مهما قلنا ومهما حاولنا الاختباء خلف عباراتٍ مثل ”المال لا يشتري السعادة“ فسنجد أنفسنا في نهاية اليوم بحاجة لبعض المال لشراء وجبتنا التالية، ودفع الفواتير، وغيرها من الأشياء، وعلى الرغم من أننا تعلّمنا منذ الصغر أنّ علينا أن نعمل بجدّ من أجل الحصول على مالٍ نظيف فهناك دوماً بعض الأشخاص الذين يسعون للحصول عليه بطرقٍ سهلةٍ ومختصرة، ولذلك نجد أنّ بعضنا جعل من السرقة مهنةً له.
بالطبع السرقة مرفوضةٌ في كافة المجتمعات وليست مدعاة للتسلية ذلك لأنّها اعتداءٌ على ممتلكات الأفراد التي أفنوا سنينهم من أجل الحصول عليها، ولكننا في بعض الأحيان نجد قصصاً مضحكةً عن اللصوص، لأنّ عمليات السرقة التي اقترفوها تمّت بأسلوبٍ ذكيٍ ومبتكر لم نتوقع أن يخطر في بال أحدٍ على الإطلاق، أو لأنها استهدفت أشياءً لم نكن نتوقع أن يحاول أيّ كان سرقتها وهو ما سنتحدّث عنه في هذا المقال.
1. لصوص الجسور
عندما يحاول أحدهم امتهان السرقة فإنّه غالباً يتجّه لسرقة ما خفّ وزنه وغلا ثمنه ولذلك فمن الطبيعي أنّ نسمع عن سرقة الذهب أو بعض أحجار الماس، وحتى عندما نسمع ذكر الجسور في القصة فالشيء الوحيد الذي يمكن أن يخطر في بالنا هو قاطعوا الطرق الذين يحاولون نهب ممتلكات العابرين، ومع ذلك يبدو أنّ العالم يصرّ دوماً على منحنا بعض المفاجئات، إذ يبدو أن هناك عصابات تختصّ بسرقة الجسور بأكملها.
أجل هذا صحيح، لصوصٌ يسرقون الجسور وهذا ما حصل في القسم الشرقي من جمهورية التشيك في بلدةٍ صغيرةٍ تُدعى (سلافكوف)، حيث يوجد جسرٌ مُهملٌ كان يُستخدم سابقاً كخطٍ للسكك الحديدية وتحوّل إلى مجرّد جسر يستخدمه المشاة للعبور من طرفٍ إلى آخر، وفي عام 2012 تبيّن أنّ هذا الجسر قد جذب انتباه عصابةٍ تكسب المال من بيع المعادن، فقدموا إلى البلدة وبحوزتهم مستنداتٌ مزوّرة تبيح لهم تفكيك الجسر حالاً.
بالطبع اختار اللصوص هذا الجسر بشكلٍ خاص لأنّه لم يكن محروساً من قبل رجال الأمن باعتبار أنّه كان خارج الخدمة منذ مدةٍ طويلةٍ نسبياً، أمّا سكان المنطقة فلم يتدخلوا في أمور العصابة وتركهم الجميع يفككون الجسر ذو الأطنان العشرة باعتبار أنّ الوثائق المزوّرة التي قدّموها تدّعي أنّ الهدف من تفكيك الجسر هو بناء واحدٍ جديدٍ في مكانه، وهو ما لم يحصل طبعاً فحالما انتهوا من تفكيكه إلى قطعٍ معدنيةٍ صغيرة الحجم؛ قاموا بشحنه وهربوا بعيداً ليبيعوه بمبلغ 6500 دولار.
الجدير بالذكر أنّ هذه لم تكن حادثةً فرديةً، ففي عام 2011 قُبض على شقيقين وهما يحاولان بيع خردةٍ معدنية مسروقةٍ من جسرٍ في (بنسلفانيا) مقابل 5179 دولار، وفي عام 2013 تكرر الأمر ذاته في تركيا، كما سبق أن حصلت حادثةٌ مشابهةٌ في أوكرانيا في عام 2004.
2. لصوصٌ مرحون يسطون على بنك وينهبون مبلغ 8 ملايين دولار ويقيمون حفلةً للرهائن في الوقت ذاته
كما نعلم جميعاً فعمليات السطو المسلّح على البنوك ليست مرادفاً للحصول على المرح ولا بأيّ شكلٍ من الأشكال، وإن كنت سيء الحظّ وشاءت الصدف أن تتواجد في أحد البنوك أثناء عملية سطو فكلّ ما ستحصل عليه هو اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، فالجوّ المشحون والأسلحة الموّجهة نحوك من شأنها أن تترك أثراً عميقاً على استقرارك النفسي.
على ما يبدو لا يمكننا اعتبار جميع اللصوص حادّي الطباع كذلك، فبعضهم قد يكون مرحاً للغاية كأولئك الذين قاموا بسرقة بنك (ريو) في الأرجنتين، فبينما كان اللصوص يفرغون الخزنة من الأموال ويستولون على المقتنيات القيّمة من صناديق الودائع؛ كان حوالي 200 شرطيٍ يطوقون البنك، وهو ما جعل الجميع يتوقّع أنّ الأمر سينتهي بالقبض على اللصوص.
وهنا حصل ما لم يكن في الحسبان، إذ قام اللصوص بطلب البيتزا والصودا حتى يتمكّن الرهائن المحتجزون في البنك من تناول الطعام ريثما ينتهون من السرقة، ثم بدأ أحدهم بغناء أغنية «عيد ميلاد سعيد»، وإذا كنت تجد هذا غريباً فهناك المزيد، حيث أنّ اللصوص سمحوا لرهائنهم باستخدام هواتفهم المحمولة أثناء عملية السطو، فعلى ما يبدوا؛ هم لم يرغبوا بأن يشعر رهائنهم بالضجر.
بعد أن أنهوا جمع الأموال من البنك، ترك اللصوص ورقةً صرحوا من خلالها أنّهم كانوا يرغبون بسرقة المال لا غير، وتركوا أسلحتهم التي تبيّن أنّها كانت مجرد ألعاب، وهو ما جعل العملية تبدو كحفلةٍ مفاجئةٍ بدلاً عن عملية سطو، وفي الوقت الذي كان فيه رجال الشرطة ينتظرون خروج أفراد العصابة ليقبضوا عليهم تسلل السارقون حاملين غنائمهم عبر حفرةٍ في الجدار تقود إلى نظام الصرف الصحي بشكلٍ مشابهٍ لما قام به (أندي) في فيلم Shawshank Redemption.
لسوء حظ اللصوص، لم تكن النهاية سعيدةً تماماً إذ أنّ ضمير زوجة أحدهم استيقظ عندما أخبرها عن السرقة التي شارك فيها، مما تسبب في القبض عليهم جميعاً، وهو ما يوصلنا للعبرة من هذه القصة وهي أنّ عليك أن تُبقي فمك مغلقاً بعد القيام بالسطو على بنك إن كنت ترغب في البقاء خارج السجن.
3. فنان يتسلل إلى المتاحف مشددة الحراسة ويعلّق أعماله الفنية خلسةً
بما أنّ ثمن اللوحات الفنيّة المعروضة في المتاحف قد يصل في بعض الأحيان إلى مبالغ خيالية فمن الطبيعي أن تكون هذه الأماكن مستهدفةً من قبل السارقين، ولكن وبشكلٍ غريبٍ شهدت العديد من المتاحف والمعارض الفنية ظاهرةً فريدةً من نوعها: فبدلاً من سرقة محتوياتها كان هناك من يتسلل ليضع فيها بعض اللوحات الإضافية خلسةً.
كما تبيّن لاحقاً فإن هذا الدخيل لم يكن سوى الفنّان (بانسكي) البريطاني سيئ السمعة، الذي اشتهِر بعرض أعماله في أغرب الأماكن، انطلاقاً من الشاحنات ووصولاً إلى جدران قطاع غزّة، وقد قام بجهد كبير حتى يتمكّن من التسلل إلى المتاحف لوضع لوحاته الخاصة، وذلك من خلال دراسته السيرة الذاتية للساحر الشهير (هوديني) ليتعلّم أساليبه في التسلل، حيث كان يستخدم الأزياء التنكرية وينتظر بصبرٍ حتى ينشغل الآخرون بأمورٍ أخرى ليقوم بعد ذلك بتعليق اللوحة على جدار المتحف، والمثير للاهتمام أنّ تلك اللوحات كانت غالباً ما تبقى هناك معلقة لأسابيع قبل أن يلحظ شخصٌ ما وجودها.
بالطبع لا يمكن اعتبار هذا عملية سرقة أو سطو ولكنّ الأمر يبدو غريباً، فقط تخيّل أنّك في متحف في مدينة نيويورك تتأمل بإعجاب جمال لوحة (هينري ماتيس) بعنوان «أشجار الزيتون في كواليور» لتتفاجأ بعدها بلوحةٍ تحمل اسم «لديك عينان جميلتان» تظهر فيها سيّدةٌ ترتدي قناعاً واقياً من الغاز.
من الجدير بالذكر أنّ أفعاله هذه لم تقتصر على مدينة نيويورك وحدها، فقد قام أيضاً بتعليق عدّة لوحات له في أماكن مختلفة في لندن، ولولا أنّ اللاصق الذي استخدمه (بانسكي) فشل في تثبيتها لفترةٍ أطول كان من الممكن أن يستمرّ الزوار في تأملّ لوحاته الدخيلة على المعرض لسنواتٍ عدّة، وعلى الرغم من أنّ القصّة لوحدها مضحكةٌ بما يكفي إلا أنّها كانت ستكون أطرف لو أنّه استغلّ الأمر وقاضاهم بتهمة انتهاك حقوقه الفكرية.
4. الشرطي الذي كان يسرق البنوك ويعود للإشراف على التحقيق
أن تكون لصاً يسرق البنوك فهذا دون شكٍّ عملٌ يتطلّب الكثير من الجرأة، ولكن حتى أكثر اللصوص جرأة لن يقوم بالعودة إلى مسرح جريمته بعد إتمام العملية، فأمرٌ كهذا لا يقوم به سوى شخصٍ مخبولٍ بالكامل، ولكن هذا بالطبع ما كان يقوم به بطل هذه القصة (أندريه ستاندر) بيد أنّه بالطبع لم يكن يعود بصفته لصاً بل بصفته شرطياً يقوم بعمله، فقد كان (ستاندر) شرطياً مختصاً في التحقيق في جرائم القتل والسرقة، وبراعته في التحقيق في جرائم السرقة تجعل من السهل أن نقول أنّه كان بالبراعة التي ظهرت فيها شخصية (ديكستر) في مسلسل Dexter الشهير.
بدأت مسيرته الإجرامية في سبعينيات القرن الماضي حين رأى أنّ الخبرة التي اكتسبها في عمله بعد التحقيق في الكثير من جرائم السرقة كان كافيةً لجعله لصاً بارعاً يسرق البنوك دون أن يُقبض عليه، وهو ما ثبتت صحته لثلاث سنواتٍ متتالية سطا فيها على الكثير من البنوك ببراعة، حتى أنّه في بعض الأحيان كان يسطو على البنك خلال فترة استراحة الغداء ويعود إلى مسرح الجريمة لاحقاً من أجل التحقيق دون أن يتمكّن أحدٌ من التعرّف عليه.
مجرّد عودته إلى مسرح جريمته للتحقيق في الجريمة التي كان هو قد ارتكبها يخبرنا أنّه كان واثقاً أشدّ الثقة في قدراته! فهل يمكنك أن تتخيل قيامك باستجواب شاهدٍ قمت منذ عدّة ساعاتٍ بتصويب سلاحٍ إلى رأسه طالباً منه منحك أموال البنك؟ مجرّد التفكير في الأمر كفيلٌ بجعلي أضحك بشكلٍ هستيري.
بالطبع لم يدم حظّه الجيد للأبد، ففي عام 1980 قُبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة 75 عاماً، إلا أنّه تمكن من الفرار بعد ثلاث سنواتٍ بصحبةٍ اثنين من السجناء ليتابع من جديد مسيرته الإجرامية، في هذه المرّة كرّس (ستاندر) كامل جهده لعمله الجديد ويبدو أنّ ثقته بنفسه زادت أيضاً حيث أنّ عصابته كانت تقوم بسرقة 4 بنوكٍ في اليوم ذاته، وهو ما لم ينتهي بشكلٍ جيدٍ بالنسبة له حيث أدّى اشتباكٌ بينه وبين رجال الشرطة إلى مقتله.
5. العصابة الروسية التي سرقت كنيسةً كاملة
في العادة؛ من يتردد كثيراً على الكنسية يقوم بذلك من أجل التقرّب إلى إلهه وتقوية إيمانه، ولكن في روسيا قد تكون الأمور مختلفةً بعض الشيء بين الحين والآخر، حيث توجهت مجموعةً من الأشخاص إلى إحدى الكنائس من أجل مخالفة الوصيّة السابعة في الكتاب المقدّس التي تقول ”لا تسرق“.
قد يخطر في بالك عندما تسمع أنّهم سرقوا الكنيسة أنّ أولئك اللصوص سرقوا المال من صندوق الكنيسة، أو ربّما أخذوا بعض المقتنيات القيّمة، ولكن هدفهم كان أكبر من ذلك بكثير.
حصل الأمر في عام 2008 في قريةٍ تُدعى (كوماروفو) حين قامت مجموعةٌ من اللصوص بتفكيك كنيسةٍ عمرها 200 عام قرميدةً تلو الأخرى، ثم فروا آخذين معهم الكنيسة بأكملها! من المرّجح أنّ سرقةً كهذه استغرقت شهراً أو أكثر من الزمن، ولأنّ الكنيسة لم تكن قيد الاستخدام ونظراً لكون القرية تقع في مكانٍ ناءٍ يبعد 300 كيلومترٍ عن العاصمة (موسكو) لم يلحظٌ أيّ أحدٍ ما كان يجري إلا بعد فوات الأوان، حين لم يتبق من الكنيسة إلا عدة جدرانٍ وأساسات البناء المغروسة في الأرض.
لم يكن الأمر مفاجئاً للجميع، فتلك المنطقة فقيرةٌ للغاية وتشهد الكثير من الجرائم وكان من الطبيعي أن تثير هذه الكنائس أطماع اللصوص نظراً لأنّ بناءها المزخرف ومكانتها الدينية سيضمن لهم سعراً جيداً مقابلها، ولهذا أعتقد أنّه كان على المسؤولين عن الكنيسة في البلاد أن يعينوا بعض الحرّاس حتى مع كون الكنائس لا تستخدم على مدار السنة.