.
ثمة إشكاليات لفظية ومعنوية وفعلية، ينتقدها المجتمع عامة، ويمارسها الأغلب، وبتناقض الأفعال مع الأقوال دون معرفة الأسباب الكامنة للإزدواجية، بفعل يحرمه الشخص على الآخر ويحلله لنفسه، بقناعة أو إقناع النفس أن الضرورة تتطلب، ويرتكب الخطأ ويعرف أنه خطأ، ولا يقبل الإنتقاد فيصر مجادلاً وأن أمسك الحقيقة.
الفرد يتأثر بالمحيط والتربية والسياسة العامة والمثل الأعلى، وأنه تواق لفعل الصواب، إلاّ أن أخطاء مثله الأعلى ستصبح أعراف حاضره ومستقبله.
كُرِّسَتْ الأقوال والأفعال السياسية العراقية منذ عقود الى عراق بعد 2003، وعملت على ترسيخ مفهوم الفرد وتغيب دور الجماعة، بالبحث عن أشخاص تنفيذيين بقبضة من حديد لا جماعة متكاملة، وبرزت شخصنة القضايا وتمجيد الرموز، ووضعهم ضمن المقدسات وتقرب من الإله، فكانت للإنطباعات ثوابت لا يمكن أزالتها بأجيال.
شارك معظم القادة السياسيين وبمساندة وسائل الإعلام أو مساندتهم لها، في تشتيت الرأي العام، أوجدت خطاباً هجيناً مشوهاً، ليدفن الإيجابيات المشتركة بين قوى المجتمع، وسعى الفكر السياسي المدروس والمنطوي على تكوين الذات، على تشعيب الرأي العام والفكر المجتمعي، بوجود تقاطعات فكر وطموحات وأهداف.
لم ينجح الساسة بإقامة التوازن بين التنمية السياسية والإقتصادية الشاملة، والقيم الإيجابية، بل إعتمدوا خطابات التسقيط، التي لا تتحدث سوى عن سلبيات الآخر الذي يرد بالمثل، وبالنتيجة خطاب سلبي ورأي عام يرى السلبيات، وضغوطات يراها المواطن؛ إقتصادية وأمنية وخدمية وإجتماعية، وأدت الى فقدان كثير من القيم التقليدية، وبرزت أعراف لا تنم عن قيم المجتمع، وغيرت شكل علاقة الفرد بالعائلة والعمل ومؤسسات الدولة، فيما لم يتاح للديموقراطية قمع الفكر السلطوي والدكتاتوري داخل الفرد السياسي، وإنتقلت العدوى للمجتمع، ومنهم من إستخدم غطاء الديموقراطية لنيل مكاسب حزبية، ولم يُفرق بين الثورة والدولة، ولا السلطة والبلد.
لا يمكن بناء البلد بشكل مستديم، مالم يكن الحكم مستقيم، ولا يمكن قيام التنمية، ما لم تسبقها سياسة تربية، وعند البحث عن الإصلاح والإنفتاح، فعلى الجميع تحمل تكاليف النجاح وتقاسم الأرباح، وإزالة الفرق بين المسؤول والفلاح، وهنا لا تطرف في الفعل الفردي، ولا تعدد أفكار تكسر قاعدة الثقافة التقليدية وتُفقد الهوية الأصلية، في وضع العولمة والنظم العالمية الجديدة، التي تدعو للإنسلاخ عن قيم المجتمع بذريعة التحضر، فيما كان ضمن منهج إزالة الحدود الدولية بعنوان الإقتصاد الحر والحرية التجارية والفكرية، أثر في بعض المكامن بنشر فكر الإرهاب والتعصب والعودة للقبلية، والإسباب ستجعل من الفكر العام تحت قيود، يضعها السياسيون بعلم أو بدونه برقاب شعبهم.
أهم عامل في صناعة الرأي العام هو القيادة السياسية، والفكر العام يأتي من تربية سياسية نابعة من قيم الوطنية، وتشوه الرأي العام يُحرف الفكر العام وبالعكس.
عندما يكون الفكر في ظاهره صواب، وباطنه خراب، سيجعل المجتمع يناقض الأقوال بالأفعال، ورأيه العام مشوش مشوه، ويتحول من التوظيف الإيجابي الى التحريف الفكري، البعيد عن قاعدة القيم ومصلحة الدولة ومجتمعها، لذا تجد المجتمع يتنقد الظاهر ويفعلها بالسر، لقناعة أن مثله السياسي الأعلى؛ يشوش الرأي العام لغرض خلط الحقائق، وما فكره السياسي سوى أداة تضليل، وما تحتاجه الشعوب، رأي عام موحد، يقود الى فكر عام منتج.