عفرين بعد إدلب، مسلسل، نرجحه، وترجحه الأغلبية من المراقبين السياسيين، وما صرح به وزير خارجية بشار الأسد أن شرقي الفرات بعد إدلب، ليست أكثر من خدعة، ولا يستبعد أن يكون تعتميا على صفقة محتملة مع تركيا، ونتوقع مشهدين متضاربين لمستقبل المنطقة، والكردية بشكل خاص:
1- إما أن، أمريكا ستحاول إعادة دعم فصائل من المعارضة وتحت أسماء مغايرة، فقد تسربت معلومات على أنه تم مثل هذا الدعم، حتى ولو كان على نطاق ضيق، قبل الاتفاق المؤقت بين تركيا وروسيا على إدلب، ويقال إنها كانت من بين الأسباب التي أدت إلى موافقة روسيا على تأجيل الهجوم. وفي حال استمرت روسيا في إثارة قضية التواجد الأمريكي في شرقي الفرات، سترد أمريكا بدورها بإرسال رسائل متعددة منها دعم ما للفصائل المتواجدة في منطقة إدلب وعفرين وجزء من حلب وشمال حماة ومحاولة إبقائها خارج سيطرة السلطة وروسيا، ولا يستبعد أن توافق على إبقائها تحت سيطرة أو وصاية تركية، علما أن تركيا تحاول جاهدة التخلص من المعارضة، على الأقل المدرجة على قائمة الإرهاب الروسية كفصائل هيئة تحرير الشام، وبالتالي ستبقى المنطقة شبه مستقلة عن السلطة، وهذا الاحتمال قد يؤدي إلى إقامة سوريا فيدرالية، أن لم تكن كونفدرالية، ولربما سيتم كتابة الدستور على هذا الحيز، لكن احتماليات تحقيقه ونجاحه ضعيف ولعدة أسباب: تركيا سترفضها وبقوة لأنها ستكون النموذج المثالي لمستقبلها الداخلي، حيث الشعب الكردي والشعوب الأخرى كاللاظ وحقوقهم، ومطالبهم، رغم أنها تتمناه لتصبح قبرص الثانية. ومثلها إيران والسلطة، وكذلك المعارضة، رغم أن الأخيرة في الواقع العملي تتجه إلى تطبيق الكونفدرالية بكل أبعادها، وتحاول جاهدة الحفاظ على الواقع الجاري، وتبقى هنا القوتين الوحيدتين أمريكا والإدارة الذاتية اللتان تسندان هذا التوجه وتدمجان الواقع الجاري مع النظري. من جهة أخرى الخلاف التركي الأمريكي، ورفض روسيا والسلطة تغيير موقفها من الفصائل المسلحة الموجودة على القائمة الإرهابية إلى فصائل معارضة وطنية لمجرد تغيير الأسماء، وبالتالي روسيا سترفض هيمنتها على تلك المناطق وستحاربها بكل الاحتمالات، ولن تترك السلطة لوحدها في المواجهة، وهنا، وكما ذكرنا، لا يستبعد أن تتلقى المعارضة مساعدة أمريكية في حال لم تتفق روسيا معها على بقائها في شرق الفرات وعلى الأغلب كمنطقة فيدرالية.
2- أو أن، إدلب وبعدها عفرين ستعود إلى كنف السلطة وبالقوة الروسية، حتى ولو كان الأسلوب المتبع مخالفا لما طبق في الغوطة الشرقية أو درعا، وهنا فاحتمالية خروج تركيا من معسكراتها المتعددة في المنطقتين، ستكون محل جدال واسع، بل ومن الباب وجرابلس، كقواعدها المتواجدة في العراق، رغم أن إخراجها وبأمر روسي هو المرجح، لإعادة هيمنة السلطة وشرعيتها الدولية وتأمين الاتفاقيات بينها وبين سوريا، لكن وفي جانب أخر، تبقى في المعادلة عملية التغاضي عن الوجود العسكري التركي في المناطق المحاذية لشرقي الفرات كورقة ضغط على أمريكا، وعلى مجريات الخلافات بينهما على وجودها وبقاء إيران في سوريا، وهنا سيكون الخلاف مرافقا على تطبيق النظام الروسي حيث الإدارات الذاتية الموسعة صلاحياتها، أو الفيدرالية في سوريا كما تخطط لها أمريكا، والتي أصبحت نموذجا تتناقش عليه كل الأطراف المعارضة والمؤيدة لها.
وفي الحالتين سيكون للكرد مكانة، أما بنظام فيدرالي كما في الحالة الأولى أو إدارة ذاتية بصلاحيات ذات نظام لا مركزي، فإيران، وكما ذكرناها في مقالات سابقة لن تخرج وبدعم روسي من سوريا، وبالتالي أمريكا بالمقابل لن تخرج من شرقي الفرات، ومن أحد علاماتها تمسكها بمدينة منبج رغم الدعايات التي روجتها تركيا حول الاتفاق معهم في إدارتها على مدى السنتين الماضيتين قبل أن تكذبها تصريح أردوغان الأخير مع الصحافة، والتي كان ينفيها السياسيون الأمريكيون بأساليب دبلوماسية.
فقضية إدلب ستحسم لصالح السلطة بطريقة أو أخرى، فضحتها كلمة بشار الأسد، عندما ذكر أن الاتفاقية التركية -الروسية أفادتنا كثيرا، تحت خباثة في الحجة، ولهذا وافقوا على كل بنودها، وتصريحه يبين وبشكل غير مباشر أنه هناك توافق ما بين سلطته وأردوغان عن طريق روسيا، وتركيا تؤدي مهمة إذابة المعارضة المسلحة وخاصة المتشددة الرافضة المصالحة والتخلي عن السلاح الثقيل، أو حتى بعضها ترفض سحبها من المنطقة المتفقة عليها.
وهذه الاتفاقية نتائجها سوف لن تختلف عن سابقاتها في الغوطة الشرقية ودرعا، وبالتالي فالمجموعات المسلحة ستتجه أو ستدفعهم تركيا إلى صراع داخلي، وبالتالي سيصبحون طعما سهلا لروسيا والسلطة، أو أن تركيا ستحاول دفع جلهم إلى منطقة عفرين، ومن المتوقع حينها ظهور الصراع هناك بين الفصائل القادمة والمسيطرة على المنطقة، مع موجات الهجرة الجديدة إليها وتعني بالنسبة لشعبنا الكردي في عفرين المزيد من سلب البيوت والأملاك، والتعدي، وغيرها من الأعمال الشريرة التي ستزيد من المعاناة المتفاقمة أصلا بين المهجرين وأبناء المنطقة، وهي الحالة التي تريدها السلطة وتركيا معا لأهالينا في عفرين.
ولا شك هذه الاحتمالات تكرسها عدم الاهتمام العالمي بمصير شعوب المنطقة، وخاصة القوتين اللتين بيدهما مفاتيح الحل، وعوضا أن تعملا على توجيه سوريا إلى حلول سلمية، تكرس روسيا مراكزها على الساحل السوري، وتدرجها ضمن سياقات القوانين الدولية، وبالمقابل أمريكا تنشر قواعدها وتعززها ببعض الأجهزة المدرجة في المفهوم العسكري، بالإستراتيجية، حتى ولو كانت على مستوى سوريا، أو المنطقة الكردية، ويهملون أو يغضون الطرف عما يجري في عفرين والمناطق الأخرى المحتلة عمليا من قبل تركيا تحت حجة مناطق خفض التصعيد أو المسيطرة عليها الفصائل المسلحة المعارضة، أو من قبل المليشيات الإيرانية تحت غطاء جيش السلطة، وبمخططات خلق التوازن بين التواجد الإيراني والتركي في سوريا، وترطيب الجانب التركي، وفي الواقع مصالحهم هي التي تحركهم والضحية هم شعوب المنطقة، وبأيدي المجرمين، السلطة وميلشياتها والمعارضة، المدعين تمثيلهم للشعب، وهذا التمثيل المنافق مسكوت عليه بل ويدعم من قبل الدول الكبرى، التي تفتح لهم الأبواب لحضور المؤتمرات حيث يتم من خلالها تمرير الادعاء الكاذب.
كما ذكرنا ستنتهي قضية إدلب وقريبا، المعارضة (فيما إذا قبلت بشروط الانسحاب، وهذا ما لا نتوقعه من أغلب فصائلها وخاصة هيئة تحرير الشام) فيها ستأكل بعضها، عندما ستضيق عليها المنطقة، والتي ستحصر فيها حسب الاتفاقية الروسية- التركية، فيما إذا طبقتها وتراجعت، بعمق 35 كم خط نظر من كل طرف أي بما معناه 70 كم خط نظر، وفي الواقع المسافة بين طرفي المحافظة مع المناطق الأخرى لا تزيد عن 200 كم خط نظر، ومساحتها قرابة 80 ألف كم مربع، إدلب مع المساحات المضافة إليها من محافظتي حلب وحماة، أي عمليا ستجتمع كل الفصائل ضمن منطقة عمقها لا تزيد عن 130كم خط نظر، وبينهم خلافات حادة، لانتماءاتها إلى قوى إقليمية متضاربة، وبعضهم منقسمة عن بعضها، وحاربت بعضها لمرات عدة، ومعظمهم سيتقاتلون على سيادة المناطق، أو أن تركيا ستفرض على قسم منهم حل ذاتهم، كما هو متفق عليه مع روسيا، وعلى الأرجح ستكون هناك رفض من قبل بعض الفصائل للمطالب التركية، وبالتالي فإن احتمالية الاقتتال الداخلي سيحصل قبل بدء القصف الروسي – السلطة لهم، وهنا ستواجه تركيا معضلات عدة.
بعد الانتهاء من إدلب، وتجميع المعارضة في عفرين والمناطق المحاطة بها، سيتم إثارة شرقي الفرات، وحينها، وبعد اقتناع أمريكا وروسيا أنهما لن يتركا سوريا، ربما سيتجهان إلى حوارات وتوافقات، قد يبدأ الحوار الجدي بينهما بعد إدلب، وسيتم عرض السلال الأربعة التي أصبحت حديث البعض في الأونة الأخيرة، وهي (الإرهاب، وكيف سيتم التعامل مع الفلول المتبقية من المعارضة المسلحة، وهل ستسمح لتركيا بالتدخل لإدراج مخططها وعرض الـ ب ي د ضمن القائمة، أي هل ستقبل روسيا بها، وهي التي تعاملت معهم قبل أمريكا؟ وكذلك قضية كتابة الدستور، ولجانها وهل ستسمح للعروبيين والإسلاميين الهيمنة عليها؟ وهل سيكون للكرد وللأقليات المذهبية والدينية والقومية دور ما في كتابته؟ وإجمالا، نستبعد صدور دستور مشترك. الانتخابات وهل سيكون لبشار الأسد وحاشيته حضور بعد كل هذه المجازر؟)
وهل سيسبق أو سيرافق الدستور والانتخابات انتقال سياسي للسلطة؟ وسيطبق النظام اللا مركزي، بدل إصرار السلطة على المركزية وبشروط سفيهة ومن منطق المنتصر في الحرب؟
وهل ستسبق كل هذا إخراج تركيا من عفرين والمناطق السورية الأخرى، وكذلك إيران، أي ستقلص دورهما؟ أي هل ستعود عفرين إلى سابقة عهدها كجزء من جنوب غربي كردستان؟
أم أن أمريكا وروسيا لا تثقان ببعضهما، وستستمران في دعم أدواتهما ضمن سوريا، وإلى متى؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/10/2018م
أكيد والبركة في السياسات الكوردية السليمة التي تشد العيون, وبعدها ترميهم في الهاوية