العراق، بأغنى احتياطياته النفطية، لا تستطيع الدولة الوفاء بالتزاماتها المالية
بقلم الصحفي الأوكرايني إنطون فيسيولوف
الحراك الشعبي في العراق
في 21 كانون الأول، صوت مجلس الوزراء العراقي على مشروع موازنة عام 2021. وتمت الموافقة على الوثيقة وسيتم إرسالها إلى البرلمان للمصادقة عليها. وأشار رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، إلى أنه لا يتوقع صعوبات في إقرار القانون، حيث تمكنت الأحزاب السياسية من تجاوز الخلافات.
من الصعب تحديد ما يستند إليه هذا التفاؤل، فمن المعلوم أنه حتى في مجلس الوزراء، تم تأجيل التصويت مراراً وتكراراً. ولم يوقع الاتفاق النفطي مع إقليم كردستان إلا في 14 كانون الأول. المفاوضات كانت صعبة للغاية لدرجة أن الأكراد لم يترددوا في توجيه الاتهامات المباشرة للسلطات الفيدرالية. وأشار نائب رئيس مجلس النواب بشير الحداد ان “المشاكل والخلافات السياسية بين بغداد واربيل، إضافة إلى عدم قدرة المركز على حل القضايا المالية، ادى الى تدهور الاوضاع المعيشية لسكان اقليم كوردستان، الذي لا يحصل على مستحقاته”. الاقليم ، بما في ذلك النفط“.
وألقى المسؤول اللوم على بغداد جراء الأحداث التي شهدتها محافظة السليمانية الكردية في مطلع كانون الأول، حيث شملت الاحتجاجات الواسعة هناك ست مدن، بما في ذلك المركز الإداري. وطالب المتظاهرون بتوفير فرص العمل للسكان وتحسين ظروفهم المعيشية وتوفير أجور لائقة. لقد استخدمت قوات الأمن الأسلحة النارية لتفريق المتظاهرين، وقتل في الاشتباكات أكثر من عشرة أشخاص.
في الواقع يعد العراق أغنى بلد في احتياطيات نفطية، ولكن الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية. لقد دمرت الصناعة بالكامل، وتدهورت الزراعة خلال سنوات العقوبات والاحتلال. وبلغ الفساد أبعاداً محيرة للعقل. نتيجة لهذه “الدمقرطة”، أصبح العراق اليوم معتمداً كلياً على الإستبراد، ولم تعد عائدات النفط كافية لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. وأعلنت شركة الخطوط الجوية العراقية إفلاسها في الخامس من كانون الأول.
وفي السابع عشر من كانون الأول، زار رئيس الوزراء محمد الكاظمي أنقرة. وكانت النتيجة الرئيسية لمفاوضاته، بحسب وسائل الإعلام العراقية، حصول العراق على قرض بمبلغ 6 مليارات دولار، الأمر الذي من شأنه أن يخفف الوضع قليلاً. ومع ذلك، لم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاقية، فالإيثار والغيرة هما ليسا الصفة التي يتميز بها أردوغان.
في ظل هذه الظروف ، تشد السلطات الأحزمة أكثر فأكثر. وأعلن وزير العمل عادل الركابي إن ذلك سيؤثر على الجميع باستثناء الفقراء. فقد تم تخفيض رواتب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب بنسبة 40٪ والوزراء والبرلمانيين يفقدون 30٪ من رواتبهم. وفي الوقت نفسه، من المقرر تطبيق مقياس تصاعدي للضرائب، وإن الأشخاص الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري 500 ألف دينار معفيين من الضرائب. وستؤدي الضرائب المفوضة على المداخيل المرتفعة إلى زيادة الوارد لتصل إلى 26٪ لمن يبلغ دخله الشهري 7.5 مليون دينار فأكثر.
يبلغ سعر الدينار العراقي نحو 1200 لكل دولار( بعد قرار وزير المالية الأخير بلغ سعر الدولار قرابة ألف و 460 دينار- المترجم)، ووأضحت في تزايد مستمر أسعار المواد الغذائية والملابس والبنزين. وبلغ سعر دزينة بيض الدجاج 2500 دينار. وبحسب الخبراء فإن عدد العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر سيرتفع من 20 إلى 30٪.
وتعد زيارة وفد عراقي بقيادة وزير الخارجية إلى موسكو في 25 تشرين الثاني الماضي محاولة أخرى لتفعيل موارد الخزينة. وكان في استقبال فؤاد محمد حسين نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية يوري بوريسوف ووزير الخارجية س. لافروف ، حيث تم مناقشة قضايا التعاون الثنائي ، بما في ذلك إنجاز مشاريع في مجالات الطاقة والصناعة والتجارة والنقل والزراعة وغيرها. “وفي إشارة إلى حدوث انخفاض معين في مستوى التجارة بين روسيا والعراق بلغ الثلث، دعا نائب رئيس الوزراء الروسي، في تصريح للصحافة، زملائه العراقيين إلى بذل كل جهد ممكن لزيادة التبادل لأوسع مجموعة من السلع، وكذلك إعطاء دفعة جديدة للمشاريع الواعدة للتعاون الثنائي في مختلف المجالات، “.
إن أحد المؤشرات هو القرار الذي اتخذته وزارة الصحة العراقية في 21 كانون الأول بشراء 1.5 مليون جرعة من لقاح COVID-19 من شركة فايزر الأمريكية.لقد أحصى العراق وجود 586503 حالة إصابة بـ COVID-19 ، وبلغت الوفيات – 12725. وأغلق العراق الحدود البرية (باستثناء حركة البضائع) منذ 24 كانون الأول، تم إلغاء الرحلات الجوية مع ثماني دول لمدة أسبوعين، وتم إغلاق مراكز التسوق والمطاعم.
ومن الملاحظ أن التهديدات القديمة لا تزال قائمة. وأعلن وزير الخارجية فؤاد حسين خلال زيارته لروسا إن “جماعة داعش الإرهابية المحظورة أصبحت أكثر نشاطا مما كانت عليه قبل أشهر … وهناك معلومات تفيد بوجود مسلحين في بعض مناطق محافظات الأنبار وكركوك وديالى ونينوى”. وأشار الوزير إلى أن بغداد ما زالت بحاجة إلى دعم عسكري. وهذا اعتراف رسمي بأن السلطات قد سارعت إلى إعلان “الانتصار الكامل” على داعش في نهاية عام 2017: وبعد هذا “النصر الكامل” ، نفذ الجيش العراقي ووحدات “المليشيات الشعبية” بدعم من التحالف الدولي عشرات العمليات العسكرية، لكن النشاط الإرهابي لا يزال مرتفعاً …
ومن أيرز الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة ، الهجوم الصاروخي في 29 تشرين الثاني على مصفاة نفط الصينية (محافظة صلاح الدين) ، في 11 كانون الأول ، وتم تفجير بئرين في حقل خباز النفطي في محافظة كركوك بعبوات ناسفة. وفي مساء يوم 20 كانون الأول، انفجرت ثمانية صواريخ على الأقل في منطقة القادسية، بالقرب من السفارة الأمريكية. يوتزايد عدد جرائم قتل المثقفين والمتعلمين ببساطة. لذلك ، في 15 كانون الأول / ديسمبر في بغداد ، قُتل الناشط المعروف صلاح العراقي بالرصاص، وفي اليوم التالي قتلت مجموعة من المسلحين المجهولين أحمد الشريفي، الأستاذ بجامعة العمارة (المركز الإداري لمحافظة ميسان). وحذرت المفوضية العراقية السامية لحقوق الإنسان (IHCHR) من أن العديد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات سيُجبرون على مغادرة العراق إذا عجزت السلطات عن حمايتهم.
في غضون ذلك، رحبت بعثة الأمم المتحدة في العراق بمساهمات حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية وهولندا في دعم الجهود المبذولة لإجراء انتخابات ناجحة مقررة في منتصف عام 2021. وخصصت هذه الدول 7.25 مليون و 3 ملايين يورو على التوالي لـ “تعزيز قدرة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية” . وقال السفير الألماني في بغداد أولي ديل: “تواصل ألمانيا دعم الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار في البلاد. إن ضمان انتخابات ديمقراطية وشفافة وشاملة، فضلاً عن توفير بيئة آمنة للناخبين والمرشحين، أمر أساسي لتعزيز المشاركة الديمقراطية والثقة في المؤسسات العامة ومساءلتها “.
يبدو مشروع “محاربة الفساد ومن أجل زرع الثقة في العراق”، الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، مؤثّراً. فهو “يوفر الدعم لتطوير الاستراتيجيات والسياسات والأطر القانونية والتشريعات لمنع الفساد، ويوفر فرصاً أكبر للمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية لتنفيذ الإصلاحات وفعاليات مكافحة الفساد”.
وفي مقدمة تلك النشاطات كالعادة هي فعاليات البيت الأبيض. فقد أعلنت الولايات المتحدة تقديم مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يقدمون معلومات عن مهربي النفط أو الآثار التاريخية التي إستولى عليها داعش في العراق. ويبدو في واشنطن، أن هناك صعوبات في الوصول إلى الإنترنت. هناك الكثير من المعلومات حول موقع آلاف القطع الأثرية التي سرقتها القوات الأمريكية أثناء احتلال العراق، وكذلك طرق تهريب النفط من المناطق التي احتلتها داعش في سوريا والعراق إلى تركيا والتي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة الأمريكية.