الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeاراءأساطير الشعوب لتحريم لحم الخنزير!! الحلقة الثالثة والأخيرة (3-3) :...

أساطير الشعوب لتحريم لحم الخنزير!! الحلقة الثالثة والأخيرة (3-3) : د.خليل جندي

أين الدين الايزيدي من خارطة تحريم لحم الخنزير؟

الايزيدية كباقي الأديان لدية قائمة بالمحرمات والممنوعات الحيوانية والنباتية، فيحرم على أتباع الديانة أكل لحم الخنزير ونبات الخس من دون معرفة أسبابها، كما يمنع على بعض المجموعات الايزيدية وليس جميعها، وبعض العوائل وليس الكل، أكل لحوم الحيوانات والنباتات التالية (الغزال، الأرنب، الديك، السمك، القرع، اللهانة، الحيوانات ذات الحافر الفردية مثل الحمار والبغال والفيلة والجمال).

ملاحظة مهمة: إن تحريم الايزيدية لبعض المأكولات ومنها لحم الخنزير، معناها مأخوذة إما من الحضارات القديمة، سواء أكانت السومرية والبابلية والمصرية والهندية-الايرانية وغيرهم، أو من اليهودية، وفي كلتا الحالتين يعني أن الايزيدية أقدم من المسيحية لأنها لا تحرمها، هذا أولاً، ثانياً: يبدو لي أن هذا التحريم يعود تكريماً له وليس احتقاراً له كما هو الحال عند الإسلام، وهذا يعني أن الايزيدية لم تأخذ هذا التحريم من الاسلام، كون الأخير متأثر باليهودية. وأنا في حجتي هذا أعود للنص الديني الايزيدي الذي يقترب من مفهوم الديانات الهندوسية والبوذية والزرادشتية الذين يحترمون الطبيعة ويؤمنون بعقيدة التناسخ والتقمص ومبدأ اللاعنف.

هل لحم الخنزير حرام لدى الايزيدية؟

يقول العلم الديني الايزيدي: “نستمد إيماننا من نصوصنا الدينية”. بمعنى نؤمن بما هو وارد في تلك النصوص. إذا راجعنا النصوص الدينية والموروث الايزيدي من قصص وحكايات بشأن الموقف من الخنزير، يواجهنا نصان وموقفان متناقضان حول هذا الحيوان؛ فعلى أي نص نستند في تحريم لحم الخنزير من عدمه؟
النص الأول يقول:

به راز خولقەتەكى چێيه
هەر وەكو ڕۆژ هلتێيه
ئەو ژی شكرينا خۆ ژ خۆدێ دڤێيه!
(السبقة 17 من قول عرب بكي، كتابي” به رن…ص148)

ما معناه: (الخنزير مخلوق حسن، ومع اشراقة الشمس يطلب هو الشكر من الإله!).
من خلال قراءة هذا المقطع (السبقة) من النص الديني، يبدو كانت نظرة الفكر الديني الايزيدي ايجابية وجيدة تجاه هذا الحيوان، غير النظرة السيئة التي نلاحظها تجاهه اليوم بتحريم اكل لحمه. الخنزير هنا لا يختلف عن الحيوانات الأخرى، وهو اسوة بالحيوانات الأخرى (حسب عقيدة وحدة الوجود الايزيدية) يتوجه بالعبادة الى الله. والخنزير هنا لا يظهر كمخلوق من مخلوقات الأرض وحسب، بل يظهر كمخلوق جيد يبتهل إلى الله كالانسان مع إشراقة الشمس في كل يوم. تقترب الايزيدية في هذا الجانب بنظرتها وموقفها من الخنزير من فلسفة الأديان الهندوأوروبية كالهندوسية والزرادشتية والبوذية.
إلى جانب النص الديني أعلاه الذي ينظر الى الخنزير كحيوان حسن، هناك نص يناقضه ويعتبر هذا الحيوان سئياً من دون التأكيد على تحريم أكل لحمه، يقول النص:
غافل دكه ر، د كورن
هه فاليت خه نزيرن!
بما معناه: الغافلون صم بكم لا يفقهون، وأن الذين ينحرفون عن طريق الإيمان فهم أصدقاءالخنزير!

سألت مرةً رجل الدين (فقير خدر بركات كسو) إن كان لحم الخنزير حراماً، فقال: “عندما جاء بعض الأولياء ودخلوا كهف بحزاني، حاولوا اجبارهم على أكل لحم الخنزير. وأضاف فقير خدر، كان لحم الخنزير محرماً حتى قبل وقت الإسلام. (لكنه لم يقل لنا من كان اؤلئك الأولياء ولا تاريخ الحدث!)

ڕۆژەكى دێ بته هزيزو گازى
شريعەت دێ مينێ تازى
حاشاى وى بەرازى!
(السبقة/المقطع 16 من قول عرب بكي)

بما معناه: (يأتي يوم يتحول الدنيا إلى صراخ ونداءات استغاثة، يتعرى فيه كل من لم يلتزم بطريق الحق، وحاشا لذلك الخنزير!).

أعتقد أن هذه النظرة السيئة في هذا النص، نظرة حديثة ظهرت تحت تأثير قدوم الاسلام وخوفاً من سطوته بحيث حرّم أو امتنع الايزيديون من أكل لحم الخنزير.

السؤال المطروح بقوة هنا: هل يلتزم الايزيديون بالنص الديني فقط، أم يلتزموا بالأعراف والعادات والتقاليد الموجودة لديهم، علماً أن الكثير من تلك الأعراف والتقاليد والعادات هي بنات زمانها ومكانها وظرفها، وتتغير بتغيير الظرف!

بعض الاستنتاجات:

– تحريم لحم الخنزير كقانون غير معروف أسبابه لجميع الأديان والمجموعات.

– يعتقد (مارفن هاريس/عالم الانثروبولوجيا المادية الثقافية) السبب الرئيسي لمنع استهلاك لحم الخنزير كان اقتصادياً وبيئياً، تتطلب الخنازير الماء والأخشاب المظللة بالبذور، لكن هذه الظروف نادرة في الشرق الأوسط.

– ليس من العقل والمنطق أن يخلق الإله حيواناً أو نباتاً أو أي شيئ آخر ويحرمه بعد ذلك! فاما أن هناك إله واحد تسري قوانيه وأحكامه على جميع البشر، أو ان هنالك إله خاص لكل معتقد، وان تباين التحريم في الأديان يدحض فكرة إله يحرم شيئاً عند هذا المعتقد، وإله يحلله عند معتقد آخر!

– ويمكن اضافة أن اختلاف تناول الأطعمة، خاصة لحم الحيوانات، من شعب إلى آخر، أو من دين إلى آخر له علاقة بمبدأ العنف أو اللاعنف، على سبيل المثال الهندوس والبوذيين والزرادشتيين والعديد من شعوب شرق وجنوب شرق آسيا يتجنبون أكل اللحوم ويتبعون نظاماً غذائياً يشمل الخضار والفواكة والألبان، أي أنهم يؤمنون باللاعنف، وعندهم لا يجوز للإنسان أن يقتل روحاً خلقه الإله. عملياً ماهو الفرق بين أسد ونمر وذئب مفترس يمزق فريسته وبين إنسان يذبح بقرة أو عجلاً أو خروفاً ويلتهم لحمها! مبدأ العنف مماثل لدى الطرفين. يمكن أن نطلق على ذلك (ثقافة الأكل العنفية)! وهذه الثقافة تؤسس بهذا الشكل أو ذاك للعنف داخل السلوك الانساني بحيث يصبح بالتالي جزءاً من ثقافة المجتمع!

– أتفق مع ما جاء في الانجيل “ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان، بل ما يخرج من الفم، هذا ما ينجس الانسان”.
-انتهى-

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular