الأربعاء, نوفمبر 27, 2024
Homeمقالاتإسلامياً ؛ هل يجوزُ تحويلُ الكنائسِ الى مساجد ..!؟ : مير عقراوي

إسلامياً ؛ هل يجوزُ تحويلُ الكنائسِ الى مساجد ..!؟ : مير عقراوي

كلمات موجزة : الإسلام يختلف عن سائر الأديان السماوية وغير السماوية أيضاً من وجوه متعددة ، لأنه يتكون من منظومة من التعاليم الدينية والإيمانية والشرعية – القانونية والسياسية والحضارية والثقافية والإنسانية وغيرها من المحاور والمجالات .
فعلى صعيد الأديان والإعتقادات إن الإسلام لم يرفضها ، بخاصة الأديان السماوية وشبه السماوية معتبراً إن الإنسان لا يمكن أن يعتنق ديناً إلاّ من خلال الحرية والإختيار والإقتناع . على هذا الأساس قرر القرآن الكريم في كثير من الآيات الواضحات أنه لاإكره في الدين والمعتقد والفكر ، والإيمان ، أي ؛ للإنسان حق الحرية في إنتخاب الدين والإيمان ، كما له حق الحرية في رفضهما ، والله تعالى فقط هوالذي يتولى حكم الجميع في الدار الأخرى ويفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون في الحياة الدنيا كما قرره التنزيل بتكرار في العديد من آياته البينات .

الإسلام والأديان السماوية : لقد أقرَّ الإسلام بالأديان السماوية كلها مُذْ بداياته الأولى وآحترمها ومؤمنيها وأماكن عباداتها وأعرافها وتبايناتها وطقوسها الدينية والإجتماعية وآعتبرهم أهل كتاب ، وآعتبرهم كذلك أحراراً فيما يُؤمنون وفيما يَعتقدون وفيما يُمارسون ، والأديان السماوية ، هي : الزرادشتية – المجوسية ، اليهودية ، النصرانية والصابئة كما جاء في القرآن الكريم : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا * إن الله يفصل بينهم يوم القيامة * إن الله على كل شيءٍ شهيد } الحج / 17
مضافاً لقد أقرَّ الإسلام بأماكن ودور العبادة للأديان السماوية الأخرى وآعتبرها أماكن محترمة ومقدسة كما جاء ذلك في محكم القرآن : { ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صَوامعُ وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يُذْكَرُ فيها آسمُ الله كثيراً } الحج / 40 ، أي : لولا إن الله عزوجل يدفع بقوم عن قوم عدوان وظلم وشرور أناس عن غيرهم ، وذلك بما يُقدِّره من العوامل والأسباب لفسدت الأرض ، أو لفسدت بلادٌ ، ولأهلك الظالم المظلوم والقويُّ المستضعف ، ثم لهدِّمت دور العبادة من صوامع الرهبان المنقطعين للعبادة والتعبُّد ، وكنائس النصارى ، ومعابد اليهود ، ومساجد المسلمين ، حيث فيها التعبُّد لله تعالى والذِكْرُ والتسبيح له سبحانه كثيراً .
كما لا حظنا من الآيتان القرآنيتان المتلوتان لقد آعتبر الإسلام أماكن العبادة ودورها لمختلف الديانات السماوية مساحات مقدسة ومحترمة وجليلة القدر والمكانة وعبادية لمؤمنيها وأتباعها . وعلى هذا الأساس القرآني المُحْكم لا يجوز بأيِّ شكل إنتهاك حُرْمة تلكم الأماكن والدورالعبادية ، أو الإعتداء عليها وعلى مؤمنيها ، هذا فضلاً عن تخريبها وتهديمها لأيِّ سببٍ كان ، بالمقدمة كبناء مسجدٍ – مثلاً – على أنقاضها ، لأن ذلك يدخل في باب العدوان والغصب المُحرَّم ، كل التحريم في الإسلام .
لقد حرَّم الله تعالى العدوان لأيِّ عذرٍ كان وذريعة كانت ، كما قال في محكم التنزيل : { ولا تعتدوا * إن الله لا يحب المعتدين } البقرة / 190 . أما الغصب فهو كذلك أمرٌ شديد التحريم في الكتاب والسنة النبوية ، وعليه أجمع الأئمة وعلماء المسلمين كلهم في مختلف العصور . وحول الغصب يقول القرآن : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردتُ أن أعيبها وكان وراءهم ملكٌ يأخذُ كل سفينة غصباً } الكهف / 79 . أما حديثياً فقد جاء الكثير من الأحاديث النبوية حول تحريم الغصب ، منها : { من غصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أرضين } ، أي : مَنِ آحتل وآستولى على شبر من الأرض فإن الله تعالى سيطوقه بها من سبع أرضين . و{ من أخذ شبراً من الأرض ظلماً ، فإنه يُطوَّقه يوم القيامة من بين سبع أرضين } ، و { لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادَّاً ولا لعباً ، وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها اليه } ! .
في تحريم الصلاة ، في الأرض الغصبية ، أي المحتلة . يقول الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي النووي الشافعي ( 1233 – 1277 ) : [ الصلاة في الأرض المغصوبة حرامٌ بالإجماع ] يُنظر كتاب ( المجموع في شرح المهذب ) لمؤلفه أبي زكريا يحيى النووي ، ج 3 ، ص 164 . كذلك المذهب الحنبلي يُحرِّم الصلاة في الأرض المغصوبة . أما المذاهب الحنفية والمالكية والشافعية فترى : إن المُصلِّيَ يأثمُ بالصلاة في الأرض المغصوبة ، أي الأرض المحتلة ! .
رجب طيب أردوغان / الرئيس التركي وقضية أيا صوفيا : بعد سقوط القسطنطينية وفتحها عنوة عام 1453 من قبل العثمانيين وبقيادة السلطان محمد الثاني [ 1429 – 1481 ] حولوا كنيسة آيا صوفيا الى مسجد ، وأدى فيه السلطان محمد الثاني المعروف بمحمد الفاتح أول صلاة جمعة بها بعد دخوله المدينة ، وتم إطلاق تسمية [ الجامع الكبير ] عليها .
في عام 1931 منع مؤسس تركيا الحديثة ورئيس جمهوريتها يومذاك مصطفى كمال أتاتورك [ 1881 –1938] إقامة الصلوات والشعائر الدينية فيها ، وألغى أمر السلطان العثماني محمد الفاتح بجعل كنيسة آيا صوفيا مسجداً ، وفي عام 1934 صدر مرسوم حكومي تركي بتحويل كنيسة آيا صوفيا الى متحف .
في ال24 من شهر تموز الماضي ألغت المحكمة التركية الإدارية العليا المرسوم الحكومي السابق المذكور بتحويل آيا صوفيا الى متحف ، وذلك بزعم وجود وثائق تاريخية تثبت وتؤكد شراء السلطان محمد الفاتح مبني كنيسة آيا صوفيا من القساوسة المسيحيين قبل تحويله الى مسجد ! . فعلى الفور وقع أردوغان / الرئيس التركي على مرسومٍ بتحويل مبني آيا صوفيا الى مسجد مرة أخرى ، ومعلناً فتحه أمام المسلين لأداء صلاة الجمعة الموافق لليوم ال24 من شهر تموز الماضي أيضاً .
لا حظنا معاً الأيات القرآنية التي تكرِّمُ وتعترفُ بالأديان السماوية كلها وتعتبر أماكن العبادة لها أماكن دينية مقدسة ومحترمة يُذْكرُ فيها آسم الله تعالى بحسب التعليمات والطقوس الواردة في كتبهم الدينية . لهذا على الصعيد الإسلامي – القرآني لا يجوز تحويل دور العبادة للأديان السماوية الى مساجد . من ناحية أخرى رأينا إجماع أئمة المذاهب الإسلامية حول عدم شرعية وحرمة تشييد المساجد وبنائها على أراضٍ غصبية ، بخاصة اذا ما كانت تلكم الأراضي مُشيَّدةٌ عليها دور عبادة للأديان السماوية الأخرى . ذلك إن الصلاة لا تجوز إقامتها في الأراضي الغصبية الإحتلالية ، لأن ذلك مساسٌ مباشرٌ بالإسلام قرآناً وشرعاً وسنةً وتشويه لها ! .
أما الزعم بأن تركيا قد عثرت على وثائق تاريخية تفيد بأن السلطان العثماني محمد الفاتح قد آبتاع كنيسة آيا صوفيا من القساوسة المسيحيين يومها ، فذاك أمرٌ بعيد الإحتمال ولا يمكن تصديقه ، لأن القسطنطينية تم فتحها والإستيلاء عليها بالقوة وعسكرياً . لذا ليس مستغرباً ولا بعيداً أن تم إجبار القساوة المسيحيين يومذاك على توقيع سندٍ في بيعهم لكنيسة آيا صوفيا للسلطان محمد الفاتح ، هذا إن كانت تلكم الوثائق المزعومة موجودة فعلاً ! .

مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular