أحد أهم الملفات الشائكة بين ثوار تشرين والسلطات هو ملف الاغتيالات، الذي تنتظر فتحه وعرض تفاصيله والبت في نتائجه ومتابعة تداعياته كل الأطراف، وفي المقدمة عوائل الشهداء والمغيبين، منذ انظلاق وقفات الاحتجاج الأولى، الى أخر محاولات الاغتيال التي مازال يتعرض لها الناشطون في بغداد وباقي مدن العراق.
معلوم ان الاغتيال هو اسلوب محسوم بامتياز للدكتاتوريات في العالم، والعراق ليس استثناءاً، فقد استخدمته مجاميع وسلطات النظام السابق على أوسع نظاق، قبل وبعد استيلائها على السلطة، داخل العراق وخارجه، باستهدافها الوطنيين المعارضين لاساليبها القمعية.
لقد كانت أولى مهام الانظمة البديلة للدكتاتورية، هي العمل على اشاعة وترسيخ المفاهيم الديمقراطية القائمة على سيادة القانون وحماية الحريات والمشاركة الفاعلة للجماهير ومنظماتها المدنية في ادارة البلدان، من خلال برامج علمية فعالة لتنمية الموارد ومراقبة الاداء وتطويره، من أجل اعادة بناء الانسان والاوطان بوتائر متصاعدة، تخدم الشعب وتضمن المستقبل الآمن لاجياله.
هذه المفاهيم التي اعتمدت وأثمرت خيراً في دول عديدة، لم تأتي على هوى أحزاب السلطة في العراق، فقد اختارت الطائفية بديلاًمدمراً للأرض والانسان، لتكون نتائجها بعد طول انتظار، أشد فتكاً بالعراقيين من جرائم الدكتاتورية البغيضة، فتزداد مناسيب أنهار الدم والامراض والبطالة والمخدرات والفقر والهجرة والتهجير، فيما تجري عمليات نهب المال العام على قدم وساق من قبل المسؤولين وبطاناتهم واحزابهم طوال السنوات الماضية .
لقد جاءت ثورة تشرين نتيجة طبيعية بعد ان طفح الكيل بالشعب من اختلال الموازين، لتؤسس لمرحلة محسابة الفاسدين المعروفين بالاسماء والعناوين، المسؤولين الحقيقين عن كل هذا الدمار والخسارات بالارواح والفرص والممتلكات، وهو مايهدد هؤلاء بخسارة كل مابنوه وحصلوا عليه من مواقع سلطة وثروات، لم يتخيلوها حتى باحلامهم المريضة.
لم يكن لرؤوس الفساد من خيار أمام تنامي حركة الاحتجاج واتساعها سوى اسلوب اغتيال الناشطين الأكثر تاثيراً في ادامة نشاط وحماسة جموع المنتفضين، في محاولة لكسرزخم الثورة كمرحلة أولى تمهيداً لانهائها، بعد ان فشلت كل اساليب الاتهام بالعمالة والارهاب التي عزفت عليها اجهزة اعلامهم الرخيص والمأجور دون جدوى .
ان كل جريمة اغتيال لناشط مدني هي نتيجة لقرار سياسي صدر من اعلى المواقع الرئيسية المؤثرة في السلطة (بشقيها الرسمي والحزبي) ، لانها عملية خطيرة يتحمل من ينفذها مسؤولية (جريمة قتل) يحاسب عليها القانون أولاً، والتقاليد والاعراف ثانياً، لذلك لايمكنه القيام بها الا مجبراً أ وموهوماً بالحماية من العقاب، الذي يوفره اصحاب القرار.
من هنا تاتي خطورة فتح ملف الاغتيالات المطلب الرئيسي لثوار تشرين، لانه يكشف المسؤولين الحقيقيين الذين امروا بتنفيذ هذه الجرائم، اضافة الى كشف سيناريوهات مترابطة مع تلك الجرائم، ويطيح برؤوس كبيرة و مافيات منتشرة في أجهزة الدولة وخارجها، داخل وخارج العراق، ويقلب الطاولات على رؤوس كل المشاركين في الاحداث المفصلية التي قادت الى الفوضى والفساد منذ سقوط الدكتاتورية .