الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتعام 2020 وداعا ولعله بدون عودة : د.عامر صالح 

عام 2020 وداعا ولعله بدون عودة : د.عامر صالح 

شكل مشهد تفشي وباء كورونا كوفيد ـ 19 أكثر المشاهد العالمية حزنا على المستوى الشخصي الذاتي وعلى المستوى العام المجتمعي وعلى الصعيد الدولي للعام 2020, حيث الخسارة في الارواح والمتمثلة بالوفيات حول العالم وانتشار هذا الوباء بشكل مخيف ومرعب دون سابق انذار او ممهدات تذكر او توقعات مسبقة بحصوله, الى جانب ما احدثه هذا الفيروس من انهيارات كبرى في الاقتصاد العالمي وشبه توقف لعصب الحياة القائم على التبادل الاقتصادي العالمي بسبب الأغلاقات العالمية والمحلية لحركة السوق وانسيابية التواصل بين الاقتصاديات المحلية والعالمية, الى جانب الآثار المزمنة التي فرضتها الجائحة في الاقتصاد حيث ارتفاع نسبة البطالة على الصعيد العالمي, وانهيار في الاقتصاديات الضعيفة في الكثير من دول العالم.

 

وقد تركت كورونا بصماتها الكبيرة والحاسمة في مجمل العلاقات الاجتماعية فقد فرضت نمطا جديدا من التواصل الاجتماعي لم تعهده البشرية ولم تعتاد عليه, فقد فرضت العزلة القهرية على الأسر والافراد والتجمعات والمجتمعات العالمية  التي اعتادت التواصل اليومي المباشر وجها لوجه وفرضت قيودا وانماطا اجتماعية جديدة قوامها التواصل عن بعد وقد فرضت ذلك على قطاعات التربية والتعليم بشكل اساسي عبر مزيدا من التوجه نحو التعليم عن بعد واستخدام تقنيات الأنترنيت المختلفة للتواصل مع مكونات العملية التربوية والتعليمية وقد اصتدم ذلك بصعوبات كبيرة وخاصة في المجتمعات العالمية غير المهيأة لهذا النمط من التعليم الى جانب ضعف البنية التحتية المعلوماتية في الكثير من دول العالم, الى جانب تقليص المعاملات المباشرة في مختلف القطاعات الاجتماعية الاخرى واللجوء الى الانترنيت لتسهيلها.

 

وقد لعبت جائحة كورونا دورا فرض نفسه في اعادة صياغة التواصل الاجتماعي على اسس من الابتعاد وعدم التواصل المباشر ففرضت التخلي عن الكثير من العادات الاجتماعية والتي لايمكن لها ان تتغير قطعا بدون اشتراطات كورونا عليها, فقد حذرت الجهات الصحية العالمية والمحلية من التجمعات البشرية في المناسبات المختلفة كالأعراس والاعياد والمناسبات الدينية بما فيها مواسم الحج السنوية, كما دعت الى عدم ضرورة التقبيل والمصافحة والاحتضان ودعت بوضوح الى التباعد الاجتماعي والجسدي في اللقاءات المختلفة لأنها تشكل مصادر العدوى المهمة في نقل الفيروس وانتشاره, ونصحت الى جانب ذلك بالغسيل المستمر للجسم ولليدين بشكل خاص واستخدام التعقيم على نطاق واسع.

 

وقد افرزت الجائحة وعززت من مظاهر سلبية مختلفة بسبب الحجر المنزلي, منها العنف الأسري وتصاعد نسبته على نحو غير مسبوق في العالم جراء حالات الضيق الاقتصادي الناتجة من فقدان الدخل الاسري بدون دعم اجتماعي من قبل الدول, وكذلك تزايد حالات الانتحار بين الافراد وفي داخل الأسرة جراء ضيق الأقامة الجبرية وتحت وطأة الاحتياج والفاقة والفقر, وقد حذرت منطمة الامم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الاخرى من تداعيات ذلك وخطورته على النهايات المأساوية للأسرة وتفككها من الداخل وتحولها الى بيئة مواتية لارتكاب مختلف الجرائم بحق افرادها. ويكفي هنا ان نشير هنا على سبيل المثال وليست الحصر ان

 

وزارة الداخلية العراقية سجلت رسميا فقط لهذا العام بحدود 15 ألف حالة عنف اسري تراوحت اسبابها بين الاقتصادي والثقافي وتعاطي المخدرت والكحول والانترنيت وتداعيات استخدامه وغيرها من الاسباب, وقد تنوعت مظاهر العنف بين قتل واضطرار للأنتحار وحرق واحداث اعاقات مختلفة, علما ان العام 2019 سجل 17 ألف حالة عنف اسري, وهي عموما احصائيات فقط تلك المبلغ عنها.

 

وسط هذه الفوضى وقلق العالم، أثمرت الجهود العلمية عن تطوير لقاحات للعالم ضد مرض لم تكن البشرية على علم به قبل عام. تم تطوير واختبار لقاحات كوفيد-19 بسرعة مذهلة. في آخر إحصاء، في نوفمبر، قالت منظمة الصحة العالمية ” إن هناك أكثر من 200 لقاح قيد التطوير، حوالي 50 منها في مراحل مختلفة من التجارب السريرية “. تستخدم أبحاث تطوير اللقاحات مجموعة مذهلة من الأساليب، بداية من المدرسة التقليدية القديمة للقاحات بحقن فيروس كورونا المُستجد والمُعطل كيميائيًا ووصولًا إلى التقنيات الأحدث التي لم يسبق أن تم استخدامها من قبل لإنتاج لقاحات مرخصة.

 

أظهرت نتائج التجارب ذات الفعالية الكبيرة أن اللقاحات، التي طورتها شركة الأدوية “فايزر” وشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية “بيونتك” وشركة التكنولوجيا الحيوية الأميركية “مودرنا” وشركة الأدوية “أسترازينيكا” وجامعة “أوكسفورد” بالمملكة المتحدة تسهم بشكل فعال في الوقاية من كوفيد-19. وقد بدأت اخيرا امريكا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوربي في تلقيحات ضد كورنا رغم مشاعر الناس المتضاربة حول جدوى اللقاح واحتمالات تداعياته والاسئلة المتكررة حول الاصابة بكورونا بعد اللقاح أو الاصابة بامراض جانبية بعد التلقيح.

 

اما في بلدي العراق فأن الجائحة كورونا اصطفت الى جانب الازمة الاقتصادية العامة, والتي تجسدها انخفاض اسعار النفط وتشوهات البنية التحتية الاقتصادية التي يجسدها الاقتصاد الريعي والازمة السياسية المزمنة في حلف غير مقدس ليضرب البلاد عرضا وطول ليصل بها الى حد عدم المقدرة بدفع الرواتب واللجوء الى الاقتراض الخارجي والداخلي, الى جانب تراكم فساد مالي واداري لسنوات سبقت كان سبب في اهدار ما يقارب 1400 مليار دولار من عوائد النفط المتراكمة لسنوات ما بعد 2003.

 

تقلبات سياسية غاية في التعقيد، تلك التي شهدها العراق عام 2020، إذ ومع انطلاق التظاهرات الشعبية التي وصفت بالأوسع في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أقيل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بضغط شعبي في نهاية عام 2019، لتستمر التظاهرات بذات الوتيرة حتى مارس/آذار 2020 عندما بدأ تفشي فيروس كورونا في العراق وفرض حظر التجوال في البلاد, ولكنها استمرت بأشكال اخرى. ولم يستطيع مصطفى الكاظمي الذي جاء خلفا لعادل عبد المهدي أن يوقف مسلسل الأغتيالات والخطف والتغيب الذي اطال المتظاهرين السلميين, ولم يستطيع الأيفاء بوعوده في محاسبة قتلة المتظاهرين, بل أنه ولد في عملية قيصرية من قبل الكتل الشيعية السياسية لملئ الفراغ لا غير ولم يتمتع الرجل بأي دعم من قبل الكتل السياسية التي جاءت به وهي ظاهرة فريدة في ” الديمقراطية العراقية “, فكان حصاد ضحايا انتفاضة اكتوبر للعام 2019 وحتى اليوم اكثر من 700 شهيد و 30 ألف جريح واكثر من 7 ألف اعاقة منتهية واستمرار عمليات الأختطاف والاغتيال والتغيب مستمرة الى يومنا هذا.

 

لم يستطيع السيد الكاظمي خلال مجيئه وحتى نهاية العام 2020 ان يفتح ملفا واحدا من ملفات الفساد الكبرى وقد اثبت عجزه واكتفى بتشكيل لجان مختلفة كسابقه عادل عبد المهدي ولم تثمر عن أي شيء. يتصارع الكاظمي مع مليشيات الدولة العميقة وقد اثبت انه غير قادر على ذلك بسبب سطوة المليشيات من داخل البرلمان وخارجه ومن يتحالف معها من الكيانات السياسية والتي يفترض ان تمنع من ممارسة العمل السياسي لأنها تنشط ضد الدولة وضد العملية الديمقراطية وغير مؤمنة بها.

 

العراق خلال 2020 ذهب الى مزيدا من المجهول بأفتقاد عوامل استقراره ونهضته من خلال وقوعه اسيرا للصراع الامريكي ـ الايراني وارتهانه للأجندة الاقليمية رغم جهود الكاظمي لأيجاد حالة توفيقية يرضي بها الجميع إلا أن قوى الدولة العميقة والمليشيات لا تترك له خيار الوسط بل تشده الى دائرة استقطاب المحاور وتدفعه الى مغامرات تنهي ما تبقى للدولة من مكانة.

 

واذا كانت هناك من ايجابية لحكومة السيد الكاظمي فهي العزم على اجراء انتخابات مبكرة في يونيو 2021 رغم ان هناك توقعات بعدم تغير الحال نحو الافضل بسبب سطوة السلاح والمليشيات وعدم نزاهة الجهات المسؤولة عن الانتخابات ثم مخاطر التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات كما جرت سابقا, الى جانب ان المتظاهرين الى اليوم يشكون من سوء تنظيم صفوفهم وضعف وحدتهم وتباعد وجهات نظرهم رغم هدفهم الموحد لأزالة الطغمة الفاسدة الحاكمة.

 

العلم يقول ان اللقاح سيحقق انجازات كبيرة على مستوى التصدي لوباء كورونا والحد منه على طريق القضاء عليه, اما السياسة في العراق فمن الصعوبة التكهن بتغير الحال نحو الأفضل. وكل عام والعراق والعالم بأفضل منه.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular