حوار موسع عن حقبة حكم البكر وصدام العقيد الركن سليم شاكر الإمامي آمر اللواء المدرع 12 يروي
• كانَ تبليغكم بالدخول للمعركة سريعاً وتحرككم أكثر سرعة، كيف تمكنتم من الحصول على معلومات عن العدو؟
– هذه نقطة مهمة جدا.. ساعة وصولي تكررت الواجبات ثلاث مرات.. كان اللواء اديب الامير المستشار العسكري الاقدم لحافظ الاسد استدعاني في الرابعة فجرا وكان معه عبدالله حبيشي.. بعد ان جاءني ضابط ارتباط سوري.. قال لي اللواء الامير ان العدو اخترق جبات الخشب قرب دمشق والمطلوب انت ولواء سوري ايقاف تقدم الاسرائيليين وتدفعوهم الى الوراء.. واضاف: ان المطلوب كموقف سريتي دبابات اسرائيلية وتقدم نحوهما لواء مدرع وانت ستشارك في صد هاتين السريتين والتوقيت الساعة الواحدة ظهرا قلت له لقد مرت 11 ساعة على الموقف الاول فهل ما زالت السريتان في مكانهما ولم يتغير الموقف؟ فقال لي انتظرنا عشر دقائق.. وكان يرافقني شقيقي المقدم كريم شاكر.. بعد عشر دقائق عاد الي واخبراني بالغاء المهمة.. وستكلف بواجب اخر في الفرقة الخامسة.. وفي الفرقة الخامسة شرح لي رئيس الاركان العقيد حسن من صنف الهندسة الموقف العسكري.. الجبهة السورية عموما تمتاز بعدد من التلال.. تلال عالية كالمنارات.. قال لي العقيد حسن انهم يتوقعون هجوما يمين التل وانت عقيد سليم تهاجم حال صدور الامر اليك.. قلت له اعطوني فرصة لتهيئة اللواء.. ذهبت الى مقر اللواء في شمال قيطة.. اذكر انني مع قادة الوحدات في لوائي نفذنا جولة شاملة لميدان الجبهة حال وصولنا لسوريا استفدنا منها كثيرا فيما بعد حتى اننا وصلنا في جولتنا الى مواقع الفرقة التاسعة بقيادة حسن تركماني.. واخبرنا تركماني انه لم تتبق عنده غير ثلاث دبابات وقال المطلوب شن هذا الهجوم.. وفي الليلة نفسها اخذوني الى اللواء الامير كما اشرت ومن ثم الى الفرقة الخامسة.. واثناء اعطاء الاوامر جاءني قائد الفرقة العميد الركن اسماعيل تايه واخبرني باعادة تنفيذ واجب الامس وهو الهجوم على جبات الخشب وان ينفذه لواؤك وحده والواجب احتلال تلين هما تل الشعار وتل المات.. لم تصل الخرائط لنا ولكني اعددت تقدير موقف.. كانت القيادة السورية تلح على الهجوم.. ولكن كيف ينفذ الهجوم من دون خرائط.. وبعد تهيئة الخرائط تغيرت الخطة بتغير اتجاه العدو من الشمال الغربي الى الجنوب.
• هل كنت تتوقع وأنت تتحرك مع لوائك إلى سوريا أن يشن الطيران الإسرائيلي هجوماً على قطعاتك؟
– شيء معيب على القائد أن يفكر بحصول ضربة جوية.. كان الاسناد الجوي السوري ممتاز جدا من خلال نشر منظومات صواريخ سام 6 و7 كما كان للاشقاء السوريين مدفعية رائعة جدا.
• كيف كان التعاون السوري معكم؟
– لم نقاتل سوية.. الدعم السوري لنا تجاوز حدود التصور.. كانوا احرص علينا من اهلنا.
• كم استمر وجودكم في سوريا؟
– من يوم 12 تشرين الى يوم 15 حتى تم انسحابنا تحت ضغط هائل من الاسرائيليين وفشل قطعات اللواء الاستجابة لطبيعة المعركة. كثير من الضباط انسحبوا للخلف. في كتابي عن حرب تشرين نشرت الغسيل القذر لبعض الضباط في لوائي ومع ذلك أخفيت الكثير من الحقائق.
• بعد انسحاب القوات من سوريا جرى استعراض هائل لكم هل كرمتك القيادة فيما بعد؟
– نعم كرمتني اعظم تكريم.. رموني في السجن بعد ست سنوات على حرب اكتوبر!. ويضيف الامامي: جرى استعراض للقوات العائدة لكنهم رددوا عني فيما بعد “ان سليم اصيب بدوار الغرور”!.
• ما رأيك بجهود الفريق عبد الجبار شنشل رئيس الأركان في الحرب؟
– كان مهندس المجهود الحربي.
• متى تم إبعادك عن الجيش؟
– اخبرني المرحوم عدنان شريف عضو المكتب العسكري انهم اقترحوا تعييني ملحقا عسكريا وان البكر قال لهم كيف تعينون سليم ملحقا عسكريا وهو افضل امر لواء مدرع.. كما قيل ان سليم مل لواءه وان لواءه قد مله ايضا.. في عام 1974 تم ابعادي عن الجيش.. في22 تشرين الثاني 1974 وصلت لندن ملحقا عسكريا في سفارتنا.
• هل كان ابعادك نتيجة لرغبة عدنان خير الله بابعاد بعض كبار الضباط وانت واحد منهم كشرط لاستلامه وزارة الدفاع؟
– قال لي سعدون شاكر عندما استلم عدنان خيرالله وزارة الدفاع قال في القيادة ما يلي: سلمتم لي وزارة الدفاع ويجب علي ان انجح فيها.. ويوجد في الجيش ثلاثة رفاق لا يمكن لي ان أتخطاهم ولا يمكن لي ان اعمل معهم.. وهم عدنان شريف وحامد جاسم الدليمي وسليم شاكر.. ولهذا ذبحنا نحن الثلاثة كالخراف تحت قدمي عدنان خير الله.
• هل كان سبباً رئيساً في إبعادك عن الجيش؟
– عوامل عديدة.. في البداية نقلوني لوزارة المواصلات وعندما حسبوا خدمتي تبين لهم انها تعادل رئيس ملاحظين (!!) وهنا يجب ان اذكر ان محمود الندا شقيق كريم الندا كان مرافقا لميشيل عفلق قال لي امام كريم: “سليم انت غلطان مشيت مع البعثيين.. عرض علي عفلق منحي رتبة ملازم فاعتذرت له وسالني عفلق عن سبب رفضي قلت له ان البعثيين غدارون.. البعثيون يغدرون برفاقهم”. كما أن كاظم نعمة قال لي ونحن في الجبهة “سليم احذر تره والله كاعديلك ركبة ونص”، فاجبته “ساقول لك كلاما اذا نقلته عني سانكر وهو ان اللي سويته يسوولي تمثال من ذهب مو بالباب الشرقي فوق القصر الجمهوري” ثم كرر كلامه: “في المكتب العسكري متحضريلك ركبة ونص”!.
• كم بقيت في السلك الدبلوماسي؟
– نحو سنة ونصف السنة.. وبعد ان عينت في وظائف مدنية لا تليق ببطل اكتوبر صدر مرسوم جمهوري بتعييني وحامد الدليمي سفيرين في ديوان وزارة الخارجية.. ثم عينت سفيرا في السنغال.. وحامد سفيرا في نيجيريا وعدنان شريف سفيرا في المغرب.. التحقت بالخارجية في كانون الثاني 1978 وفي صيف العام نفسه باشرت بوظيفتي بالسنغال.. وفي يوم 29 تموز 1979 اعتقلت وسجنت ثم اطلق سراحي في 26 اذار 1983.
• لماذا حصلت مجزرة قاعة الخلد في تموز عام 1979؟
– أحمد حسن البكر ما كان يقبل لا في 1968 ولا في 1970 ولا بعدها الحرب مع إيران.. ويعد الحرب قرارا يصل الى مستوى جريمة سياسية كبرى عندما يحسب ميزان القوى السياسية والجغرافية يجدها في صالح إيران.. امتداد جغرافي وحجم سكاني وسيطرة.. جميع المرتفعات بيد ايران والسهول فقط للعراق وانها جريمة كبرى ان يعلن مسؤول عراقي الحرب على ايران وان عبد الكريم قاسم قضى على العلاقات العراقية – الإيرانية في عصرها الذهبي في العهد الملكي بعد أن حشد قواته وعبد السلام عارف هدد اما صدام حسين فقد جر الى الخطأ الاكبر. كان امام صدام مسلك واحد لا غير هو احتلال عربستان والدفاع بالخطوط الجبلية.
• أنت لماذا اتهمت بمؤامرة عايش؟
– عندما حصلت مجزرة الخلد كنت سفيرا في السنغال.. كنت في بغداد في ايار بزيارة.. وجدت البكر منتهيا صحيا.. رجعت يوم 16 تموز.. وصدر قرار استقالة البكر.. بلغت به من قبل القنصل الفخري لحكومة مالطا اخبروني: صار عندكم انقلاب.. انقبض صدري لان سعدون غيدان اعلمني ان احدى العرافات اخبرتهم ان البكر لن يكمل عشر سنوات من حكمه.
• عرافة عراقية؟
– نعم عرافة من العراق هي التي اخبرتهم.. وهي المعروفة باسم الدراجية العمية.. والله قبض صدري عندما سمعت بالخبر وقلت لزوجتي رحمها الله: انا غير مرتاح لسفري الى العراق.. لحصول مؤامرة في بغداد.. وانني اعرف أسماءهم.. وان مدير المدرسة العراقية في باريس الموجود في بغداد اخبرني باسماء المتآمرين.. بينهم اعضاء القيادة الخمسة ووليد محمود سيرت.. خابرت اهلي في بغداد، نصحني خالي بعدم المجيء، كانت عندي قناعة ان لا علاقة لي بالمتآمرين والمؤامرة ولكن قلبي كان يتوجس الشر.. كنت صائما في رمضان.. واخذت الخيرة بالقران.. وفي فجر اليوم التالي ذهبت الى المطار لاستقل الطائرة الى بغداد على اساس حضور اجتماع السفراء بالرئيس الجديد.. كنت في قرارة نفسي واثقا من اعتقالي