لا شك أن تكليف السيد عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة الجديدة قد وضعه في موقف لا يحسد عليه، فمهمته صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، خاصة وقد استجدت ظروف نتيجة فشل الأحزاب السياسية المتنفذة. فهذه الظروف تساعده على فرض شروطه في اختيار وزرائه من أصحاب الكفاءات التكنوقراط المستقلين. لذلك، و كمواطن عراقي في المهجر، متابع ومهتم بالشأن العراقي، أود تقديم بعض الأفكار والاقتراحات قد تساعده على جعل مهمته ممكنة.
ولكن قبل تقديم الاقتراحات، أود أن أشير إلى الحقائق التالية:
أولاً، إن الشعب العراقي منقسم على نفسه إلى طوائف وأثنيات، وكل منها متفتت إلى أحزاب سياسية متناحرة. إضافة إلى ما تعرض هذا الشعب لأكثر من نصف قرن إلى كوارث الدكتاتورية، من الحروب العبثية وغيرها كثير، لذلك من المستحيل إرضاء الجميع، خاصة وهناك قوى مستعدة للتعاون مع الشيطان، وحتى مع عصابات داعش وأخواتها، من أجل تسقيط المنافسين في الحكم والنفوذ. لذلك يجب أن يعتبر الأمر مسألة عادية إذا ما تعرض الرئيس المكلف للهجوم وحملات التسقيط.
ثانياً، لقد اتخذ خصوم السيد عادل عبدالمهدي من انتماءاته السابقة في أوقات مختلفة، لثلاثة أحزاب متناقضة في الأيديولوجية (البعثي، والشيوعي، والإسلامي)، نقاط ضعف ضده، بينما هي في الحقيقة نقاط قوة لصالحه، لأنه انتمى لهذه الأحزاب حينما لم تكن (هذه الأحزاب) في السلطة، ومنها كانت مضطهدة أشد الاضطهاد مثل الحزب الشيوعي، والمجلس الإسلامي الأعلى، وأخيراً ليبرالي مستقل. لذلك فانتماءاته لتلك القوى لم تكن بدوافع انتهازية كما يصورها خصومه، بل بدوافع القناعة والبحث عن الحقيقة خلال تطوره الفكري. وعليه، فإنتماءاته السابقة، والمناصب السيادية التي تبوأها بعد 2003، أكسبته خبرة واسعة تساعده على مواجهة المهمات الصعبة.
ثالثاً، إن فشل الأحزاب السياسية المتنفذة طوال 15 سنة الماضية في تلبية احتياجات الشعب منحه فرصة ذهبية لتنفيذ برنامجه الإصلاحي، ومعه الشارع العراقي الساخط على الأحزاب الفاشلة.
رابعاً، التظاهرات الجماهيرية الاحتجاجية التي اندلعت في محافظة البصرة، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وانتشرت في المناطق الأخرى من العراق، كانت مشروعة لأنها كانت تطالب بتوفير أهم الخدمات الأساسية لحياة المواطنين في بلد يتمتع بثروات طبيعية هائلة، وهي: توفير الخدمات، ومحاربة الفساد، و إيجاد العمل للعاطلين.
المقترحات
1- هناك البعض يحاول إيعاز الأزمات العراقية، وخاصة الاقتصادية منها، إلى سيطرة الدولة على المؤسسات النفطية، لذلك يحاولون الترويج إلى الخصخصة، أي بيع مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص. العلة ليست في تأميم المؤسسات النفطية وسيطرة الدولة عليها، بل في سوء استخدام وارداتها. فبدلاً من توظيفها لإعمار العراق، استخدمها حكم البعث الصدامي في عسكرة المجتمع، وشن الحروب العبثية الداخلية والخارجية. كذلك هناك من يروِّج إلى منح المواطنين أسهماً في النفط بذريعة النفط ملك الشعب. نعم، كل الثروات الطبيعية هي ملك الشعب، ولكن هذا لا يعني توزيعها على الأفراد وبيعها في سوق الخردة، بل يجب إدارتها من قبل الحكومة نيابة عن الشعب، واستثمار وارداتها للإعمار وتوفير الخدمات…الخ. لذلك نحذر من بيع المؤسسات الاقتصادية، النفطية وغيرها إلى القطاع الخاص.
2- هناك نحو 180 منشأة ومؤسسة حكومية معطلة، من بينها معمل الورق في محافظة البصرة، وخطوط الهاتف الأرضي على سبيل المثال. يجب بذل كل الجهود لتجديد هذه المنشآت وبعث الحياة فيها.
3- دعم القطاع الخاص، في الوقت الذي نبدي فيه حرصنا على القطاع العام وعدم المساس به، نرى من مصلحة الشعب دعم القطاع الخاص أيضاً، لأنه ضروري لتحريك الاقتصاد وإيجاد العمل للعاطلين. فالعراق يواجه مشكلات كبيرة وعديدة منها على سبيل المثال، الانفجار السكاني، وشح المياه، والتصحر وتلويث البيئة.وهنك نحو 25 جامعة وعشرات المعاهد، ومئات المدارس الثانوية في العراق، إضافة إلى انتشار الكليات الأهلية، والتي بمجموعها تخرِّج سنوياً أكثر من مليون متخرج، يبحثون عن عمل. وليس بإمكان الحكومة توفير العمل لهذا الجيش الكبير من الخريجين العاطلين. لذلك يجب تشجيع القطاع الخاص، والاستثمارات الوطنية والأجنبية، وتوفير التسهيلات لها بإصدار قوانين تشجع الرأسماليين في الداخل والخارج على الاستثمار في العراق.
4- في محاربة الفساد: إن أهم سبب لفشل السيدين نوري المالكي وحيدر العبادي في محاربة الفساد، هو إعلانهما بين حين وآخر أنهما يمتلكان ملفات الفساد ضد حيتان كبيرة، ولكن دون أي إجراء عملي ضد الفاسدين. لذلك فالمطلوب من السيد عبدالمهدي، أن لا يوعد ولا يهدد ما لم يكن مستعداً وقادراً على التنفيذ. إذيجب الكشف عن ملفات الفساد بكل شجاعة وصراحة، وسيتلقى الدعم من المرجعية الدينية، والشارع العراقي، والجماهير الواسعة الساخطة على الأحزاب السياسية الفاشلة، بل وحتى من الأحزاب السياسية التي ترى أنها مهددة بالاختفاء إذا ما وقفت ضد هذه الاجراءات. وإذا ما فشل في هذا الأمر، فعندها من حقه أن يلوِّح ويهدد بورقة الاستقالة كإجراء أخير، بعد أن يقدم شرحاً مفصلاً في مؤتمر صحفي أمام الشعب، يفصح فيه عن المعوقات التي تقف ضد مكافحة الفساد بما فيها الأحزاب والشخصيات المتنفذة.
5- في السياسة الخارجية، يطالبه أنصار إيران بمعاداة أمريكا والسعودية، ويطالبه أنصار أمريكا والسعودية بمعاداة إيران. وهذه سياسة انتحارية، لأن العراق يحتاج إلى صداقة الجميع. لذلك فالمطلوب من الرئيس المكلف أن لا يسمح لتلك الحكومات بنقل صراعاتها وحروبها بالوكالة على الساحة العراقية. وأن من مصلحتهم ومصلحة العراق أن تكون للعراق علاقات ودية مع الجميع.
6- العراق الجديد يواجه عدواً شرساً من فلول البعث، وحلفائهم من عصابات داعش، يمتلكون إمكانيات مادية وإعلامية واسعة، وخاصة في عصر الانترنت والتواصل الاجتماعي، في التضليل، وتلفيق الأخبار الكاذبة لتشويه صورة الديمقراطية والعملية السياسية، لذلك أقترح تشكيل لجنة من الاعلاميين، مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء، لمتابعة هذه التلفيقات، والرد عليها أولاً بأول، وتفنيدها وهي في المهد.
خلاصة القول، اعتقد بأن السيد عادل عبدالمهدي هو الآن أقوى من الأحزاب السياسية، لأن الشعب يتوقع منه حكومة مستقلة وكفوءة قادرة على انتشال العراق من وضعه المزري خلال فترة قصيرة جدا، والتجربة علمتنا بأن الأحزاب غير قادرة على الاتيان بمثل هذه الحكومة.
وما يساعده لمكافحة الفساد هو أن يحيط نفسه بكوكبة من ذوي الكفاءات الشرفاء، إذ كما قال جان جاك روسو: إعطني قليلاً من الشرفاء، وأنا أحطم لك جيشاً من اللصوص والفاسدين والعملاء.