كثيرا ما تتردد مقولة أن الكورد أدوات عند الطلب، وقيل إن حركتهم السياسية جوكر، وأن الأحزاب الكوردية مسيرة من قبل القوى الإقليمية وخاصة المحتلة لكوردستان، والبعض منا يرحمهم قليلا مع انتقاداته، وينوهون إلى الظروف المحاطة والمعاشة والتي تفرض شروطها، محاولين إيجاد المبررات، هذا الواقع، أو الحقيقة، أدت إلى أن تعيش الحركة الكوردية بأحزابها الأهوال وتتلقى الطعنات من طرفين:
1- الشارع الكوردي والذي لم يقدم له ما يتطلبه من أية حركة تحررية، وظلت طوال العقود الماضية دون سوية القضية، كما وخلقت بين الشعب نوع من عدم الثقة بأحزابها.
2- القوى الإقليمية والدولية التي تتلاعب بمقدرات الأمة من خلالهم، بعدما تمكنت من تشتيتهم، ونشر كل عوامل الصراعات الداخلية.
المعارضون لـ ب ك ك يتهمونها بأنها صنيعة الدولة العميقة التركية، ويعرضون النتائج السلبية التي خلفوها على مدى العقود الماضية، متناسين الإيجابية منها. ومثلها يقيمون الـ ب ي د على أنها أصبحت أداة بيد سلطة بشار الأسد وإيران، بعد عام 2012م، وفي الحالتين ينفون الصفة الكوردية عنهما على خلفية الإيدلوجية الأممية المعروضة.
وبالمقابل يردد البعض أن الأحزاب الكوردستانية الرئيسة أداة بيد القوى المحتلة لكوردستان، إيران وتركيا، وأحزاب جنوب غرب كوردستان كانت سابقا أدوات بيد المربع الأمني في قامشلو، والآن المجلس الوطني الكوردي أداة بيد تركيا، إن كانت عن طريق الإقليم الكوردستاني الفيدرالي أو بمشاركتها ضمن الإتلاف الوطني السوري.
وبالتالي أصبح الشارع الكوردي يعيش الخلافات والصراعات اللامنتهية، رغم معرفة الجميع إن عداوتنا لذاتنا لا تقل قساوة وخطرا عن عداوة المحتل، وخطرنا على قضيتنا لا تقل عن خطر العدو، فبعقليتنا الخلافية المستدامة وطريقة تعاملنا مع بعضنا هي التي أوصلت حركتنا إلى هذا الواقع المزري، فنحن نملك قدرة باهرة على خلق الحجج المنطقية لخلافاتنا، ومن الغرابة أن الكل يتأسف على عدم الاتفاق على وحدة الموقف، في مواجهة الأعداء.
جميعنا ندرك أن أحد أهم أسباب عدم بلوغ الغاية كغيرنا من الأمم هو ما ذكرناه، يذكره ويعرفه معظمنا، وهو العامل الذاتي، ومنها محاربة بعضنا البعض تحت الحجج المتنوعة والتي معظمها تظهر منطقية، وبالمناسبة نحن الكورد عباقرة في اختراع الحجج التي نتهم بها بعضنا، ومن النادر جدا تقبل النقد، أو الاعتراف بالخطأ، وجلها نتيجة الجهالة وضعف التراكم المعرفي، وغياب الخبرة السياسية، وهنا لا أتحدث عن الألاعيب الحزبية.
يتناسى الأخوة الناقدون، والمهاجمون، في الجهتين، أن البحث عن المخارج لهذه المعضلات، والمصائب، هي في مواجهة أصحاب الأدوات والذين صنعوها، وبأساليب عصرية، وليست الأدوات، فكما نعلم أن الأداة بمحض ذاتها سلبية الفعل، ولا تتمكن من القيام بأي عمل بدون مالكيها، مع ذلك لا زلنا نعالج مشاكلنا بالطرق الكلاسيكية المليئة بالثغرات والأخطاء، والمؤدية إلى تعميق الخلافات، التي تبني عليها القوى المتربصة بنا مصالحها.
وعلى الأرجح أن أصحاب الأدوات، أو القوى الفاعلة، وخاصة الإقليمية المحتلة لكوردستان، هي التي تقف وراء هذا التحريض على الذات، وتدفع ببعضنا لإثارة الاتهامات؛ ونشر حجج التخوين وبيد من يبثون المعادلات القديمة الساذجة في تقييم الحرك الكوردي، وهي التي تدفع ببعضنا على محاربة أحزابنا-الأدوات، بدل مالكي الأدوات.
لا نستبعد أن هؤلاء الأخوة، وفي مقدمتهم الكتاب أو السياسيين، المحرضين لإثارة التهم، أو لنقل الحقائق عن منطق الأداة، أن يكونوا هم بذاتهم أدوات بيد نفس القوى المتحكمة بمقدرات الأحزاب الكوردية والكوردستانية، وبذلك نكون أمام معادلة مؤلمة، وجدلية التضاد، وهي أن الناقد والمهاجم بذاته متهم، ويقدم الخدمات للأعداء، إما بدراية أو عدمه، عن جهالة أو عن حنكة ومصالح.
فالأساليب المتبعة والمؤدية إلى توسيع الخلافات، وبالتالي إضعاف الحراك الكوردي، وعلى بنية تتبين على أنها رصينة ومنطقية، تعكس السذاجة، وتزيد الخطر؛ وترسخ الأفة.
فما بين السذاجة والحنكة-المصالح خطوة، وهم يدركون أكثر من غيرهم أنه من السهل للقوى المتحكمة بنا وبحراكنا وأحزابنا، استخدامنا كأدوات لأجنداتهم، مثلما من السهل تغييرنا عندما نكون قد قضينا على بعضنا، وأصبحنا في الطرفين ضعفاء، وبالتالي استبدال الأداة التي لم تعد نافعة أو خرجت من تحت السيطرة، ورفضت الإملاءات، ليست بتلك الصعوبة التي نتوقعها.
لا نستبعد أن المجموعة التي تحرض على الخلافات، أو إلغاء الأخر، ودون عرض أو إنتاج البديل، أو تصحيح الأسوء، متهم بقدر ما يتهمون الأخرين وربما أكثر، لأنهم يطلبون القضاء على الحركة، دون البحث عن أساليب في ملأ الفراغ الذين سينجم عن إزالة الطرف الحزبي المذنب أو المتهم.
وهنا نحن أمام شريحة الذين يطالبون بالقضاء على الإدارة الذاتية في جنوب غرب كوردستان، ويهاجمون المفاوضات الجارية بين الأنكسي والـ ب ي د والأحزاب المفرخة من حولهما، وعدم الثقة بأمريكا دون عرض بديلها، وكأن الأحزاب الكوردية هي التي تملك زمام التعامل مع أمريكا أو روسيا وترفضها، في الوقت الذي يدرجونهم أدوات بيد القوى الإقليمية فما بالنا بالقوى الكبرى. والطامة هي أنهم من جهة يرفضون الحوارات والاتفاق بين الطرفين، أي عمليا الحفاظ على ضعف الحراك الكوردي، ومن جهة أخرى يطالبونهم بفرض شروطهم على أمريكا. مدرجين جدليتهم عن أن الاتفاق مع الأداة، بشكل مباشر خيانة بحق الكورد، لكل طرف متهميه، وبالتالي تظهر الشكوك حول هذه الشريحة المهاجمة، فإما أنها:
1- أدوات بيد الأعداء دون أن يدركوا، ويتم استخدامهم بأساليب خبيثة.
2- أو أنهم فعلا يعملون لأجندات إقليمية، ربما تحت مفهوم خدمة الشعب بأسلوب مختلف.
3- أو أنهم سذج ولا زالوا يستخدمون نفس الأساليب الكلاسيكية التي قضت على ثوراتنا في الماضي، ولا قدرة لهم على خلق البديل.
وبالمقابل فالقوى المتحكمة بالأحزاب الكوردية، وبالمهاجمين، كثيرا ما تكون خبيثة في أساليبها بحيث تتمكن من استخدام الجهتين؛ الناقد والمنتقد، وهذه تتبين من خلال ما تنتجه الخلافات الداخلية من التشتت والصراع بين الأطراف الكوردية، ونحن هنا لا ندرج الأخوة الكتاب والمثقفون، الذين ينقدون الأحزاب على أخطائها وجرائمها وتقاعسها وتقبلها لأجندات القوى الإقليمية وبمنطق، وبالمقابل يدعمون مسيرة التفاهم والتقارب، ويطالبونها بتغيير منهجيتها ليتم التآلف، والاتفاق على نقاط التقاطع، ويحثونهم عليها ليس من مبدأ قبولهم بأخطائهم بل بالتريث إلى حين الظروف المؤاتة..
نحن أمام مصائب متعددة، وأخطرها، أننا لا نزال نستخدم الأساليب التي يوفرها لنا الأعداء في مواجهتهم، وبها نسهل لهم كيفية استخدامنا جميعا أدوات عند الطلب. لذا لا يحق لأحدنا عرض التهمة وقد يكون هو بذاته أداة دون أن يدرك. ومن الحكمة عرض الطلب التالي: أعطني البديل عن المراد إلغاءه، قبل أن يملئ الفراغ المتربصين بنا. وفي واقع الإدارة الذاتية في جنوب غرب كوردستان القوى المعارضة أو السلطة المجرمة أو تركيا جاهزة لملئ أي فراغ، خاصة وأن القوى الكوردية الأخرى بذاتها لن تتمكن من ملئ الفراغ الذي سينجم عن إزالة قسد أو الـ ب ي د المتحكمة بها، ومن الحكمة حث كل الأطراف الكوردية على التقارب وخلق قوة مشتركة فوق التناقضات والخلافات، وفي قادم الزمن ستكون هناك جدالات بيننا.
ومن النباهة مواجهة ومحاربة أصحاب ومسخري الأدوات وليست الأدوات (المحراث لا يخطأ بل الخط الأعوج من الحارث، خاصة عندما يكون متقصدا، كحالتنا) أي القوى الإقليمية التي تتحكم بنا وتستعملنا لأجنداتها، وليست الأحزاب الكوردية.
لا بد من توعية وتصحيح بعضنا بحكمة ودراية لا إلغاء البعض بجهالة. فمن السذاجة محاربة البعض وتنفيذ رغبات القوى الإقليمية، تركيا وإيران وسلطة بشار الأسد، وفي مجال واسع المعارضة السورية، ممهدين لهم بعرض حجج للاقتتال الداخلي تتلاءم وأجندات القوى المتحكمة بنا. رغم كل هذا الوضوح المبان عند جميعنا، نأتي ونقول ولكن: وبعدها تنجر التهم مع الحجج.. اعزائي نحن في كارثة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
27/8/2020م