بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي موعداً للانتخابات المُبكِّرة يتصاعد الحديث في الأوساط العراقية عن مدى إمكانية الوفاء بتعهُّداته، وتحديداً فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة وتفكيك نفوذ الميليشيات، والذي يبدو مُعضلةً كبيرةً لا تتوفر لديه أدوات الشروع بها.
ولعل هذا الأمر هو الذي أدَّى إلى تزايد المخاوف الشعبية من أن تكون الانتخابات المقبلة كسابقاتها، وتنحصر في إطار تنافس القوى السياسية التقليدية وتأثيرها على أجوائها؛ إذ يرى مراقبون أن عدم وجود تغيُّر في سياق إدارة الصراع مع الفصائل المسلحة سيؤدي إلى استمرار عدم إيمان العراقيين بإمكانية أن تكون الانتخابات مُنطلقاً لتغيير الخارطة السياسية أو التنافس الانتخابي العادل، الأمر الذي قد يدفعهم للمقاطعة.
حملة انتخابية مُبكِّرة
يبدو أن عقبات عديدة تقف أمام إجراء الانتخابات في موعد مُبكِّر تتعدَّى مسألة حسم الصراع بين الدولة والفصائل المسلحة، إلى إمكانية عرقلة كل القوانين المتعلقة بالانتخابات وحسم ملف المحكمة الاتحادية.
وبالتزامن مع طرح تلك الإشكالات، يرى برلمانيون أن الخطوات الأخيرة للكاظمي توضح أنه “يُدير حملة انتخابية مبكرة” من خلال التماهي مع خطاب المحتجين من دون الشروع بتنفيذ تعهداته، وهو الأمر الذي يشير إليه النائب عن “الحركة المدنية الوطنية” باسم خشان، قائلاً إن “الكاظمي كشف مساعيه في هذا السياق عندما قال لا أمتلك كتلة داعمة في البرلمان، ما يعني أنه يسعى لإقناع العراقيين بأنه بحاجة لكتلة داعمة، وهذا جزء من الحملة الانتخابية المبكرة”.
يضيف باسم خشان أن “حديث الكاظمي عن عدم توفر غطاء برلماني يبدو كتلميح بأنه يسعى لتشكيل كتلة برلمانية داعمة”، مبيناً أن “هذا مجرد تبرير استباقي للفشل في تنفيذ وعوده”.
متطلبات إجراء الانتخابات
كانت مصادر مقربة من الحكومة العراقية قد قالت في وقت سابق، إن “تصويت البرلمان على المنهاج الحكومي الذي ضم مصطلح الانتخابات المبكرة يعني إلزاماً قانونياً على الكاظمي والبرلمان معاً”، الأمر الذي رُوِّجَ على أنه جاء كجزء من الإيفاء بتعهدات حكومته. إلا أن باسم خشان وصف تحديد موعد للانتخابات المبكرة بأنه “دليل على نقص الوعي القانوني”.
حدَّد خشان متطلبات إجراء الانتخابات بـ”تشريع قانون انتخاب البرلمان غير المشرع بعد، وتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا التي يشترط الدستور تصديقها نتائج الانتخابات لتشكيل البرلمان، ولا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية من دون تشريع القانون الأول، وليس لنتائجها أي أثر من دون تشريع القانون الثاني”، معرباً عن قلقه من “عدم إمكانية إجراء الانتخابات الدورية في موعدها الدستوري بسبب تعطيل المحكمة الاتحادية العليا”.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الأوساط السياسية بالخوض في نقاشات بعيدة عن الإشكالات القانونية التي قد تُعرقل إجراء الانتخابات المبكرة، يلفت النائب باسم خشان إلى أن “العراق يعيش فراغاً دستورياً بسبب خلو مقعد أحد أعضاء المحكمة الاتحادية، وكل القرارات الصادرة بعد استقالة هذا العضو تُعتبر باطلة لأنها أتت في فترة غياب الرقابة على القوانين”.
وبشأن الحديث المستمر عن التحديات التي تُواجهها حكومة الكاظمي، يبين خشان أن “الكاظمي يعرف التحديات المحيطة قبل تكليفه، سواء ما يتعلق بحصر السلاح ومواجهة الميليشيات أم ما يتعلق بمحاربة الفساد”، مبيناً أن “وجوده في المنصب من أجل تقديم الحلول وليس إيجاد مبررات للفشل في حسم تلك الملفات”.
“تمثيل منقوص”
بالتزامن مع تزايد الجدل بشأن إمكانية إجراء الانتخابات المبكرة من عدمه، تستمر الأوساط المقربة من الكاظمي بتأكيد عزمه على توفير مستلزمات إجرائها مطلع يونيو (حزيران) 2021، وعلى رأسها توفير الأجواء الآمنة بعيداً عن تأثير السلاح المنفلت والمال الفاسد. في حين يصف مراقبون هذا الحراك بأنه ترويج إعلامي للحكومة ومحاولة تصويرها كجزء من حراك أكتوبر (تشرين الأول) الاحتجاجي في محاولة للكسب الانتخابي بلا خطوات حقيقية في هذا السياق.
يقول الكاتب والصحافي قاسم السنجري “طوال الفترة الماضية يحاول الكاظمي الاعتماد على منطلقات الحركة الاحتجاجية لتعزيز حظوظه في الانتخابات والترويج لحكومته على أنها أتت من رحم الحركة الاحتجاجية، على الرغم من كونها تشكَّلت بتوافق سياسي بعيداً عن أجواء الانتفاضة”، لافتاً إلى أن “كل ما أثاره من إشكالات تتعلق بتفكيك نفوذ الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفساد، ليست سوى محاولة لاستقطاب مشاعر المحتجين، كدعاية انتخابية مبكرة وليست خطوات جدِّية”.
كان الكاظمي قد تحدث في أكثر من مناسبة بأنه لا يمتلك الدعم البرلماني الكافي لتحقيق تعهُّداته، الأمر الذي يُعلِّله السنجري بأن “الكاظمي يحاول ترسيخ فكرة مفادها أن تمثيله منطلقات الخطاب الوطني الذي بلورته الانتفاضة سيكون منقوصاً من دون كُتلة برلمانية داعمة”، مُردفاً “الجمهور لم يعُد يتقبل مبررات السلطة لفشلها في تحقيق مطالبه، فضلاً عن أن كتلة (عراقيون) تشكَّلت في البرلمان لتأييد خطواته ودعمها، ما يعني أنه يحظى بدعم عدد لا بأس به من النواب”.
مُقاطعة جديدة للانتخابات
أما الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني، فيشير إلى احتمالية أن يُدير الكاظمي نوعاً من التسوية تشمل المحتجين من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى، من خلال تنفيذ الانتخابات المبكرة في الموعد الذي أعلن عنه لإرضاء المحتجين، والتفاوض مع الفصائل المسلحة لعدم عرقلتها مقابل عدم توجيه ضربات لها، مبيناً أن “كل المؤشرات المتوفرة تعطي انطباعاً بأن عملية حصر السلاح ومحاسبة القتلة وغيرها من التعهدات للمحتجين، لن تحسم خلال عمر الحكومة الحالية”.
يرى هشام الموزاني أن “الحديث عن عدم وجود كتلة داعمة في البرلمان إشارة واضحة لعدم قُدرته على الوفاء بالتزاماته، وهذا يتناقض مع تعهُّداته في إبعاد السلاح المنفلت والمال الفاسد عن التأثير في الانتخابات”.
يضيف الموزاني أن “إحدى دلالات عجز رئيس الوزراء على حصر السلاح بيد الدولة هي عدم تجرُّؤه على الإشارة إلى الجهات التي تتحمَّل مسؤولية انفلات السلاح”.
ويختم الموزاني بأن “المحتجين يُدركون أن الدخول في السباق الانتخابي من دون حل مسألة السلاح المنفلت وتوفير أجواء آمنة يعني دفعهم باتجاه مقاطعة جديدة تستند على أدلة منطقية”، مبيناً أن “الكاظمي خلق لدى العراقيين تصوراً بأنه عاجز عن حل الإشكالات الرئيسة”.
إرادة سياسية غير متوفرة
يخوض الكاظمي صراعاً مستمراً مع الفصائل المسلحة منذ توليه منصب رئيس الحكومة مطلع مايو (أيار) الماضي، حين أدار حملات عديدة كانت آخرها اعتقال مجموعة تابعة لـ”كتائب حزب الله” فيما عُرف حينها بـ”خلية الكاتيوشا”، إلا أنه تم الإفراج عنهم بعد تصعيد من الفصائل وصل إلى حدود اقتحام المنطقة الخضراء، الأمر الذي يُعطي انطباعاً بعدم توفُّر أدوات الشروع بحصر السلاح بيد الدولة، ما قد يدفعه إلى صياغة نوع من التسوية مع تلك الجماعات وعدم الدخول بمواجهة جديدة معها قبل الانتخابات المقبلة.
وفي السياق ذاته، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن “محاولة السيطرة على السلاح المنفلت قبل الانتخابات لا ترتبط فقط بإرادة الكاظمي والقدرة على تحقيقها، بل بالإرادة السياسية التي تبدو غير متوفرة، على الأقل بالنسبة للجهات التي تمتلك فصائل مسلحة أو تدعمها”، مبيناً أن “هذا التحدي هو الأكبر بالنسبة لحكومته”.
يُضيف إحسان الشمري أن “الكاظمي يُحاول التماهي مع مطالب الحركة الاحتجاجية التي مكَّنته بداية من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء، فضلاً عن إدراكه أن الاصطفاف مع الحركة الاحتجاجية هو المنفذ الوحيد المتوفر له في خلق جمهور مؤيد إزاء خارطة الخصوم السياسية المتصاعدة ضده”، مشيراً إلى أن “هذا الحراك لا يمكن أن ينجح من دون اقترانه بخطوات حقيقية تقنع المحتجين”.
يُتابع “الكاظمي سيترك موضوع تقويض النفوذ الخارجي لخيارات الناخب العراقي، لكنه سيستخدم تنامي الخطاب الوطني كورقة ضغط على القوى المدعومة خارجياً في السباق الانتخابي”.