إلحاقا بالحلقات التي كتبتها والتي كنت أنشرها تحت هذا الأسم ابتداءا من نهاية عام 2011 وجدت من المفيد العودة إلى الوراء وتدوين بعض ما لم يجر التطرق إليه من قبل ، حول تشكيل مجموعة أنصارية في هضبة ختارة ودوغات وثم محطات الالتحاق المتعددة بأول قاعدة انصارية في ناوه زه نك في عام 1978 .
الجدير قوله هنا ، إن بغداد أثناء الحملة أصبحت ملاذا ومدينة اختباء لنا نحن شيوعيو محلية نينوى ، فغالبية الرفاق المعروفين على مستوى مناطق سهل نينوى وجدوا لهم اوكارا للاختباء هناك في تلك الفترة وذلك على شكل مجموعات صغيرة أو أفراد وكانت تربطهم علاقات خيطية على الغالب بعيدا عن الأشكال التنظيمية الأخرى المعروفة ، فقد كانت هناك مجموعات وكان هناك أفراد من ألقوش وكذلك من بعشيقة وبحزانى وهكذا ، ولكن في الواقع لم تكن هناك معطيات و معلومات عن عدد هؤلاء الرفاق ولا عن أوكار اختباءهم ، وبالنسبة لنا نحن المجموعة التي يتركز حديثي حولها وهي من ريف تلكيف كانت أعدادهم أكبر من بقية المجموعات وكانوا متوزعين أما أفرادا أو مجموعات صغيرة ، بعضها في بيوت سرية وأخرى في أماكن عمل حصلوا عليها وذلك للتغلب على العوز والحصول على السكن ، وهذه المجموعات والأفراد كانت ترتبط مع بعض بعلاقات خيطية كما أشرت ، ولكنها علاقات فاعلة وسريعة الاستجابة عند الضرورة ، وإلى جانب هذا فإن علاقتها بقيادة الحزب لم تنقطع الى حوالي شهر قبل مغاردة آخر فرد منها او منهم إلى أربيل ، اذ استطاع الرفيق أبو داؤد (خديدا حسين علي) وهو أحد أعضاء ل.محلية نينوى وسكرتير ل.قضاء تلكيف في ذلك الوقت على تأمين التواصل مع الرفيق ابو جوزيف عبر الفقيد سالم اسطيفان الذي كان عضوا في مكتب محلية نينوى وكان مختبئا في بغداد مثله مثلنا ، ويتلقى توجيهاته الحزبية من الرفيق الفقيد أبو جوزيف الذي كان يختبئ في نفس الفترة في بغداد أيضا ، ومما يذكر فقد تحققت عدة لقاءات مع سالم اسطيفان بوجود الرفيقين أبو عمشة وأبو سربست اللذان كانا أعضاء محلية نينوى أيضا ، وكان يجري التركيز في كل لقاءاتهم حول الوجهة التالية لهذه المجاميع المختفية في بغداد أو حتى في مدن أخرى دون أن يستطيعوا التوصل إلى اقرار أو اتفاق حول وجهة معينة وخصوصا لم تكن قيادة الحزب قد استطاعت حسم موقفها النهائي من الحملة التي كان يشنها نظام البعث ضده ، بل كان هناك تعويل على امكانية تغيير النظام لنهجه ووقف الحملة وإعادة الأمور إلى طبيعتها ، وخصوصا كان هناك لقاء مرتقب بين مكرم الطالباني و صدام حسين .
ولما كانت قناعات رفاقنا بهذه الإمكانية معدومة نظرا لمعرفتهم بطبيعة البعث العدوانية ، هؤلاء الذين تخلوا عن كل شيء وتحدوا جبروت النظام وغطرسته لم يجدوا غير السلاح باعتباره الرد المناسب لهذه الحملة التي كانت تشتد يوما بعد يوم ضد منظمات الحزب ، لذلك قررت المجموعة الصغيرة التي كانت تدير شؤون مجموع الرفاق من ريف تلكيف المضي في طريقها الخاص وكان اول خطوة في هذا الصدد محاولة اللقاء بقيادة الحزب في مقر اللجنة المركزية في بغداد الذي كان لايزال مفتوحا بشكل رسمي وذلك بعيدا عن دراية المجموعة التي كانت ترتبط بالفقيد أبو جوزيف وكذلك بعيدا عن دراية الرفيقين أبو عمشة وابو سربست ، إذ بادر أبو داؤد الذهاب إلى هناك رغم خطورة الأمر ، فكانت مجازفة مثمرة بعد أن أستطاع اللقاء بالرفيق الفقيد عبد الرزاق الصافي الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب حينها ، وشرح له موقف مجموعتنا ومعاناة رفاقها وأهمية البحث في أمكانية وضع نهاية لعملية اختباءهم في بغداد ، يقول أبو داؤد بهذا الصدد ، بادر الرفيق الصافي بالسؤال قائلا هل لديكم وثائق ..؟ فأجابه أبو داؤد أية وثائق تقصد ..؟ رد الصافي أقصد الوثائق التي قد تساعدكم للوصول إلى سوريا أو لبنان ، إذ نستطيع تأمينها لكم إذ كنتم مستعدين للسفر إلى هناك .. فيرد ابو داؤد وهل سوريا ولبنان هما وجهتنا القادمة و ليس هناك وجهة أخرى غيرها .. ؟ أستدرك الصافي الأمر فقال لأبو داؤد يمكنكم الذهاب إلى الإقليم فقد تجدون الإجابة بخصوص الوجهة التي تقصدونها هناك دون أية تفاصيل أخرى …
وعلى أثر ذلك تقرر مواصلة التصرف والتحرك بمعزل عن كل الذين جرت الإشارة إلى أسماءهم وأهمية خوض محاولة أخرى تنسجم مع قناعات الرفاق وإهمال كل من شأنه ثنيهم عن سبيل حمل السلاح ، فكانت الخطوة الثانية هي الذهاب إلى أربيل ، وتطوع لأجل ذلك كل من الرفيقان أبو ماجد وأبو حربي وذلك للقاء قيادة الإقليم والبحث في إمكانية الالتحاق بالجبل ، وبدأت المجموعة دراسة خطة من أجل ذلك وخلال أيام قليلة وبعد تأني جاد توفرت القناعة التامة بأهمية القيام بهذه المحاولة التي لابديل عنها وتوفرت بقية المستلزمات للسفر إلى أربيل ، وهكذا سافر الرفيقان إلى هناك فألتقيا بأبو حكمت وتشاورا معه للغرض الذي ذهبا من أجله فأبدى موافقة قيادة الإقليم لقناعة ورغبة الرفاق وإصرارهم بالالتحاق في الجبل عن طريق أربيل ، ولما كان الأمر كذلك ووصلت الأمور إلى حد الاتفاق النهائي ، بقي الرفيق الفقيد أبو ماجد في أربيل وفق الاتفاق وعاد الفقيد أبو حربي إلى بغداد لاخبار أبو داؤود بحصول موافقة الإقليم ولكن وفق شروطهم وأختيارهم للوقت المناسب وكيفية الوصول إلى أربيل ، وهكذا جرى الاتفاق كذلك على أن يكون الرفيق الفقيد أبو حربي منسقا ينتقل بين بغداد واربيل لمتابعة الإجراءات النهائية لاستقبالنا في الأخيرة ، ثم ترحيلنا إلى الجبل ، فبحماس منقطع النظير نفذ أبو حربي مهمته ، و تنقل لثلاث مرات بين المدينتين حتى اكتملت كل الإجراءات .
إذن في النصف الثاني من شباط عام 1979جرى حسم قرار التحاقنا بالجبل ، نعم بالجبل الذي لم يطء قدمي فيه أكثرمن مرة واحدة عندما ذهبت مع بعض أصدقائي لزيارة دير الربان هرمز في جبل القوش الذي يقع إلى الشمال من قريتنا .
أنشغلنا في تلك الأيام الأخيرة التي كنا ننتظر فيها تحديد يوم الالتحاق بالجبل أو السفر ، بالبحث عن حاجياتنا الجبلية القادمة من الملابس والأشياء الأخرى مع التأكيد على أن تكون كلها أشياء خفيفة لكي لا تعيق حركتنا ، وفي الواقع لم أكن أعرف شخصيا ولا أي أحد من الشباب الجدد كيف ستكون الأمورهناك في الجبل ، ولذلك كنا نسأل الآخرين الذين خاضوا التجربة الأنصارية في بيرموس لفترات طويلة وآخرين خاضوا تجارب أنصارية ، إذ كنا نسألهم عشرات الأسئلة عن طبيعة الحياة الأنصارية هناك وطبيعة الأشياء التي سنحتاجها حتى تكونت لدينا صورة معينة وعلى أثرها تبضعنا بعض الملابس من بلوزات خفيفة مع قماصل ، ولكن لم يجر توجيهنا لاقتناء أحذية جبلية وهي أهم حاجة من حاجيات الجبل وخصوصا بالنسبة إلى الأنصار، إذ بدون حذاء جيد وقادرعلى مقاومة تضاريس الجبل وطبيعته لن يكون المرء مقاتلا أو نصيرا نشيطا .
أُبلغت إن السفر إلى أربيل سيكون في الأيام الأولى من شهر آذار ، وبدوري أتصلت ببعض الشباب ومن بينهم الرفيق آدوي حسن ( النصير هادي ) والرفيق شمو سليمان للقدوم إلى بغداد قبل السفر بليلة واحدة ، قلت لهما عليكم توديع اخوتكم وأصدقاءكم وتصفية أموركم في المحمودية إذ أكدت عليهما حسب توجيهات الرفاق بأنها أيامنا الأخيرة هناك ، وكان عليً وكامل تبليغ السيد رمزي صاحب (حانة رمزي) بقرب مغادرتنا لبغداد كي يتسنى له البحث عن عمال بدلاء عنا ، ولكن رمزي الشهم تمسك بنا كثيرا وأكد مرارا وهو يقول لايمكن لكم أن تغادروا ، بل أبقوا هنا وأنا أتكفل حمايتكم دون أن يقول ما تبقى مما كان يعرفه عنا أو يتوقعه بِشأننا أو بشأن وجهتنا ، حاولت إقناعه بأننا ذاهبون إلى أهلنا في إجازة وثم العودة بعد قضاء عدة أيام لن تكون طويلة ، ولكنه لم يقتنع ، وفي اليوم الآخير قال أعرف إن وجهتكم ليست إلى أهاليكم ولم يفصح أكثر أو يقول ماكان ربما يعرفه حق المعرفة ، ولكنه كرر القول بأنه مستعد أن يوفر لنا كل أشكال الحماية ، كي نعيش هناك بأمان دون أن يتعرض لنا أحد . ولكن كل محاولاته المخلصة لم تسطع ثنينا مما كنا مقنتعين به والتراجع عن ما خططنا له .
وصلا الرفيقان آودي ومعه الرفيق شمو سليمان (شاكر) والأخير أستشهد أثناء عمليات أنفال بادينان في عام 1988 مع كامل عائلته الصغيرة المتكونة من زوجة وطفلين جميلين (برزين وبرور Pargin & parwar ) إلى بغداد قبل سفرنا بيوم واحد ولازالت وجهتنا كانت مجهولة بالنسبة لهما ، ولكن بسبب طبيعة علاقتي بالرفاق المسؤولين عن مجموعتنا وتردد الرفيق أبو فؤاد و أحيانا أبو ماجد إلى الحانة للمبيت والتي كنت أعمل فيها كانت تتسرب إلى سمعي بعض المعلومات الخاصة بشأن مختلف خططنا ، وعندما تجولنا أنا مع آودي في شوارع بغداد وأسواقها للمرة الأخيرة واشترينا بعض الحاجيات الصغيرة ، قلت له بأننا ذاهبون إلى الجبل عن طريق أربيل ، فاستقبل المعلومة بفرح غامر وقال إذن سنرى أربيل التي لم أزرها قبلا ، وأنا قلت من جانبي وأنا أيضا لم أزرها ، إنها فرصة تاريخية جميلة سنرى فيها أربيل وهي أول مدينة كوردية نزورها في ظل ظروف خاصة ، إذ لم يسبق لنا نحن الشباب أن زرنا أية مدينة من المدن الكوردستانية الواقعة إلى الشمال من قريتنا . قضينا وقتا ممتعا وأخيرا في شواع بغداد وأسواقها ، ذهبنا إلى محل للشربت كنت أحب شرابه والذي كان يقع في نهاية شارع الرشيد بالقرب من ساحة التحرير وكان اسمه شربت فاضل لتناول كوكتيل أخير هناك ، ولم ننس أن نتناول وجبة شهية أخيرة في بغداد وكان ذلك على ما أظن في مطعم تاجران في شارع السعدون ، وكأسا أخيرا من الشاي في نفس الشارع قبل العودة إلى المحل ، قضينا ليلتنا هناك وجاء رفاق آخرين في وقت متأخر من الليل ، سهرنا طويلا نستجمع ذكرياتنا ونتحدث عن تصوراتنا عن الجبل وأيامنا القادمات ، وفي الصباح أستيقضنا مبكرا وتوجهنا في وقت محدد إلى كراج النهضة ، الذي تنطلق منه حافلات النقل المختلفة إلى كل المدن والمحافظات العراقية ، والجدير قوله شهد العراق في تلك الفترة تطورا كبيرا في مجال توفير وسائط النقل المريحة ، هناك في كراج النهضة تجمع الرفاق قادمين من عدة مناطق من بغداد والمدن القريبة منها ، وكانت مجموعتنا هي الأكبر التي توجهت إلى أربيل بشكل جماعي ، رغم الحذر والتوجيهات التي تؤكد بعدم التجمع ، وكان تواجد الجميع هناك شيئا مفرحا وكان الرفيق أبو حربي ينظم أمر سفرنا حيث تلقينا منه توجيهات إضافية في حال تعرضنا إلى أسئلة في نقاط التفتيش الواقعة بين بغداد وأربيل ، وعندذاك فقط أكتشف بعض الرفاق بأن التحاقنا بالجبل سيكون عبر أربيل ، لم ألحظ ترددا أو ندما في قسمات وجوه الرفاق أبدا ، إذ كلهم كانوا في أوج حماستهم وفي قمة الفرح والإرتياح وكأنهم ذاهبون إلى حفلة عرس تنتهي سريعا وتبقى ذكراها عالقة في أذهانهم كأي حدث مضى سعيدا بين الأهل والأحبة في ثنايا قرانا التي كانت تشهد في أحيان كثيرة أحداثا صاخبة مختلفة حيث كانت ساحة صراع دائم بسبب وقوعها على خط التماس بين المركز والإقليم الذي كان ملتهبا على الدوام ولازال الأمر كذلك ، مما تعرض الوجود الأيزيدي لأكثر من مرة إلى التهديد على هذه البقعة المنسية اهتماما ولكنها المشتعلة دائما .
ابتداءا من ذلك اليوم ومن تلك اللحظة التي وطئت فيها أقدامنا كراج النهضة في بغداد بدأنا نعمل وفق (قاعدة اثنان اثنان يارفاق) وذلك لصرف انتباه رجال الأمن و أية شكوك قد تحوم حولنا ، هذه القاعدة التي أصبحت فيما بعد ملازمة في حياتنا نتبعها نحن معشر الأنصار أثناء أية مسيرة كانت وأينما كانت والتي تركت أثارها لحد الآن على تصرفاتنا وكل جوانب حياتنا ، فكنت مع الرفيق آودي (هادي ) الذي بدأت صداقتي ورفقتي معه بعد عودتي من مدينة ألقوش والتحاقي مع أهلي في دوغات بعد مغادرتهم ختارة بسبب القتال الدائر في المنطقة ( جئت إلى ذكره في أحدى الحلقتين السابقتين ) إذ وصلت إلى هناك (ألقوش ) مع طالب زميل لي من قريتنا أسمه تمو سامو لتكملة مشوارنا الدراسي في ثانوية ألقوش وبدأتُ الدوام فيها عند بداية السنة الدرسية لعام 1973 – 1974 طالبا في الأول المتوسط قبل أن يتحول بيتنا في ختارة بفترة قصيرة إلى ساحة قتال تعالى فيها صوت الرصاص وتلطخت بعويل النساء وصراخ الأطفال وثم الدم والخراب ، مما تشرد أهلي في ليلة مفتوحة على كل الاحتمالات إلى قرية آودي وهي دوغات وكان ذلك بداية انقطاعي عنهم لشهور طويلة ، ومن الجدير قوله عانيت أثر ذلك الانقطاع الحرمان وعدم القدرة حتى على دفع إيجار الغرفة التي كنت أسكنها ، الأمر الذي أدى إلى أن أنتقل من غرفة إيجار إلى أخرى ، ولولا تعرفي على عائلة من قرية بوزان كانت تسكن ألقوش والتي احتظنتني وأولت اهتماما كبيرا بي لساءت أموري كثيرا . سَجلتً تلك الأيام القاسية رفقة جميلة لفترة معينة مع الزميل والصديق ميرزا شيخ سليمان من قرية سريشكة في غرفة إيجار مشتركة لدى عائلة ألقوشية طيبة ( عائلة جوكو دكالى ) ، وثم سجلت حدثا مهما في حياتي وهو التعرف لأول مرة وبشكل شخصي على قائد أنصاري كنت أسمع باسمه مرارا وتكرارا ، وهو الرفيق أبو باز الذي كان يتمتع بشهرة واسعة بين جماهير تلك المنطقة وعلى مستوى قوات الأنصار، ففي يوم شتائي مشمس زار أبو باز ثانوية ألقوش وغادرها بعد لقاء سريع مع إدارة المدرسة وبعد أن لاعب زميلا بكرة المنضدة في الساحة التي كانت تتوسط بناية المدرسة بمهارة عالية ، وبعد ذلك بوقت قصير ، جائني أحد الرفاق الطلبة وكان أسمه ألفريد يونس ختي الذي يعيش حاليا في كندا حسب بعض المعلومات التي حصلت عليها بشأنه قائلا ، تعالى معي لأمر هام ، لم أكن أعرف ما هو هذا الأمر الهام وماذا يريد مني ألفريد ولكنني لم أقلق لأنني كنت أعرف إن ألفريد هو أحد الطلبة الشيوعيين بحكم نشاطه الظاهر وعلاقته مع طلبة آخرين وهم من عوائل شيوعية وكان من بين هؤلاء ، الرفيق حكمت توما توماس و الشهيد منير توما توماس الذي كان ككتلة نار مشتعلة في النشاط والحركة وغيرهما كثيرون ، أتبعت ألفريد إلى بيت أحد الشيوعيين في وسط سوق المدينة ، فوجدت أبا باز في باحة المنزل ، عرفت إنه الذي أرسل ألفريد لاحضاري إلى عنده ، حظيت بترحيب حار من قبله ، شعرت بالفخر وأنا ألتقي أبا باز لأول مرة وكنت أقول في دواخلي كم أنا محضوظ أن ألتقي قائدا ومقاتلا شجاعا كهذا الذي أمامي ، إذ قال لي عندما رآني وأنا اتقدم إليه مع ألفريد ، تعالى يا خليل أريد أن أبلغك سلام الأهل وأشواقهم وأقول لك بأنهم جميعا بخير ولا تقلق بشأنهم إذ إنهم يعيشون بأمان بين عوائل رفاقنا في دوغات . كان هذا أول خبر رسمي أعرفه عن أهلي بعد شهور من المعركة التي دارت في القرية ، وقال أبو باز كثيرا من الكلام ومن بين ما أتذكره من ذلك الكلام ، قال من الآن فصاعدا أنت في حماية الرفاق سواء أثناء الدوام في المدرسة أو في أي مكان آخر من المدينة وأنا بلغت رفاقنا الألقوشيين بشأنك ، ودس بعض الدنانير بين يدي والتي أرسلها لي الأهل ، غادرت لقاء أبو باز وأنا كتلة من الفرح ولأيام طويلة كنت أحدث زملائي وأصدقائي عن هذا اللقاء وعن طريقة حديث أبو باز وصوته الجهوري ومدى اهتمامه بي . نعم بعد ذلك وجدت أهتماما بالغا من الطلبة الشيوعيين في ألقوش ومعاناتي أصبحت تخف ، وأصبح أصدقائي ومعارفي كثيرون ، وأنتميت من خلالهم إلى اتحاد الطلبة العام وأتحاد الشبيبة الديمقراطي ، وتعرفت على رفاقنا في مقر ألقوش وكنت أقضي وقتا طويلا هناك وأقوم ببعض الواجبات الأنصارية وتعرفت كذلك على العوائل الشيوعية الكثيرة التي لجأت إليها من القرى القريبة بسبب نفس الأحداث التي ذكرتها في أعلاه . ومع انتهاء السنة الدراسية كانت قوات انصار الحزب بسطت سيطرتها على المنطقة وأصبح التنقل بين قرى المنطقة آمنا ، فألتحقت بـ (أهلي ) في دوغات وكان ذلك بداية لعلاقة وطيدة ورفقة كفاح ودم لم تنته بعد مع كوكبة من شبابها الأوفياء إلى يومنا هذا وكان من بينهم الرفيق والنصير آودي ( هادي ) إلى جانب العشرات من أبناء العوائل الشيوعية في القرية ، حيث قضينا معا صداقة مليئة بالأحداث في مختلف جوانب الحياة بما فيها الجانب الاجتماعي الذي يثير الكثيرمن الحنين والشجون في نفس الوقت .
لم أعد إلى ألقوش بعد انتهاء العطلة الصيفية ولكني ذهبت إلى سنجار لمواصلة دراستي هناك . في دوغات وبعد مرور سنتين جرى ترشيحي من قبل أثنين من شباب قرية دوغات لعضوية الحزب الشيوعي العراقي وذلك في أحدى زياراتي إلى الأهل في القرية قادما من سنجار ، فقد كنت أتردد إلى القرية في أيام العطل الرسمية ، و حصلت على شرف عضوية الحزب في سنجار بعد قضاء 9 شهور وهي فترة الترشيح لغير العمال الواردة أنذاك في النظام الداخلي للحزب .
في بغداد تركنا خلفنا عددا من
وللحديث بقية