مع نهاية كل مرحلة في العراق، وبدلاً من القراءة المنصفة والعقلانية للمرحلة السابقة وتداعياتها وتراكماتها السلبية، ووضع الأحداث تحت المجهر لمعرفة دلالاتها. تختل المعادلات وتظهر فى الآفاق مؤشرات وبوادر لأزمات عاصفة وحالات إحتقان جديدة وربما غير مسبوقة تثير السخرية وتوجع المضاجع. أزمات ظاهرها مبني على تبادل الإتهامات، وغاياتها تحتمل تفسيرات عديدة تستند الى سياسة الإمساك بخيوط وملفات تعرج على نظرية المؤامرة وتمر بالتخوين والإسقاط والتعامل المبالغ فيه بين الشركاء، وتنتهي بفقدان الثقة المتبادلة وشيوع الفوضى، وخلط الأوراق لتسييس المعاني وإختلاق تناقضات جديدة، وتشخيص الأسباب وفق المصالح والأهواء، وللبحث عن المعالجات بأساليب مغلوطة ومضللة وخارجة عن السياق الواقعي لتطور الأحداث، وبعيداَ عن الإستحقاقات والمنظور المتكامل لرؤية الاحداث كما هى.
هذا النمط من البحث الذي يعشعش فى العقول مع إنتهاء كل مرحلة وبداية مرحلة أخرى، هو النقيض الكامل للنقاء والتصالح والتسامح، يشوه الصور و يهدف لإزاحة المسؤولية عن جهات معينة كانت موجودة بقوة في المشهد السياسي، ويلقي بها، عن قصد ودراية على أطراف أخرى، ويتهمها بالضلوع فى التهرب من المسؤولية والتآمر على الثوابت الوطنية. كما يؤسس لإستمرار الأزمات أو في الأقل يكفل بإعادتها .
في العلن، الأطراف جميعها تعلن رغبتها في البحث عن الحلول والمشتركات والمزيد من المكتسبات، وتطلق تسميات (الخطرة، الحساسة، الدقيقة، الحرجة، المعقدة، الصعبة والغامضة) على المرحلة الحالية والقادمة، وتدعو الى وحدة الصف والكلمة لمواجهة التحديات والمخاطر، وفي الخفاء تتربص ببعضها وبالشعب المسكين الذي يعاني من عشرات وربما المئات من الويلات والمآسي .
أما الذين يستطيعون تحديد طبيعة الأوضاع التي يعانون منها وأسبابها، ويعرفون خطورة الأزمات القادمة وجذورها الاصلية، والمتيقنون من تزايدها المستمر من حيث الكم والنوع، فقد ملوا من سماع التسميات التي تطلق على مراحل حياتهم، لأنها متشابهة من حيث المضمون ومختلفة فقط من حيث الحروف التي تتشكل منها التسمية. ملوا من تسميات تجاوزت المعقول وأغرقتهم وبلدهم في بحر من الأزمات، ولم تنته حتى الآن. وهم على يقين بأن التسميات القادمة لاتكون أقل سوداوية وتدميرية من التسميات السابقة بسبب الحالات السلبية التي تركتها الحكومات الضعيفة السابقة،والإستفحال المزمن لأمراض قديمة فى ثنايا جسد العراق المنكوب المشوه الصورة، وبسبب الفوضى السياسية العارمة التي تهدف الى التغطية على الأسباب الحقيقية للفشل في غالبية المجالات، والفساد المستشري في كل مفاصل البلاد، والمليارات الضائعة والحرب ضد داعش التي منحت الفرصة والحق للبعض لإمتلاك الأنصار والمؤيدين والإمكانات والسلاح والمال وحق التصرف من موقع المنتصر والوصي على الحكومة بغية فرض رأيه ووجهات نظره وفرض الأمر الواقع، وطرح مرشحه لهذا المنصب أو ذاك ورفضه لذلك الإجراء أوالقرار، وأن يهدد بمنتهى الشجاعة والجرأة بعدم إستبعاد كل الخيارات وبإصطناع المزيد من العراقيل والمجازفة بمصير البلاد والعباد وصب الزيت على النار في منطقة ملتهبة أصلا، وإغراق الشوارع بالدم في حال تجاهل شروطه المعلومة والضمنية، أوتهميشه أو التفكير في عزله عن المشهد والقرار السياسي.
مع ذلك، ووسط الظروف المحيطة والمرافقة للمرحلة التي تبدو :انها لا تنتهي، بعضهم يريد التغاضي عن أخطاء الآخرين وطموحاتهم غير الديمقراطية وتجاهلهم للدستور وعدم إحترامهم للقانون، والهيمنة المطلقة على السلطات. يريدون التأني والتفاؤل عسى أن يجدوه، والإثبات على أن الأمور غير خارجة عن الإرادة والسيطرة، ومازال المستحيل ممكناً، لذلك يريدون المشاركة في حكومة تسترجع حقوقهم عبر التوافق في إصدار القرارات وتعيد العملية السياسية الى مسارها الصحيح، معتمدين على شخصية (عادل عبد المهدي) ومنطلقاته الفكرية وتاريخه، والوعود والتطمينات والإتفاقات الخارجية والداخلية، وعلى الدستور الذي يضيق ويضائل هامش المناورة معهم والمؤامرة ضدهم، ويريدون تجاهل الماضي القريب والتهديدات المستمرة والتصريحات الإستفزازية التي كانت توجه نحوهم، والإنسدادات السياسية ونزعات الاستئثار والغلبة والتهميش، ويريدون تجربة كل إختلافات الفرقاء.