الكثير منا يتذكر وصفة الشيخ جلال الدين الصغير ” النستلائية ” القديمة : بضرورة توقف العوائل الفقيرة عن شراء ” النستلة ” لأطفالها لتحسين وضعها المعيشي ! بعد تذمر الفقراء من حالتهم البائسة في بلد النفط, وتحميلهم الحكام المتحاصصين, أسباب الأزمة الأقتصادية.
فالحلول الاقتصادية الحكومية الأخيرة لا تبتعد كثيراً عن جوهر نصيحة الشيخ المذكور !
رئيس الحكومة ووزير ماليته إنتضيا مشارط عملياتهما الاقتصادية القيصرية التي توسمنا بها خيراً, ولكنهما بدلا من سلوك الطريق الصائب باستئصال الفساد واجتثاث جذوره والمعتاشين عليه, ذهبا الى متاهات مضرة بالمواطنين, وأعملا تقطيعاً في أشلاء الميزانية العامة للبلاد, وتمثيلاً بشعاً بالحالة المعيشية للمواطن البسيط, بعد فرض تسعيرة جديدة للدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي, تخفض من قدراته الشرائية الفعلية, وتلقيه في لجّة البطالة بعد شلل الأسواق وغلق مواطنين لمصالحهم, لتسلمّه, في النهاية, قبضة الفقر المدقع.
وغلبنا الظن بأننا أصبحنا كما سيرفانتس الذي سلّم بغلته لدون كيشوت دون أن يتحسب للنتائج !
وأصبح رئيس وزرائنا يحارب طواحين الهواء بدل معالجة السبب الرئيسي لأزمة اقتصاد البلاد – بؤر الفساد والفاسدين, المنفجرين ضحكاً من التخفيضات الحكومية لرواتبهم, والتي سيسترجعونها بطرق أخرى مضاعفة, والتي هي بالنهاية, أرقام بسيطة في حساب غنائمهم الكبيرة.
وبينما تلجأ الدول الرأسمالية العريقة في أوقات أزماتها إلى استعادة دراسة كتاب ” رأس المال ” لكارل ماركس, مثلاً, لتبين جذور أزماتها وايجاد الحلول لها, فإننا نعود إلى فنطازيا الشيخ !
فلكل اقتصاد وزنه ومستواه, واقتصاد بلادنا مهلهل مخربط, ويذهب البعض إلى انه ليس اقتصاداً بالمعنى العلمي للاقتصاد, ولا تعرف طبيعة توجهاته… البعض وصفّه بالأشتراكي من منطلق أن للدولة الحالية الدور الحاسم في الإدارة واليد الطولى في توزيع الثروات وبالخصوص ” الريع النفطي ” على المواطنين, متناسين جوهر الاقتصاد الاشتراكي القائم على شرط “عدالة توزيع الثروات على أفراد المجتمع “…
متجاهلين من جانب آخر حقيقة سيطرة الأحزاب الحاكمة وميليشياتها على حقول نفطية وموانئ ومطارات ومنافذ حدودية برية, وسيطرات جباية جمارك داخلية واتاوات طرق خارجية مفروضة على سائقي شاحنات نقل البضائع… ايراداتها تذهب الى جيوبها ولا تحصل الميزانية العامة إلا فُتات مضحك… وهي بالتالي خصخصة فئوية مسلحة بإمتياز !
كما لا يمكن وسم اقتصادنا بالرأسمالي, في ظل غياب إلانتاج السلعي. وفوضى السوق العارمة التي لا تشبه اقتصاد السوق الحر, إلا اللهم من حيث توزيع الثروات الجائر بين طبقة طفيلية بثراء فاحش وطبقات وشرائح اجتماعية كادحة بفقرها الفاحش ايضاً.
ربما التوصيف الدقيق لطبيعة اقتصادنا, هو ما أورده الباحث الاقتصادي الدكتور صالح ياسر في إحدى مقالاته : ” رأسمالية المحاسيب ” ! ل ” محاسيب الرأسمالية ” !
كشفت الانتقادات الاعلامية الصاخبة لنواب برلمانيين لخطة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الاقتصادية, وجمع التواقيع الواسع من ثمة لاستجوابه بمعية وزير ماليته في مجلس النواب, وبمبادرة من كتلة دولة القانون ( نوري المالكي ) مناكفةً لتيار ( مقتدى الصدر ), لأهداف بعيدة عن الدفاع عن لقمة المواطن الفقير, حجم الرياء المستشري بين ( نواب الشعب ) هؤلاء, بعد أن تركوا قاعة البرلمان خاوية إلا من بعض أتباع المالكي الواقفين كاليتامى أمام كاميرات الفضائيات, يشكون حظهم العاثر.
الآن, تلتقي الحلول النستلائية للشيخ جلال الدين الصغير مع الأجراءات الحكومية, من حيث تحميلها الكادحين تبعات أزمة فاقمها فاسدو احزاب الطوائف وسماسرة الميليشيات, وتوافقها على زيادة مرارة حياة أطفالهم !
النشرات الأقتصادية لحركة السوق, بعد الاصلاحات القيصرية للحكومة, تؤكد بأن الأجور والرواتب تلهث خلف الأسعار ! وهي قد تدفع الى حلول قيصرية غير محمودة العواقب, بطلها الشعب الجائع !!!