليات أو دوائر نظامية في الخارج بحيث يستطيع المتضرر تقديم شكوى؟ أم أن هذا البند خدعة قانونية، يمكن تمريرها على الجهلاء.
2- البند الثاني عشر، هل يملك المهاجرون إقامات في الخارج يمكنه من السفر، أو أموال كافية للعودة خلال سنة إلى الوطن، لتقديم الاعتراض على الحكم الصادر ببيته أو أملاكه؟ أليست هذه بنود تعجيزية.
ليتهم أصدروا مثل هذا القانون بحق الأراضي التي يحتلها الغمريون، ويتم تقديمها لكل عائلة كوردية مهاجرة تعود إلى الوطن، كتحفيز؛ على الأغلب ستؤدي إلى نتائج إيجابية، وبالمقابل سنرى كم من الغمريين الذين هم خارج المنطقة سيخسر تلك الأراضي. وفي الواقع وبهذه العملية ستتمكن الإدارة الذاتية من تأمين مدخول رائع لتطوير المنطقة، أو على الأقل تأمين الكهرباء لساعات، أو بعض الماء، أو مساعدة بعض من العائلات المعانية، حد المجاعة.
نداءنا لجميع الأخوة الوطنيون؛ المستقلون؛ أو في الإدارة الذاتية؛ وفي الحراك السياسي والثقافي، الوقوف في وجه من يتربص بشعبنا وقضيتنا، وتوضيح السلبيات الكارثية التي ستنتج عن هذا القانون والمماثل له، وشرحها وتوضيح سلبياتها للغيورين على شعبهم وقضيتهم من المسؤولين ضمن الإدارة. ونطلب من المخلصين الذين لهم الإمكانيات؛ إعادة النظر فيه، ومحاولة إرشاد الحريصين على مستقبل شعبهم ومنطقتهم ضمن الإدارة، ونأمل منهم أن تتم دراسة مسبقة واسعة قبل الإقدام على مثل هذه المشاريع.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
9/8/2020م