من ضمن قرارات جلسة مجلس الوزراء المتخذة يوم 17 آب 2020 ما يلي والتي تتعلق بشركة النفط الوطنية العراقية:
- الموافقة على مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية، وإحالته الى مجلس النواب، استناداً الى أحكام المادتين(61/أولاً، و 80/ البند ثانياً) من الدستور، مع الأخذ بعين الاهتمام رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
- إكمال خطوات تأسيس الشركة من خلال قيام مجلس إدارتها باختيار مكتب استشاري متخصص للعمل على وضع الهيكل الإداري وتصنيف المهمات والمسؤوليات، وتحديد قيمة الموجودات الثابتة للشركات المملوكة، تمهيداً لفك ارتباطها من وزارة النفط، وتمليكها للشركة موضوع البحث دون بدل، انسجاماً مع أحكام المادتين (5/1، و 7/5) من قانون شركة النفط الوطنية، مع الأخذ بعين الاهتمام ما جاء في مشروع القانون المذكور آنفاً.
قبل مناقشة ما ورد في القرار اعلاه لابد من الاشارة الى بعض ما يتعلق بالموضوع:
اولا: سبق لي ان تناولت ما جاء في المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي بشأن “استكمال وإرسال مشروع قانون (شركة النفط الوطنية العراقية)” وبينت ان اهمية شركة النفط الوطنية العراقية يتطلب اصدار قانونها بعد دراسة متأنية متكاملة من كافة الجوانب التخصصية والتقنية والقانونية والاقتصادية وضمن الظروف الاعتيادية مما يضمن صواب اعادة تشكيل الشركة وفق الاسس والمعايير الحديثة والمتقدمة المتعلقة بمعايير الكفاءة والانتاجية والجدوى الاقتصادية.
ولكن موضوع هذا القانون ومحاولات اصداره ليست بالجديدة وخاصة بعد عام 2003 حيث طغت الاعتبارات السياسية وممارسات “الفساد المشرعن” على متطلبات الكفاءة والانتاجية والجدوى الاقتصادية والمصلحة الوطنية العليا، وكان اخرها قانون الشركة “الخبيث” رقم 4 في 2018 الذي مرر من قبل مجلس النواب وصودق عليه بطريقة مشبوهة وظروف غامضة وسرعة قياسية بتنسيق ودعم من قبل وزير النفط في حينه جبار لعيبي الذي سارع باتخاذ مجموعة من الاجراءات الخاطئة والمتناقضة والمتعارضة مع الدستور مما دلل على افتقار الوزير جبار لعيبي لأبسط مؤهلات القدرة الادارية بدلالة تخبطه المعهود في اتخاذ القرارات.
دفع تشريع القانون البائس الخبيث الى اطلاق حملة وطنية من قبل خبراء النفط والشخصيات الوطنية، خارج العراق وداخله، الى الطعن بالقانون المذكور امام المحكمة الاتحادية العليا حيث قبل الطعن. وبذلك شكل قرار المحكمة الاتحادية العليا الموقرة اساسا ماديا وقانونيا مهما للغاية وملزما لكل من السلطة التشريعية (اي مجلس النواب) و السلطة التنفيذية (اي مجلس الوزراء ووزارة النفط) عند اجراء التعديلات الضرورية للقانون رقم 4 في 2018.
ثانيا: تم ادراج قانون الشركة اعلاه في البرنامج الحكومي لوزارة عادل عبد المهدي، وهو من الداعمين الاساسيين للقانون “الخبيث” المذكور اعلاه؛ حيث ورد في البرنامج الحكومي (المحور الثالث: (1) وزارة النفط، الفقرة (11ت 1.)) الى “وضع قانون شركة النفط الوطنية موضع التطبيق” وحدد تاريخ بدء الاجراء في 25/10/2018 والانتهاء في 25/10/2020.
وتنفيذا لذلك فقد أكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط السابق ثامر الغضبان (في حكومة عادل عبد المهدي) يوم الأحد 10 اذار 2019 أنه “امام الوزارة مجموعة من البدائل هي: اما يعدل مجلس النواب القانون، او يرسله مجددا الى السلطة التنفيذية لإعادة النظر به، او تتقدم السلطة التنفيذية بمشروع قرار جديد وفق صلاحياتها بمسودة مشروع قرار جديد شامل ياخذ بنظر الاعتبار الطعون التي اقرتها المحكمة الاتحادية وبنفس الوقت ياخذ بنظر الاعتبار رؤية وزارة النفط في كيفية انشاء هذه الشركة بطريقة عصرية اصلاحية”.
الا ان وزارة النفط لم تعلن اي تفاصيل عن تلك البدائل او المفاضلة فيما بينها واولوياتها وهل تم فعلا تقديمها الى مجلس الوزراء في حينها ومتى ام لا.
ثالثا: يبدو ان قرار مجلس الوزراء الاخير موضوع البحث قد اعتمد، جزئيا، البديل الثالث مما ذكره الوزير السابق ثامر الغضبان اي ” تتقدم السلطة التنفيذية بمشروع قرار جديد وفق صلاحياتها بمسودة مشروع قرار جديد”، ولكن ليس هناك ما يؤكد ان هذا المشروع للقرار الجديد ” شامل ياخذ بنظر الاعتبار الطعون التي اقرتها المحكمة الاتحادية وبنفس الوقت ياخذ بنظر الاعتبار رؤية وزارة النفط في كيفية انشاء هذه الشركة بطريقة عصرية اصلاحية”؛
رابعا: اما من ناحيه التوقيت فمن الغريب ان يتخذ هذا القرار قبل ساعات من مغادرة رئيس الوزراء الكاظمي والوفد المرافق له الى الولايات المتحدة فهل في الامر صلة بمهمة الزيارة الرسمية ولماذا.
في ضوء ما تقدم ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها العراق وبسبب الوضع النفطي المقلق للغاية التي تتطلب المزيد من المتابعة والجهود من قبل وزارة النفط، فانني لا ارى مطلقا اي ضرورة ملحة لتبني حكومة الكاظمي لهكذا قانون وتشريعه خلال الدورة النيابية الحالية، خاصة وان الفترة المتبقية لحكومة الكاظمي والدورة النيابية الحالية قصيرة للغاية لا تسمح بمناقشة هذا التعديل المهم غير المعروفة تفاصيله!!!
عودة الى القرار الاخير لمجلس الوزراء اود بيان ما يلي:
اولا: فيما يتعلق بالفقرة (1-) من القرار اعلاه:
- لم ينشر نص “مشروع قانون التعديل الاول” وعليه من الصعب التحقق من مدى الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية العليا المذكورة اعلاه والعمل بموجبها عند اعداد مشروع قانون التعديل؛
- لم تتم الاشارة الى احالة مشروع قانون التعديل الى مجلس شورى الدولة للتاكد من قانونية التعديل ام لا؛
- لم يذكر القرار ما هو ” رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء” بشان الموضوع، واذا كان رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء مهما لهذه الغاية، فلماذا لم يتم تضمينه في مشروع التعديل؟؟
- لم يذكر القرار من هي الجهة الرسمية التي يجب عليها ان تأخذ رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعين الاعتبار؟ فان كان المقصود هو مجلس النواب فهذا يخالف أحكام المادتين(61/أولاً، و 80/ البند ثانياً) من الدستور؛ حيث تعنى كلا المادتين باقتراح مشروعات القوانين ولم يرد فيهما ما يلزم اخذ رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعين الاعتبار؛ وماذا سيحصل في حالة عدم اخذ تلك الجهة الرسمية رأي الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعين الاعتبار!!!
وعليه فان ما ورد في الفقرة (1-) من القرار غير دقيق وغير متناسق اضافة الى انعدام الشفافية (عدم نشر او اعلان نص مشروع التعديل وراي الأمانة العامة لمجلس الوزراء).
ثانيا: اما ما يتعلق بالفقرة (2-) من القرار اعلاه فانها تعاني من العديد من الثغرات اهمها:
- كيف يمكن لمجلس الوزراء اقرار ” إكمال خطوات تأسيس الشركة” قبل ان يتم اعتماد مشروع قانون التعديل من قبل مجلس النواب ونشره في الجريدة الرسمية؟؟!!
- هل تم تعيين مجلس ادارة الشركة؟ واذا تم ذلك فمن هو رئيس الشركة ومن هم اعضاء مجلس ادارتها؟؟ واذا لم يتم ذلك فمن سيتولى مهمة ” إكمال خطوات تأسيس الشركة”؟؟
- الغريب ان ” إكمال خطوات تأسيس الشركة” يتم فقط ” باختيار مكتب استشاري متخصص” وهذا لم تتم الاشارة اليه في القانون 4 لسنة 2018!!! حيث حددت مهمة المكتب الاستشاري في القانون بتحديد قيمة الموجودات الثابتة للشركات المملوكة فقط وليس ايضا ” وضع الهيكل الإداري وتصنيف المهمات والمسؤوليات”!!!
- وفيما يتعلق بتحديد قيمة الموجودات الثابتة للشركات المملوكة، اليس من الاجدى والادق قيام ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتعاون مع الشركات المعنية بهذه المهمة بدلا من المكتب الاستشاري المتخصص (والذي في الغالب سيكون اجنبيا ومكلف ماليا ومختلف منهجيا)!!!
- وفي هذا المجال لا بد من التاكيد وبكل وضوح ودقة ان تحديد قيمة الموجودات الثابتة للشركات المملوكة المنتجة حاليا (نفط البصرة ونفط الشمال ونفط ميسان ونفط الوسط ونفط ذي قار) ومستقبليا لا تتضمن مطلقا الاحتياطيات الهايدروكاربونية-النفطية (النفط والغاز والمكثفات) المؤكدة والمحتملة؛ حيث ان الثروة النفطية- حسب الدستور- ملك لكل الشعب العراقي وليس للشركات المنتجة المذكورة؛
- بسبب عدم نشر نص مشروع تعديل القانون قيد البحث يصب معرفة، في الوقت الحالي، من هي الشركات المملوكة وهل هي نفس الشركات المدرجة في “المادة-7- ثانيا-2.” من القانون رقم 4 لسنة 2018. فان كانت نفس الشركات المدرجة فهذا يخالف قرار المحكمة الاتحادية العليا على قدر تعلق الامر بضم شركة تسويق النفط (سومو) ضمن الشركات المملوكة. وفي هذا المجال فانني ارى عدم ضم كل من شركة الاستكشافات النفطية وشركة الحفر العراقية وشركة الناقلات العراقية والابقاء عليها كشركات خدمية متخصصة (وخاصة بالنسبة لشركتي الاستكشافات والحفر)؛
- اشار قرار المجلس قيد البحث الى ” أحكام المادتين(5/1، و 7/5) من قانون شركة النفط الوطنية ” وهذا غير دقيق حيث لا توجد هاتين المادتين في القانون المذكور؛ وكان يجب الاشارة الى المواد المعنية بدقة اي: “المادة-5- اولا- 1″ و ” المادة-8- خامسا” على التوالي؛
- لقد اختتمت الفقرة (2-) من القرار اعلاه بعبارة فضفاضة لا ضرورة ولا اهمية لها حيث نصت ” مع الأخذ بعين الاهتمام ما جاء في مشروع القانون المذكور آنفاً”!!! اليس مشروع القانون المذكور ملزما لمجلس ادارة الشركة في حالة اقراره حسب الاصول الدستورية !!! ان مثل هذا النص يفسح المجال للتخبط واتخاذ الاجراءات الخاطئة والمتسرعة وغير المدروسة وتذكرنا بقرارات جبار لعيبي؛ الم تتعظوا بعد ولماذا هذا الصرار على تكرار الاخطاء والممارسات الكارثية؟؟!!
في ضوء ما تقدم اجد من الضروري:
اولا: بسبب العديد من الثغرات المشخصة اعلاه لا بد من قيام الامانة العامة لمجلس الوزراء بنشر كامل نص مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية ومعرفة راي مجلس شورى الدولة بشان الرصانة القانونية لمشروع القانون وخاصة ما يتعلق بقرار المحكمة الاتحادية العليا بقبول الطعون للقانون رقم 4 لسنة 2018؛
ثانيا: ان نشر كامل نص مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية سيمكن الخبراء النفطيين من تقييمه وابداء المشورة بشأنه؛
ثالثا: ادعو مجلس النواب الى عدم تناول مشروع قانون التعديل الاول لقانون شركة النفط الوطنية العراقية خلال الدورة الحالية واحالته الى مجلس النواب الجديد بعد الانتخابات النيابية في العام القادم؛
رابعا: في حالة اصرار كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب على تمرير و”لفلفت” مشروع قانون التعديل الاول بنفس الطريق والاسلوب التي شرع بها القانون رقم 4 لسنة 2018، فما علينا وعلى جميع المخلصين المعنيين بهموم الوطن وحماية ثروته النفطية إلا الاستعداد للمواجهة واللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا الموقرة لأنها، بقناعتي، هي الجهة الوحيدة التي اثبتت التجارب الفعلية انها حامية للدستور.
ارجو نشر وتوزيع هذا الموضوع الى اوسع نطاق ممكن.
مع كل الود والتقدير
اخوكم
احمد موسى جياد
استشارية التنمية والابحاث
النرويج
18 آب 2020