اعتمادا على وثائق الحكومة الصينية، ومصادر داخلية، ومقابلات، وأوراق بحثية وكتب، تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” عن تفاصيل الأيام التي سبقت 23 يناير 2019، وهو تاريخ إغلاق مدينة ووهان، حيث تفشى فيروس كورونا. وبذلك الإغلاق، أعلنت الصين للعالم وجود أزمة.
لكن قبل إغلاق ووهان بـ25 يوما، كان هناك إنذار أولي بوجود مرض معد غريب يتفشى في المدينة، ولا تعرف أسبابه.
تقول الرواية الرسمية الصينية إن بكين واجهت فيروس كورونا بقوة مذهلة، لكنها سببت أزمة سياسية سمحت لتفشي فيروس محلي بإشعال جائحة عالمية.
وفي التفاصيل، تقول نيويورك تايمز إن أشهر طبيب في الصين كان في مهمة عاجلة، لكنه تلقى أوامر بسرعة الذهاب إلى ووهان، وسط البلاد، للتحقق من فيروس كورونا الجديد الغريب.
وينظر إلى الدكتور تشونغ نانشان (84 عاما) كبطل ساعد في الكشف عن وباء سارس قبل 17 عاما.
وفي القطار الليلي، قام مساعد الطبيب بتصويره بينما كانت عيناه مغمضتين غارقتين التفكير، وهي صورة ستستغلها الصين في وقت لاحق، وستلمع بها سمعة الدكتور تشونغ وتظهره كطبيب الأمة.
ويصور تاريخ الصين الرسمي رحلة الدكتور تشونغ كنقطة تحول سينمائية، في حرب منتصرة في نهاية المطاف، ضد كوفيد-19. يبدأ هذا التحول باكتشاف الطبيب أن الفيروس ينتشر بشكل خطير فيسارع إلى بكين لدق ناقوس الخطر.
وتقول نيويورك تايمز إن رحلة الدكتور تشونغ إلى ووهان كانت سياسية أكثر منها طبية. “كان يعلم بالفعل أن الفيروس ينتشر بين الناس”، وكان هدفه الحقيقي هو إقناع النظام الصيني المتحفظ بالحديث عن الأزمة.
كتب الدكتور تشونغ، في تقرير صاغه على متن القطار قبل الوصول إلى ووهان، وفقا لكتاب صيني حديث كتب بالتعاون معه: “هناك بالتأكيد انتقال من إنسان إلى إنسان. ذكر الجمهور بعدم الذهاب إلى ووهان إلا لأسباب خاصة، وتقليل الرحلات وتجنب التجمعات”.
بعد أربعة أيام، في 23 يناير، أغلق الزعيم الصيني شي جين بينغ ووهان.
كان هذا الإغلاق أول خطوة حاسمة في إنقاذ الصين. لكن بالنسبة لبقية أنحاء العالم، فقد فات الأوان لمنع الفيروس من الانتشار، وأودى منذ ذلك الحين بحياة أكثر من 1.7 مليون شخص.
وبحسب نيويورك تايمز فإن الإنذار الأول بوجود الفيروس بالفعل كان قبل 25 يوما، أي قبل عام بالضبط، في 30 ديسمبر الماضي.
وحتى قبل ذلك، كان الأطباء والعلماء الصينيون يضغطون للحصول على إجابات بشأن ما يحدث، ومع ذلك، أخفى المسؤولون في ووهان وبكين حجم الإصابات أو رفضوا اتخاذ إجراء بشأن التحذيرات.
تقول نيويورك تايمز: “أطلقت استجابة الصين الأولية المتأخرة العنان للفيروس للانتشار في العالم، وأنذرت بمعارك ستنتشر عبر القارات بين العلماء والقادة السياسيين بشأن الشفافية والصحة العامة والاقتصاد”.
حدد العلماء الصينيون والمختبرات الخاصة فيروس كورونا، ورسموا خريطة جيناته قبل أسابيع من اعتراف بكين بخطورة المشكلة. كان العلماء يتحدثون إلى أقرانهم، محاولين التحذير، وفي بعض الحالات فعلوا ذلك، أيا كان الثمن.
قال البروفيسور تشانغ يونغ تشن، عالم الفيروسات الرائد في شنغهاي: “تحدثنا عن الحقيقة. لكن لم يستمع أحد إلينا، وهذا أمر مأساوي حقا”.
مع اندلاع العداوات السياسية بين الصين والولايات المتحدة، استمر اعتماد العلماء في الدولتين على الشبكات العالمية التي تم بناؤها على مدى عقود، وسعوا إلى مشاركة المعلومات، مع إدراك كبار العلماء في وقت مبكر أن الفيروس ربما كان معديا بين البشر.
في الثامن من يناير، اعترف رئيس المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، جورج إف قاو، بهذا الخطر خلال مكالمة مع نظيره الأميركي، الدكتور روبرت راي ريدفيلد، وفقا لشخصين اطلعا على مكالمة ريدفيلد.
ومع ذلك، لم يصدر الدكتور ريدفيلد ولا الدكتور قاو، لأسباب سياسية، إنذارا عاما.
في بكين، تلقى كبار مسؤولي الصحة تقارير مشؤومة من الأطباء في ووهان وأرسلوا فريقين من الخبراء للتحقيق. لكنهم افتقروا إلى النفوذ السياسي لتحدي مسؤولي ووهان، ولم يتحدثوا في العلن.
سيطرت الصين في النهاية على الفيروس والرواية المحيطة به. واليوم، ينبض الاقتصاد الصيني بالحياة، بينما تساءل بعض الخبراء عما إذا كان الوباء قد قلب ميزان القوى العالمي لصالح بكين.