انقلابات عسكرية في العراق الجمهوري انقلاب ١٨ تشرين الثاني١٩٦٣ ودور اللواء رشيد مصلح
الحلقة الأولى
الحركة التصحيحية التي قادها المرحوم عبد السلام عارف بالاشتراك مع مجموعة من ضباط الجيش العراقي الناقمين والمنزعجين من تجاوزات الحرس القومي على المواطنين وعلى الجيش العراقي. وكان في مقدمة من شارك عبد السلام عارف في حركة 18 تشرين / ١٩٦٣ التصحيحية طاهر يحيى ورشيد مصلح وغيرهما من كبار ضباط الجيش العراقي، وكان هذا الحدث سببا لعزم البعثيين منفذي انقلاب 17 تموز 1968 على الانتقام من هؤلاء الضباط، فعارف أنقذه موته بحادثة النشوة وتم اعتقال الاخرين وتعذيبهم في سجن النهاية وتلفيق التهم ضدهم بالتجسس ومنهم من صدر حكم الاعدام بحقهم ومنهم رشيد مصلح ومدحت الحاج سري وقسم آخر نالوا من التعذيب بحيث توفوا حال اطلاق سراحهم مثل طاهر يحيى وعبد العزيز العقيلي. وبقيت قضية المرحوم رشيد مصلح غامضة، برغم عرضه في شاشة التلفزيون وهو يتحدث الى مستضيفه مدير عام الاذاعة محمد سعيد الصحاف ليدلي المصلح باعترافات غريبة غير مترابطة وكيف انه كان يتلقى رشاوى وعمولات من مخابرات اجنبية لتقديم تقارير عن العراق!. أمور غير معقولة مطلقا، وقد تحدث الدكتور وائل الابن الثاني للمرحوم رشيد مصلح لاول مرة في الصحافة العراقية عن اسرار اعدام والده في حوار صحفي اجراه معه الكاتب الصحفي شامل عبدالقادر:
تحدث الدكتور وائل رشيد مصلح قائلا:
• والدي من مواليد تكريت عام 1917 ودرس الابتدائية في تكريت ثم اكمل دراسته المتوسطة في بغداد لعدم وجود مدرسة متوسطة في تكريت وقتذاك ودرس في ثانوية الكرخ عام 1933 وبعدها دخل الكلية العسكرية عام 1937 وتخرج فيها في نهاية عام 1938 برتبة ملازم.. ووالدي من تكريت من آل الصباغ واخواله من مدينة حديثة وقد نزح والده مصلح طه الى بغداد في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت مهنته البيع والشراء في المواد المختلفة.. عمل والدي في الموصل اثناء حركة مايس 1941 ثم انتقل الى الحرس الملكي وبقي فيه ثماني سنوات بعدها انتقل الى المسيب وتعين امر معمل الاسلحة الخفيفة وبعد ترقيته الى رتبة عقيد عام 1957 انتقل الى منصب امر الفوج الثاني في الناصرية.
• يقول الدكتور وائل: لم يكن والدي من المشاركين في انقلاب 14 تموز 1958 لكنه كان قومي الميول وفي عام 1959 قامت حركة الشواف في الموصل وفشلت ومن جرائها احيل عدد كبير من الضباط القوميين الى التقاعد ومن بينهم والدي الذي احيل الى التقاعد في نيسان من عام 1959 وعند احالته الى التقاعد هجم على دارنا مجموعة كبيرة من الجنود المستجدين بتحريض من الشيوعيين وكنا انذاك نسكن مدينة الناصرية وانا اذكر انهم ارادوا سحل والدي وضربوه بـ(الدرنفيس) على راسه وقالوا له:
(عندما رأينا السجادة على كتفك عرفنا انك خائن للزعيم!).
وبعدها جاءت قوة من الفوج الذي كان هو آمره وتمكنوا من إنقاذه ونقلوه الى الديوانية لمعالجته وضمّدوا جراحه ثم رجع الى بغداد كضابط متقاعد، وقد سكنّا في بداية مجيئنا لبغداد في منطقة العطيفية وكانت لديه قطعة ارض شيد عليها داراً وسكنا فيه.
• يضيف وائل: كان احمد حسن البكر صديقه من سنوات طويلة وفي هذه الفترة اي عام 1959 اطلق سراح البكر من المعتقل وزار والدي في المنزل وكانا يتداولان الاوضاع السيئة في العراق.. كان البكر يحضر الى دارنا مرة واحدة في الاسبوع واحيانا مرتين في الاسبوع وفي عامي 1961 و1962 زادت لقاءات الضباط بوالدي في منزلنا وكان يحضر اضافة الى البكر كل من ذياب العلكاوي وطاهر يحيى ومجموعة لا اتذكر أسماءهم من الضباط، يتناقشون اوضاع العراق وكانوا يجتمعون في اماكن اخرى غير منزلنا.. وبعدها عرفت من والدي انهم كانوا اشبه ما يكونون بخلية واحدة تتألف من أربعة ضباط يرأسهم البكر.. لم يكن والدي منتمياً لحزب البعث، بينما كان البكر بعثيا.. ان الذي جذب والدي الى العمل السياسي هو البكر نفسه وكان يجد في والدي رجلاً موضع ثقة، كما انهما من مدينة واحدة واصدقاء من زمن قديم ومتقاربان في العمر واشتغلا سوية في الحرس الملكي وفي المسيب ايضاً اي انهما كانا صديقين لاكثر من خمسة عشر عاما حيث انهما اشتغلا سوية منذ عام 1943 لغاية 1958.
ليلة انقلاب شباط 1963
• يُمضي وائل: كنا نسكن في اليرموك عام 1963 وزار والدي في ليلة الجمعة 8 شباط 1963 طاهر يحيى وذياب العلكاوي تحدثوا معه عند باب البيت الخارجي ثم انصرفوا ولم نعرف ما الذي دار بينهم في تلك الليلة، ولكن بعد فترة رَوَتْ لنا امي ان المرحوم والدي اسرَّها ان هذه الليلة هي موعد الحركة وان الحركة ستكون غدا الجمعة (8 شباط الموافق 14 من رمضان) وطلب منها ان ترزم ملابسه العسكرية في حقيبته.. كانت عند والدي رشاشة مفككة اخذها معه في الحقيبة مع الملابس العسكرية وتوجه الى حي دراغ الى بيت ذياب العلكاوي او بيت طاهر يحيى وكانت الساعة التاسعة من يوم الجمعة وكانت امي هي الشخص الوحيد في العائلة التي تعرف بموعد الحركة.. وهناك التقى والدي بجماعته كل من البكر وطاهر يحيى والعلكاوي واخرين وركبوا سيارة واحدة واتجهوا الى ابي غريب ومن هناك توزعوا الى ارتال وهو كان في دبابة مع طاهر يحيى اتجهوا الى معسكر الرشيد وكان والدي صنف مشاة ولم يكن من الدروع ونجحوا في الدخول الى معسكر الرشيد واحتلال اللواء التاسع عشر وهو لواء الزعيم عبد الكريم قاسم ثم بعثوا ببرقية الى دار الاذاعة حيث مقر قيادة الثورة اعلنوا فيها استتباب الامن في معسكر الرشيد.
• يقول وائل: حدثني والدي انه عندما وصل الى كتيبة الدبابات الرابعة وهي مقر تجمع الثوار طلب من جندي ان يثبت له رتبته على كتفيه وان الجندي تاخر قليلا مما دعا البكر ان يصيح بالجندي قائلا له: استعجل هذا هو قائد فرقتك!.
وحسب ظني كنت اعتقد – والكلام لرشيد مصلح – انني ساعين قائد فرقة لكنني فوجئت والاعتقالات والتحقيق مع المعتقلين.. وبعد فترة قصيرة علم والدي ان هناك جهات اخرى غيره تتدخل في التحقيق مع المعتقلين وان هناك اعتقالات تتم من دون علم دائرته وعلم ايضا باختفاء عدد من المواطنين!
عن البيان رقم (13)
• قال وائل: البيان المذكور لم يصدر باسم الحاكم العسكري العام وهو والدي بل عن طريق المجلس الوطني لقيادة الثورة.. والبيان لم يصدر باسم رشيد مصلح اطلاقا بل باسم المجلس الوطني لقيادة الثورة ويمكن مراجعة (تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري) الجزء السادس الصادر عام 2002 الطبعة الاولى الصفحة (27) سيجد القارئ الكريم ان البيان رقم (13) بتوقيع المجلس الوطني لقيادة الثورة وليس باسم رشيد مصلح او توقيعه كما يمكن التثبت من هذه الحقيقة من خلال مراجعة كتاب (حوار الدم) الصادر عام 1999 الطبعة الاولى الصفحة (107) وعلى لسان طالب الشبيب عضو القيادة القطرية لحزب البعث ووزير الخارجية انذاك الذي أكد ان البيان رقم (13) صدر عن المجلس الوطني لقيادة الثورة!.
• يقول وائل: إن والدي كان ذا ميول عربية واسلامية ولكنه لم يكن معاديا للشيوعيين فقد كان له اصدقاء من الشيوعيين ومنهم المقدم عبد الرضا عبيد وضابط اخر من آل فتلة لا اذكر اسمه واخرون انتقلوا الى رحاب الله.
تصرفات الحرس القومي
لاحظ والدي إن جهات متعددة من الحرس القومي، تلقي القبض على المواطنين من دون اعلام دائرته وبعد الاستفسارات الكثيرة التي وجهها الى الجهات المعنية عرف ان الحرس القومي لديه معتقلات وهناك قصر النهاية خاضع لسيطرة الحزب وليس لسيطرة الحاكم العسكري العام.. كما عرف ان البعثيين اتخذوا من بناية محكمة الشعب معتقلا للاستجواب والتعذيب، ولم تكن دائرة الحاكم العسكري العام تعرف شيئا عن هذه المعتقلات الحزبية. ويذكر هاني الفكيكي في كتابه (اوكار الهزيمة): زارني الزعيم رشيد مصلح وكان يحتج على الاعتقالات الكيفية والاعدامات غير القانونية وكان يقول المفروض ان يكون لدينا قانون للمحاكمات.
• يضيف وائل: كان والدي يعرف ان عوائل شيوعية كثيرة اعتقلها الحرس القومي ويعتدون عليهم وكان يرفض هذه الممارسات غير القانونية ولا يرضى بها ابدا ولدينا وثائق كثيرة بهذا الخصوص صادرة عن دائرة الحاكم العسكري العام بتوقيع رشيد مصلح وهذا الموقف هو الذي يفسر لنا لاحقا اشتراك رشيد مصلح في انقلاب 18 تشرين الثاني الذي طرد الحرس القومي من السلطة ويفسر لنا لماذا انتقم البكر وصدام من والدي بعد انقلاب 17 تموز 1968.
• يضيف الدكتور وائل: قدم رشيد مصلح استقالته في ايلول عام 1963 احتجاجا على الاعتقالات العشوائية وموجود نص كتاب الاستقالة لدي ولم تتم الموافقة على استقالته وظل الوضع متوترا حتى يوم 11 تشرين الثاني وحصل ما حصل في ذلك اليوم وهو معروف للجميع.. كانت علاقة والدي بالمرحوم عبد السلام عارف طيبة حتى انه زارنا في البيت قبل وفاته باسبوع رحمه الله.. وكان دور والدي في انقلاب تشرين اساسيا حتى انهم اتصلوا بنا ليلة الحركة لتبليغ والدي وفعلا اتصلنا به عن طريق (الهاتف السري ) وفي اليوم التالي عيّنه المرحوم عبد السلام عارف وزيرا للداخلية بالوكالة وبعدها صار وزيرا للداخلية اصيلا وعين طاهر يحيى رئيسا للوزراء واستمر في منصبه نحو السنة ثم حصل خلاف مع الجناح الناصري حول القرارات الاشتراكية (التأميم)وكان معارضا لها وكان لا يرى ضرورة للتاميم لانه لا يوجد في العراق ما يستحق تاميمه وبعد سنة استوزر في وزارة عبد الرحمن البزاز وزيرا للمواصلات وبقي شهرين ثم استقال من الوزارة وترك السلطة عام 1965.
• من المعلوم أن رشيد مصلح بصفته الحاكم العسكري العام ووزير الداخلية في عهد عبد السلام عارف افتتح دائرة لتقبل شكاوى كل من تعرضت حقوقه أو عائلته للانتهاك بعد انقلاب ٨ شباط من قبل الحرس القومي. وقام بتوثيقها بكتاب تحت عنوان (المنحرفون من الحرس القومي في المد الشعوبي) فيه وثائق وصور لتلك الانتهاكات. اختفى ذلك الكتاب بعد انقلاب عام ١٩٦٨ ومن تمسكه السلطات وبحوزته الكتاب تعرض لأشد العقوبات. أما رشيد مصلح فقد دفع الثمن غالياً لاصداره.
• قال وائل: مارس والدي بعد احالته على التقاعد عام 1959 اعمالا تجارية متواضعة كاستيراد الشاي والسكر وبعد 8 شباط عندما تولى منصب الحاكم العسكري العام شطبوا اسمه من غرفة التجارة لانه تولى منصبا رسميا.. وبعد تركه السلطة ظلت علاقته طيبة بعبد السلام عارف وشقيقه عبد الرحمن وكان يحضر الى القصر الجمهوري بدعوة لحضور مؤتمر اواستشارة.. عندما حصل انقلاب 17 تموز عام 1968 لم يكن له به اي علم.. عندما سمع البيان الاول للانقلاب قال لنا: هذا صوت حردان التكريتي!. وكان حردان تلميذاً عنده في الكلية العسكرية.. وقال ايضا ان الانقلاب بعثي.. وفي اليوم الثاني توجه الى القصر الجمهوري ليبارك لهم نجاح الانقلاب.. واذكر ان والدي كان يقرا في صحيفة (المنار) التي حمل غلافها صورة عبد الرزاق النايف فعلق: (أيا… سرسري). وبعد ثلاثة ايام حصل انقلاب 30 تموز.. نصحه بعض الاصدقاء بان يسافر ويترك العراق فاعترض على مقترحهم:
إن البكر صديقي وانا مرتاح منه وان صدام لي علاقة جيدة معه قبل انقلاب 17 تموز فلماذا (اطلع؟)!. ثم قال لهم: هل من المعقول ان البكر وصدام وحردان وحماد اصدقائي سيؤذوني؟
• بعد ثلاثة اشهر – والكلام للدكتور وائل – لاحظنا سيارة امن فولكسواكن تراقب باب منزلنا بطريقة غير لائقة واستفزازية اخذنا رقم السيارة واتصل والدي بامن بغداد وفي احد الايام جاء ضابط امن وعرف نفسه: انا الملازم اول عامر السراج وهناك في الخارج سيارة امن يمكن لكم من خلال الجهاز فيها الاتصال بامن بغداد.
– كان المقدم احمد الرفاعي مدير امن بغداد وهو من اهالي تكريت ووالدي يعرفه فتحدث والدي معه باللاسلكي وساله هل بعثتم سيارة لمراقبتي واذا صح ذلك فهذه طريقة غير لائقة تجلبون سيارة بيكب اب تضعون سخانا في حوضها وتراقبون بيتي وقل للرئيس البكر ان الذي يتآمر لا يجلب سيارة المتآمرين لبيته ونحن عملنا معا ويعرف ذلك.
• يقول وائل: في احد الايام وجدت والدي جالسا وحده ومتضايقا وكنت وحدي ملازما له لان اخوتي الاخرين كانوا يدرسون في القاهرة وكنت طالبا في الكلية الطبية وقتذاك.. قلت له: لماذا انت منزعج.. الامن ذهبوا وولوا فلم تزعج نفسك؟
اجابني: انت لا تعرف العاملين في الامن انا كنت وزير داخلية واعرف نوعية التقارير التي يرفعونها للمسؤول الاعلى.. يكتبون تقارير ما ترضي المسؤول ويعتبرون خصمهم عدواً للسلطة..
قلت له: كيف؟
قال: قبل ايام اتصل بي صدام وسالني عن احوالي وقلت له (لم يكن صدام معروفا للعراقيين وقتذاك): انتم غير اوفياء.
فقال صدام: لماذا؟
قلت له: ما هذه المراقبات والمضايقات.
قال صدام: لو كنت تعرف ابو قيس كم كتبوا تقارير عنك وانا امزقها؟!.
قال له والدي: كيف؟
اجابه صدام: سأقرا عليك واحدا من هذه التقارير.. واخذ يقرأ تقريرا يقول ان والدي كان مجتمعا مع جماعة في بستان في ديالى وبينهم فلان وفلان وبينكم رئيس اركان الجيش السابق ابراهيم فيصل الانصاري وانا لم اصدق ان تكون انت بين هذه المجموعة.
قال له والدي: انت تعرف يا ابو عدي انا لا اجلس مع هؤلاء لانني لا اتناول الكحوليات وهم كما تعرف يتناولون المشروبات المسكرة.
اجابه صدام: وانا ايضا قلت ذلك.
قال والدي لي ان المقصود من مكالمة صدام ان يوصل لي رسالة مؤداها اننا نراقبك.. او احذر.. هذه كانت طريقة ذكية من صدام لتحذير والدي.
• يقول وائل: في يوم 15 مايس 1969 اعتقل والدي، جاءت شقيقتي لي وكنت نائما وايقظتني صائحة هناك سيارة فولكس واكن تقف بالباب ويريدون ابي.. خرج لهم والدي.. كان متوترا وقلقا.. قالوا له: تفضل معنا.
– وحين سُئِلَ الدكتور وائل: ما علاقة صدام بوالدك؟
– قال: كانت علاقتهما وثيقة عن طريق البكر لان والدي كان يلتقي البكر في منزله في منطقة علي الصالح عامي 1967 و1968 اثناء حكم عبدالرحمن عارف وكان هناك شبه تجمع سياسي في مواجهة نظام عارف من اجل الضغط لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل القادة القوميين من امثال ناجي طالب وصبحي عبدالحميد.. كان اغلب السياسيين القوميين يذهبون بشكل علني الى منزل البكر وكان والدي واحدا من هؤلاء ويلتقي عادة بصدام الموجود هناك برفقة البكر.
• يمضي وائل قائلا: لن اكشف سرا اذا قلت لك انني قرات بعد حركة 18 تشرين الثاني ان والدي كوزير للداخلية كلف صدام حسين التكريتي باخباره عن اوكار الحزب السرية وكان صدام يتولى مهمة الدليل لقوات الامن بالكشف عن اوكار حزب البعث السرية وقيل لنا ان السبب الجوهري وراء اعدامه هو طمس هذه (اللكعة!) في تاريخ صدام.. طمس حقيقة خيانة صدام للحزب.
– وقلت له: ما حقيقة رواية (الملثم) وعن طرد والدك لصدام من بيتكم لسوء تصرفه؟
– اجاب مبتسما: وردت هذه الرواية في كتاب (فندق السعادة) من ان صدام جاء الى بيتنا لزيارة والدي وهو ملثم وكان ذلك في عام 1964 وقال الملثم لوالدي: اني استجير عندك! وكشف عن هويته: انا صدام التكريتي.. وتقول الرواية ان والدي اجاره في بيتنا وانه عاش معنا لفترة وفي احدى المرات سمع والدي من امي ان هذا الشخص يتصرف داخل البيت بطريقة غير صحيحة فطرده والدي, وانا اؤكد لك ان هذه الرواية عارية كليا عن الصحة.. انا شخصيا لم ار صدام في بيتنا في كل الاوقات ومن الممكن ان اتذكره لو كان موجودا في بيتنا حسب الرواية لان عمري كان (12) سنة كما انني تاكدت من والدتي التي نفت ان يكون صدام قد زارنا او بات في منزلنا وانه لم يدخل بيتنا ابدا.. لكن الذي حصل عام 1964 ان صدام لجأ الى بيت صديق له في الصليخ وفي هذا البيت القي القبض عليه.
– وهل لوالدك عندما كان وزيرا للداخلية علاقة باعتقال صدام في الصليخ؟
– ان صدام لجأ في بيت بمنطقة الصليخ يخص احد الشيوخ وهو حواس الصديد والد عيادة الصديد فقوات الامن عرفت بالمكان الذي اختبأ فيه صدام وذهبت لاعتقاله بعد محاصرة البيت وان صدام نفسه روى هذه القصة.. والقصة باختصار ان هذا الشيخ له علاقة بوالدي فاتصل به واخبره ان صدام عنده في البيت وان البيت فيه زوجاته ونساء واطفال وانا اخاف على نفسي وعائلتي.. وركب والدي سيارته وذهب الى بيت الشيخ فكان صدام على السطح وقال له والدي:
(اطلع انهزم!!)
وخرج والدي وقال لرجال الامن:
انهزم ما موجود.. وبعد اشهر اعتقل صدام في مكان اخر.
– قلت له: ما صحة هذه الرواية؟ لان صدام رواها بطريقة اعترف فيها انه اعتقل بعد ان اطلق عددا من الرصاصات بالهواء وليس باتجاه الشرطة وان رجال الامن سالوه لماذا رميت الرصاصات؟ قال لهم ضاحكا وهم يقيدون يديه: مو عيب نسلم وما نضرب جيلة وحده ولو بالهوا..
ثم رمى عليهم (كلوص) سكائر (روثمان) وقال لهم:
من اليوم تركت التدخين حتى لا تذلوني.
• اعترف لك – والكلام لوائل – ان صدام في بداياته كان رجلا بسيطا ودمث الاخلاق ومن اقارب احمد حسن البكر وهو ليس من اقاربنا وكانت علاقة صدام بوالدي تمت عن طريق خاله خير الله طلفاح لان الاخير كان معروفا في تكريت وبغداد انذاك وهو من اقارب البكر ايضا.
انقلابات عسكرية في العراق الجمهوري انقلاب 18 تشرين الثاني1963 ودور اللواء رشيد مصلح
الحلقة الثانية
– قلت للدكتور وائل: هل بالامكان التعرف على الوضع الاجتماعي للمرحوم رشيد مصلح؟
– اجاب: والدي متزوج من زوجة واحدة هي ام قيس وقيس من مواليد 1943وسهام وشذى ولمياء ونضال ورياض وانا اي نحن ثلاثة اولاد واربع بنات عندما اعتقل والدي كان معظمنا طلاب.. وصعد سيارة الفوكس واكن التابعة للامن وقالت له امي عند الباب (اروح..) فاجابها رحمه الله: (وين ما تروحين روحي) والظاهر انه احس ان القضية هذه المرة ثخينة.. اخذوه من امامنا فجرا.. وذهبنا انا ووالدتي الى بيت اقرب اصدقائه من البعثيين وهو الدكتور احمد عبد الستار الجواري وكان بيته في العطيفية وفي الساعة السابعة صباحا فتح لنا الباب واستقبلنا استقبالا رائعا وهو يردد بعد ان روت له امي قصة اعتقال والدي: (ليش وشلون.. وما معقوله وماكوشي)!
ثم قال لنا: انا ساتصل لاعرف الحقيقة واخبركم.. وودعناه ورجعنا ولم نذهب الى بيتنا بل الى بيت شقيقة حماد شهاب.. وبعد الظهر اتصل الجواري وقال: ابني ماكوشي.. هذا تحقيق بسيط.. ثم طلب منا ان نأخذ له اغراضه (فراش وادوية..) وكان معتقلا في دائرة الانضباط العسكري.. ذهبنا وسلمنا الاغراض ورجعنا ولم نره وكنا نسأل عنه من هنا وهناك ولا مجيب.. وذات يوم اغبر واسود فوجئنا بظهوره على شاشة التلفزيون.. وكانت كارثة علينا بكل معنى الكلمة.. ودققنا النظر فيه فكانت صحته متدهورة جدا.. كنا نشعر انهم وضعوا له مخدرا.. او كان يلقن.. وكان يستجيب للجلادين الذين عذبوه بقسوة لا حدود لها.. لانه رحمه الله كان يسكت بين جملة واخرى وهذا ما جعلنا نستنج انه مخدر او يقول: ها نسيت!.
وكانت المقابلة التي اجراها محمد سعيد الصحاف استغرقت (15) دقيقة بعدها صارت ضجة ثم خفت.. واجرينا اتصالات من دون فائدة كما لم نستطع الوصول الى صدام حتى ان خالي اتصل بزوج أمه ابراهيم الحسن واوعدنا بانه سيتكلم معه ولكن ايضا من دون اي نتيجة وبعدها سمعنا انه اصيب بمرض عصبي وعولج برجات كهربائية!!
• يضيف الدكتور وائل: في تشرين الاول عام 1969 اتصل بامي من المعتقل وانه اخبرها بانه بصحة جيدة (!!) وطلب ان نجلب له الملابس الشتوية وانه قال لها: امور بسيطة.. وبعدها بايام اتصل مرة اخرى وبعد خمسة اشهر اتصل لمرة ثالثة واستبشرنا خيرا نتيجة اتصالاته المتكررة بعد ذلك وردتنا اخبار مزعجة تقول انهم قدموه للمحكمة وان المحكمة حكمت عليه بالاعدام وتساءلنا: (شنو الشغلة..!!).. اتصل بنا مصور تلفزيوني وقال انا حضرت محاكمة رشيد مصلح في محكمة الثورة التي ترأسها العقيد علي وتوت وان التهمة الموجهة اليه هي التجسس!.
• يضيف وائل: جماعة من قبلنا ذهبوا الى منزل حردان التكريتي ولم يكن حردان موجودا في البيت ثم ذهبوا الى اقارب اخرين ثم قررنا ان نذهب الى السجن ونسال واخبرونا هناك انهم نقلوه الى سجن بغداد المركزي الذي حلت مكانه بناية وزارة الصحة حاليا ولم يسمحوا لنا بالدخول الى السجن وسالنا الحراس فاخبرونا انهم جلبوا لنا مجموعة ولا نعرف اسماءهم.. وفي مطلع تشرين الثاني من عام 1969 اعلمتنا (صبيحة المدرس) مديرة سجن النساء وصديقة عائلتنا التي زارتنا واخبرتنا ان والدي موجود في سجن بغداد فاتصلنا بعوائل المحكومين معه مدحت الحاج سري شقيق الشهيد رفعت الحاج سري وزكي عبدالوهاب واتفقنا على ان تاخذ كل عائلة طعاما كل يوم لهم وكنا نتوسط لتخفيف الحكم ووعدنا بذلك.. وكنا لا نتوقع ونقول من غير المعقول ان يوقع احمد حسن البكر على اعدام صديق عمره رشيد مصلح.. اخي قيس في القاهرة اتصل بالسيد امين هويدي وكان سفيرا في العراق وله علاقات جيدة مع الحاكمين في بغداد وبعث المرحوم جمال عبدالناصر مبعوثا هو السيد حسن صبري الخولي الذي قابل البكر مرتين للتوسط من اجل تخفيف الاحكام الا ان البكر لم يستجب!! قامت والدتي عن طريق الهاتف الخاص بالاتصال بزوجة البكر (ام هيثم) بعد فترة ردت (ام هيثم) وهي تبكي: (توسلت به حتى بست قندرته واجابني: انت معليج)!. كنا نوصل الاكل له ولم نره.. بعدها اعلن عن مؤامرة عبدالغني الراوي في كانون الثاني عام 1970 وكان اول اسماء المتامرين فيها اسم العقيد صالح مهدي السامرائي والد الاستاذ اياد السامرائي رئيس البرلمان العراقي السابق.. بعدها فصلنا (فيش) الهاتف لكي لا يتصل بنا احد لحراجة الموقف.. وكانوا يتصلون بنا من السجن ولا يحصلوننا لرفعنا الفيش وفي الساعة الثانية عشرة من مساء يوم جاء الينا نجل المرحوم مدحت الحاج سري وهو محكوم بالاعدام ايضا فقال لي: والدك مريض ويريدك ان تاتي الى السجن في 21 كانون الثاني 1970.. ثم قال لي بصراحة هامسا: سينفذون فيهم احكام الاعدام اليوم وعليك ان تجلب عائلتك كلهم لتزوروا والدكم الزيارة الاخيرة.. وفعلا ذهبنا كلنا الى السجن وبعد تفتيشنا ادخلونا عليه في غرفة صغيرة وكان جميع المحكومين بالاعدام جالسين معه في الغرف نفسها.. وكانت والدتي تبكي بحرارة وحرقة والم فقال لها والدي: (اسكتي..) ثم اخرج مصحفا واقسم به امامنا: (هؤلاء الجالسون معي الذين سيعدمون يشهدون امامكم وانا اشهد امامكم انه لا صحة ابداً لشيء اسمه قضية تجسس.. انا خدمت البعثيين لكنهم غدروني..) ثم سأل امي: هل اتصلت بالبكر؟ اجابته امي: اتصلت بزوجته ولم استطع الوصول للبكر.. فاجابها والدي امام جميع الحاضرين: (لازم متروحين له لانه انسان نذل).
ثم قال لامي: لا تخافي ابدا.. انت بطلة واملي بك كبير..
ثم كتب وصيته الى اشقائي وكتب بالحرف الواحد: اخدموا العراق لكن بعيدا عن السلطة واهتموا بدروسكم انا ساذهب الان لملاقاة ربي وثقوا ان لا علاقة لي بما يسمى بقضية التجسس.. هذا اتهام ظالم.. والبكر نذل.
قال والدي هذا الكلام امام ضباط السجن وامام مدحت الحاج سري وزكي عبدالوهاب او هذا الاخير لم تستطع عائلته ان تزوره فكتب وصيته وسلمها لنا لتسليمها لهم وانا سلمت وصيته رحمه الله الى عائلته وبعد ذلك اخرجونا وفي الساعة السابعة اذاعوا خبر تنفيذ احكام الاعدام بهم.. وذهب خالي وتسلم جثة والدي وقمنا بدفنه في مدينة تكريت وقد حاصرت الشرطة المنطقة برمتها..
وحين تم سؤال وائل: بعد (40) سنة على اعدام والدك كيف تقرأ طريقة التخلص منه؟
– انا تفسيري ان مشاركة بعض البعثيين في انقلاب 18 تشرين الثاني وفي مقدمتهم البكر كان يرى بالتخلص من والدي باي ثمن او طريقة هو انقاذ له واستغل صدام هذه القضية ايضا لابتزاز البكر والتغطية على خيانته للبعثيين في الانقلاب المذكور ووالدي معروف للجميع لم يكن بعثيا في حياته.
• كيف كانت علاقة والدك بالقوى السياسية ؟
– كانت لديه علاقات طيبة مع الكل الا الشيوعيين.. كانت تربطه علاقات بالتيار الديني بكل اجنحته كما له علاقات مع القوميين.. وكان هناك عامل اخر قرب من اجل رشيد مصلح هو التقارب الذي اصطنعه البكر وصدام مع الحزب الشيوعي وكان راس رشيد مصلح هو ثمن الاتفاق المزيف المؤقت الذي انتهى ايضا بمذبحة للشيوعيين بعد سنوات.. اراد البكر وصدام من تقديم راس رشيد مصلح ان يقولا للشيوعيين: هذا هو المسؤول عن مجازركم عام 1963 في محاولة لفبركة التاريخ وتزويره وان يضعا جميع اخطاء وجرائم البعث في عام 1963 على اكتاف المرحوم رشيد مصلح وان الشيوعيين يعرفون من هم المجرمون الحقيقيون الذين ارتكبوا المجازر بحقهم في تلك السنة ويعرفون اكذوبة بيان رقم (13) او محاولات تحميل رشيد مصلح مسؤولية اصداره.
• اضاف وائل: ان البكر هو الذي اعدم والدي ويعرف جيداً أنه بريء كان يحاول ان يغطي على جرائمه التي ارتكبها عندما خان حزبه واشترك في انقلاب تشرين الثاني وعين نائبا لرئيس الجمهورية وقال والدي لنا ان البكر كان يعرف ان انقلابا سينفذ ويطيح بحزب البعث بل وبلغ بالانقلاب ليلة الانقلاب اي ليلة 18 تشرين الثاني ولكنه ليلة الانقلاب انسحب من المسؤولية.
• يقول وائل نقلا عن والده: يقول والدي بعد ان اعلن البكر انسحابه من الانقلاب ليلة الانقلاب قلنا له اذهب واجلس في بيتك ويؤكد والدي ان البكر كان بمقدوره ان يتصل بالحرس القومي ويسحبهم من الشوارع ولكنه لم يفعل واعتقد كثير من البعثيين ان البكر مشارك في الانقلاب ضد الحزب.
• هل كان رشيد مصلح يلتقي البكر قبل انقلاب 17 تموز ؟
– قلت لك ان والدي كان يلتقي البكر في الاعوام من 1965وحتى 1968ويبدو كان البكر يضمر له في قلبه حقدا لم يكن والدي مطلعا عليه وكان تصرف والدي طبيعيا مع البكر حتى بعد 17 تموز عندما ذهب اليه في القصر الجمهوري وبارك له وبعدها انقطعت علاقته به.
• ما علاقة رشيد مصلح بلطفي العبيدي ؟
– اظهروا والدي في التلفزيون وبعد اسبوع اظهروا فؤاد الركابي امين سر القيادة القطرية لحزب البعث والمسؤول الاول عن عملية اغتيال عبد الكريم قاسم الفاشلة الذي اجبروه نتيجة التعذيب القاسي على الاعتراف بكونه جاسوسا.
والشيء الغريب في القضية – والكلام للدكتور وائل- ان مليونيرا عراقيا كان يمول شبكة التجسس كما زعمت السلطات العراقية وهو لطفي العبيدي وفي الوقت نفسه خرج العبيدي في مؤتمر صحفي عقده في بيروت وعرض على الصحفيين صكوكا باسم احمد حسن البكر مقدمة من قبله لتمويل انقلاب 17 تموز ونفى وجود شبكة تجسس مرتبطة به ومن عجائب الامور ان المخابرات العراقية لم تتعقب العبيدي او تطارده واختفى العبيدي..
والسؤال المطروح منذ اعدام والدي حتى الان: لماذا قام البكر وصدام بإعدام من سموا باعضاء شبكة التجسس ولكنهما تركا رئيس الشبكة لطفي العبيدي يسرح ويمرح بين بيروت وعواصم الغرب في حين كانت مخابرات صدام تقتل طالبا اعزلا اذا ابدى نشاطا خفيفا ضد النظام الحاكم.
• هل جرى نوع من المصالحة او الاتصال بينكم وبين النظام ؟
– لا ابدا .. اغلقنا ابوابنا وخاصة بعد الجريمة التي ارتكبها البكر ضد والدي .. نحن غير معنيين بصدام.. البكر هو الذي قتل والدي ولو كان العكس كان ممكن جدا ان يتصل البكر بنا ويبين موقفه او يرسل لنا احد وجهاء تكريت ليبرئ ذمة البكر لكنه لم يفعل اي شيء من هذا القبيل.
• هل تعتقد ان البكر كان يكره رشيد مصلح؟
– لا.. كان يبدو انه يريد ان يخلص منه ومن طاهر يحيى الذي اذله وتسبب في فقدان بصره.. كما ان البكر انتقم وتخلص من شخص اخر غير معروف وهو ذياب العلكاوي وقد ارسله سفيرا في بلدان ليست ذات اهمية وعندما عاد الى بغداد انزوى ومات.
• بعد سقوط النظام عام 2003 هل حركتم قضية والدك ؟
– لقد (لفلف) الامريكان القضايا ضد صدام من خلال الاسراع في اعدامه والا حقيقة الامر كان على الامريكان الانتظار لحين استكمال محاكمة صدام عن جميع جرائمه منذ عام 1968 الا انهم ارادوا كما يبدو التخلص منه و(طمطمة) القضية كما يقول العراقيون.. لم يتركوا لاهالي ضحايا صدام وقتا لاقامة الدعاوى والشكاوى ضده لتجريمه فقد لاحظنا انهم احالوا صدام عن قضية الدجيل وحاكموه واعدموه خلال شهر.. كيف نقيم دعوى على ميت ؟ كنا نتامل محاكمته عن كل القضايا وتجريمه وفضحه ومن ثم اعدامه لا التخلص منه من خلال قضية واحدة فقط.
• هل سنشهد صدور كتاب عن رشيد مصلح؟
– انا لدي وثائق كثيرة عن دور والدي وعندي رغبة شخصية ان اتولى كتابة سيرة رشيد مصلح بنفسي.
• كيف كانت علاقة والدك بعبد السلام عارف؟
– كان والدي يحب عبدالسلام عارف ويحترمه ولا يسمح لاحد ان يتناوله بالنقد عندما كان رئيسا وكان عبد السلام يبادله الحب والاحترام حتى عندما استقال والدي من منصب وزارة الداخلية وكان يستحق الترفيع الى رتبة لواء خلال شهرين فقرر اعادته الى الجيش حتى يترفع وفعلا ترفع بعد شهرين وتقاعد وفي عام 1966 ادى والدي فريضة الحج وفي ساعة متاخرة من الليل من احد الايام بعد عودة والدي اتصل القصر الجمهوري واخبرنا بنية زيارة الرئيس عبدالسلام عارف لبيتنا لتهنئة والدي وفعلا جاء الرئيس في الساعة الثانية عشرة وجلس قرابة نصف ساعة ثم غادر وبعد اسبوع استشهد عبدالسلام عارف في حادث الطائرة المعروف ولمحت والدي بعد اعلان موت الرئيس يمسح الدموع من عينيه.
• هل تعرضتم للمضايقات بعد اعدام والدك؟
– اجروا استجوابات خفيفة لنا واستدعاءات في مراكز الشرطة.. صادروا ممتلكات والدي .. بيتنا في اليرموك كنا ندفع اقساطه لجمعية الضباط.. وسيارة واحدة وقطعة ارض في جميلة صودرت و500 سهم في مدينة الالعاب.
•يبقى السؤال الملح: لماذا غدر البكر بصديق عمره وابن مدينته ولفق له تهمة خسيسة وهي التجسس والغريب انه لم يكتف بالصاق التهمة بل وقع على اعدامه بقلب جامد.. لماذا هذا الاصرار والقسوة التي ابداها البكر ضد رشيد مصلح ؟
– اجابني عن هذا السؤال نجله الدكتور وائل بانها محاولة من البكر للتخلص من رشيد مصلح الذي يشكل له عقدة عن دوره الخياني في انقلاب 18 تشرين الثاني وان البكر اعتقد ان تخلصه من مصلح يقبر اسرار دوره في الانقلاب على حزبه.
• صحفي عراقي كان يعمل لفترة قريبا من الرئيس السابق صدام قال ما يلي: (لقد كره البكر رشيد مصلح واغتاظ منه وحقد عليه حقدا عظيما بسبب موقف جرى بينهما خلال احداث انقلاب 18 تشرين الثاني من عام 1963عندما قرر البكر الانسحاب من الانقلاب في ليلة الانقلاب مما حدا برشيد مصلح وهو من ابرز المشاركين في الانقلاب ومن كبار المؤيدين لعبد السلام عارف ان يحتد ويغضب على البكر ولم يتوقف مصلح عند هذا الحد مع البكر بل بصق في وجه البكر.. والبكر احتفظ بهذه الاهانة الكبيرة لمصلح سنوات ثم انتقم منه بعد انقلاب 17 تموز عندما اصبح رئيسا للجمهورية). في 21 كانون الثاني من عام 1970 كشف النظام عن مؤامرة عبدالغني الراوي وفي يوم 22 كانون الثاني نفذ حكم الاعدام بـ(36) ضابطا ومدنيا بينهم (7) من المتهمين بالتجسس للمخابرات الامريكية. وذكر راديو بغداد ان الوجبة الخامسة من احكام الاعدام قد نفذت فجر يوم 21/2/1970 بسبعة مدنيين وعسكريين هم:
اللواء رشيد مصلح وزير الداخلية والحاكم العسكري العام بعد الانقلاب الذي اطاح بحكم عبدالكريم قاسم عام 1963 والعميد المتقاعد مدحت الحاج سري وسعد شاكر فهمي والصحفي عبدالله محمد الخياط (مدير تحرير صحيفة المنار وهو ابن اخت هاشم جواد وزير خارجية عبدالكريم قاسم) وزكي عبدالوهاب (اختطف من الكويت الى بغداد) والبير نونو ومحمد مطاع الحسامي (سوري الجنسية).
– نص قرار محكمة الثورة – تشكلت محكمة الثورة بتاريخ 10\11\ 1969برئاسة العقيد علي هادي وتوت وعضوية العقيد علي احسان شيت والمقدم الحقوقي راغب فخري واصدرت باسم الشعب القرار الاتي:
– الحكم على المجرم رشيد مصلح طه بالاعدام شنقا حتى الموت وفق الفقرة (ج) من المادة 14 من الباب الثاني عشر المعدل من قانون العقوبات البغدادي.
– اعتبار جريمته هذه من الجنايات العادية المخلة بالشرف حسب احكام قانون رد الاعتبار رقم 3 لسنة 1967 المعدل.
– قرار صدر باتفاق الاراء وافهم علنا في 10\11\1969.
– التواقيع – العقيد – علي احسان شيت علي هادي وتوت – عضو رئيس محكمة الثورة – المقدم الحقوقي – راغب فخري – عضو – هذا وقد اقترنت هذه الاحكام بمصادقة رئيس الجمهورية المهيب احمد حسن البكر وصدرت المراسيم الجمهورية الخاصة بتنفيذ احكام الاعدام.
– لم يقف اتباع البكر عند هذا الحد بل اجبروا بالتعذيب المرحوم الدكتور يوسف المعمار ان يقول في التحقيق والمقابلة التلفزيونية المسرحية ان عبدالسلام عارف كان جاسوسا للمخابرات الامريكية وانه رحمه الله كان على صلة باندرسون وزير مالية ايزنهاور.
– وكتب صحفي لبناني اسمه نشأت التغلبي في (الحوادث اللبنانية) في 20\6\1969 مقالا مثيرا بعنوان:
(هل اصبح زعماء العراق كلهم خونة؟) ومما كتبه التغلبي عن الاتهام الذي اطلقه النظام العراقي على عدد كبير من كبار ساسة العراق بانهم جواسيس لامريكا ومنهم عبدالسلام عارف وصديق شنشل وصالح زكي توفيق.. المطلوب من النظام العراقي ان يتوقف عن تلويث سمعة السياسيين العراقيين غير البعثيين من جماعة البكر حرصا على سمعة العراق وعلى كرامته ووطنيته..
هل كان عبد السلام عارف جاسوسا لانه استقبل – وهو رئيس للجمهورية – المستر اندرسون؟
لقد كان انتقاما رهيبا نفذه مكتب العلاقات العامة ضد من كان البكر – صدام يعدهم خطرا على مستقبل نظامهم.
– اعتقد لو كان عبدالسلام عارف حيا لشنقه البكر – من دون ان يرف له جفن – انتقاما من دوره في انقلاب 18 تشرين الثاني.
– ان الاعدامات التي جرت في اوائل الحقبة التي تسلم فيها البكر – صدام السلطة صفي المئات ممن افترضهم اعداء للنظام وهم ليسوا كذلك والبعض تخلص منهم البكر وصدام كل على طريقته لاغلاق ملف او حرق اوراق تمس السمعة السياسية لكل منهما ويبدو للمراقب لتلك الفترة ان البكر تولى تصفية (الاصدقاء) الذين تعرف عليهم في مراحل حياته التامرية والانقلابية كما تولى صدام تصفية العناصر البعثية التي له معها مواقف سابقة او التي تعترض صعوده سلم السلطة.. ويظهر من اسماء المعدومين ان كلا من البكر وصدام وضعا قوائم بالمرشحين للقتل والاعدام والشنق والتعذيب او الصاق التهم لتشويه السمعة كالتجسس وغيرها ضد كبار السياسيين والعسكريين العراقيين وتخوينهم وتشويه سمعتهم وبالتالي اعدامهم للتخلص منهم نهائيا وان رشيد مصلح وعبد العزيز العقيلي وعبدالرحمن البزاز وفؤاد الركابي ومدحت الحاج سري وطاهر يحيى وعبدالسلام عارف وعطا عبدالوهاب وعبدالله الخياط وعبدالعزيز بركات وكثير اخرين من القوميين والناصريين خسروا ارواحهم بسبب احقاد البكر الشخصية وانتقام صدام الشخصي من ضحاياهم.
المصدر: صحيفة المشرق