يحيي أكراد العراق هذه الأيام الذكرى الثالثة لإجراء استفتاء الانفصال، ورغم أن غالبيتهم صوتوا لصالح الانفصال بنسبة بلغت 92.73% ومشاركة وصلت إلى 72%، تسبب رفض بغداد له بتغيير خارطة حياتهم وأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما قوبل الاستفتاء بمعارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة وعدة دول غربية خشية أن يتسبب في زعزعة استقرار المنطقة ويخلق صراعا جديدا مع بغداد، وحينها طلب وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون رسميا من رئيس الإقليم آنذاك مسعود البارزاني بتأجيل الاستفتاء، وأكد لاحقا أن بلاده لا تعترف بنتائجه لافتقاره إلى الشرعية.
تطمينات الأكراد
وقبل إجراء الاستفتاء قال مستشار مجلس أمن إقليم كردستان السابق رئيس الحكومة الحالية مسرور البارزاني، إن قرار الانفصال هو قرار الأكراد بكل مكوناتهم القومية والدينية، منوها إلى أن شجاعة قوات البيشمركة في الحرب ضد الإرهاب، أظهرت للعالم أن الكرد يستحقون أن تكون لهم دولة مستقلة.
وشدد على أن “الكرد لن يشكلوا خطرا على دول المنطقة ولا يريدون تغيير الحدود الدولية القائمة بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، بل يريدون رسم حدود جديدة بين الإقليم وبقية المناطق العراقية، دون المس بمصالح أي جهة أو دولة أخرى”.
وانتزعت بغداد مساحات واسعة من المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي كانت خاضعة لسيطرة الإقليم منذ عام 2003 ومنها كركوك الغنية بالنفط، إضافة لمحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين عقب إجراء الاستفتاء، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات صارمة بحق الإقليم، منها تسليم المطارات الموجودة فيه، وفرض حظر جوي عليها وتوقف كل الرحلات الدولية من كردستان العراق وإليها.
وبعد اشتداد الصراع بين بغداد وأربيل ووقوع العشرات من القتلى والجرحى من صفوف البيشمركة الكردية والجيش العراقي بمعارك طاحنة في المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، أصدرت حكومة الإقليم بعد نحو شهر من إجراء الاستفتاء بيانا عرضت فيه تجميد نتائج انفصال الإقليم ووقف إطلاق النار الفوري والبدء بحوار مفتوح بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية في بغداد.
الخطأ الفادح
ومن النقاط التي سُجلت سلبا على الاستفتاء هو التوقيت غير المناسب، ولم يكن الكرد موفقين أبدا في هذا الشأن، لذلك انعكس سلبا عليهم وعلى العلاقة الثنائية بين أربيل وبغداد، مما دفع حكومة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي إلى استخدام القوة لأول مرّة والدخول بمواجهة عسكرية مباشرة مع البيشمركة وهي حالة لم تحصل منذ عام 1991.
كما ألحق الاستفتاء خسائر فادحة بالإقليم منها فقدانه لنحو 51% من مساحة المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك الغنية بالنفط، فضلا عن الخسائر الاقتصادية.
ولم يعد للكرد أي أمل باستعادة السيطرة على هذه المناطق كما يقول المحلل السياسي الكردي لاوند جلال آغا، مؤكدا للجزيرة نت أن الاستفتاء لم يكن له أي إيجابيات بالنسبة للكرد، معززا رأيه باعتراف رئيس حكومة الإقليم السابق نيجيرفان البارزاني بقرار المحكمة الاتحادية الذي اعتبر الاستفتاء مخالفة قانونية صريحة وجمد نتائجه وألغى العمل به.
وتراجعت القيادة السياسية الكردية عن الاستفتاء ولم تتمسك به وما يؤكد ذلك -حسب آغا- هو تأييدها لقرار المحكمة الاتحادية العراقية فضلاً عن تصريحات القيادة الكردية والمسؤولين في المؤسسات الدستورية بالإقليم بأن كردستان جزء من العراق.
وكان الإقليم يتمتع قبل الاستفتاء -كما يرى آغا- بكيان سياسي مميز استطاع من خلاله عقد اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية مع عدة أطراف دولية، لكن لم تعد لكردستان هذه الخصال بعد قرار الانفصال، واصفا إجراء الاستفتاء بـ”الخطأ السياسي الفادح” بالنسبة للكرد، رغم البدائل التي قدمت لقادتهم من مسؤولين أميركيين وأوروبيين.
واستبعد المحلل السياسي الكردي نيل قوميةٍ ما في دولةٍ مثل العراق -الذي تحوّل إلى ساحة للصراعات السياسية والمخابراتية الدولية- استقلالها بهذه السهولة ما لم تحصل مسبقا على تأييد مباشر من الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية والدول الأوروبية، وعكس ذلك يمكن اعتباره خطأ إستراتيجيا.
ويؤكد آغا أن الاستفتاء قلل من شأن الإقليم، حيث كانت الحكومة العراقية تتشكل في أربيل بعد الانتخابات لكن بعد قرار الانفصال صار الإقليم ينتظر دفع رواتب موظفيه من الحكومة الاتحادية وأصبحت السيطرة لبغداد وليس لأربيل.
وبدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني خطواته نحو الاستفتاء في وقت كان فيه الإقليم يواجه مصاعب ويمرّ بأزماتٍ متعددة أبرزها المالية والاقتصادية، فضلاً عن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومخلفاتها ونتائجها، وكان من الأفضل أن تتم معالجة هذه الإشكاليات، كما يرى الناشط المدني حسيب شيخ صدر الدين، ومن ثم اللجوء إلى خيار استفتاء الانفصال.
حلم عائلي
وبدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني خطواته نحو الاستفتاء في وقت كان فيه الإقليم يواجه مصاعب ويمرّ بأزماتٍ متعددة أبرزها المالية والاقتصادية، فضلاً عن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومخلفاتها ونتائجها، وكان من الأفضل أن تتم معالجة هذه الإشكاليات، كما يرى الناشط المدني حسيب شيخ صدر الدين، ومن ثم اللجوء إلى خيار استفتاء الانفصال.
ويحتاج الانفصال عموما إلى أرضية مناسبة وأجواء هادئة ومقبولية من جميع الشرائح والفئات المجتمعية بالإقليم ومعها الأطراف السياسية، إلا أن الديمقراطي الكردستاني أجرى الاستفتاء دون موافقة أو استشارة بعض الأطراف السياسية الرئيسية بكردستان ولم يحصل على إجماع عام، مع رفض دول العالم لغياب الظروف المواتية.
واستعجل الديمقراطي الكردستاني -كما يرى صدر الدين- بقرار الاستفتاء وأراد تسجيل حدث تاريخي لعائلة واحدة فقط (في إشارة منه إلى عائلة البارزاني) في حال نجح الأمر، وإذا حصل العكس فإن المواطن هو من يدفع الضريبة.
وفي رده على سؤال للجزيرة نت فيما إذا كان الاستفتاء مشروعا قوميا للكرد أم حزبيا، يقول صدر الدين إن قرار الانفصال جاء من أجل تحقيق مصلحة حزب واحد في كردستان، منوها إلى أنه كان من الممكن أن يكون الاستفتاء مشروعا قوميا عندما يكون لمصلحة الجميع ولا ينعكس سلبا على المواطنين.
ودفع عناد الديمقراطي الكردستاني مع بغداد وتأزم الصراعات السياسية آنذاك بين الطرفين إلى قرار إجراء استفتاء الانفصال، كما يفسر ذلك صدر الدين، لافتا إلى أن الكرد لم يصلوا بعد إلى مرحلة الانفصال وقيام الدولة، في ظل غياب المقومات الأساسية.