على ذمة المتحدث الرسمي باسم رئيس البرلمان، الغيت عقود أكثر من (50) مستشاراً بمكتب رئيس البرلمان السابق، اضافة الى اعادة (150) موظفاّ الى دوائرهم الاصلية بعد الغاء تنسيبهم، والاكتفاء بتشكيل هيئة مستشارين من (10) اختصاصيين متطوعين للعمل في رئاسة المجلس .
هذه الأرقام الخاصة بمكتب رئيس مجلس النواب، تكشف بوضوح طبيعة الاداء في اعلى مواقع القرار لمثال واحد فقط طوال السنوات الماضية، ولنا أن نتصور الاعداد الكاملة للمستشارين والموظفين المنسبين للعمل في مكاتب المسؤولين الحكوميين من الرئاسات الى المدراء العامين ومعاونيهم، لنكون أمام المشهد الحقيقي لجيش من المنتسبين المختارين حسب الولاءات، يتقاضون رواتب ومخصصات وامتيازات، هي أفضل بكثير من أقرانهم في الجهاز الاداري العام .
لقد تضمنت الميزانيات السنوية للمكاتب الرئيسية للمسؤولين أرقاماً غير مسبوقة على مدى تاريخ الدولة العراقية، وكذلك على مستوى باقي الدول المشابهة لظروف العراق، أو حتى أغنى منه، واذا اضيفت لها رواتب المسؤولين وامتيازاتهم وتكاليف حراساتهم، فأن المجموع قد يتجاوز ميزانيات دول في الجوار أو في مناطق اخرى من العالم.
على الجانب الآخر تتصاعد نسب البطالة في العراق عاماً بعد عام، من دون حلول ملموسة على المستويين المنظور والبعيد من قبل الحكومات المتعاقبة طوال الخمسة عشر عاماً الماضية، خاصةً في صفوف الخريجين من الجامعات، الذين تتجاوز اعدادهم (100) المائة ألف سنوياً، ليكونوا أكبر كتلة جامعية عاطلة منذ تاسيس التعليم الجامعي قبل سبعة عقود، حيث فاقت أعدادهم المليون، ناهيك عن ملايين العاطلين، من حملة الشهادات الاخرى، ومن غير المتعلمين، وقد كانت تبريرات المسؤولين الدائمة هي ضعف التخصيصات في الميزانية .
ان المفارقة التي تدعو الى الحزن والأسى، هي تحول العراق الى بلد للعاطلين والمستشارين في آن واحد، وهي نتيجة طبيعية للاداء الضعيف للحكومات الفاشلة التي تعمل بلابرامج رصينة لاعادة البناء والتعمير وفق اسس علمية، بعيداً عن المحاصصة وتقاسم المناصب والمنافع على حساب مصالح الشعب ومستقبل أجياله، والتي كانت سبباً رئيسياً في استقواء الارهاب وانتشار سرطان الفساد في هياكل الدولة والمجتمع .
ان قرار الغاء عقود العشرات من المستشارين في مكتب رئاسة مجلس النواب، واعتماد متطوعين بدلاً عنهم، يمثل خطوة مهمة، لكن الأهم هو اصدار المجلس قانون خاص وملزم للجميع حول اعتماد مستشارين متطوعين في مكاتب المسؤولين، لاتتحمل خزينة الدولة التبعات المالية لتعيينهم، مماسيساهم مع قرارات اخرى لخفض النفقات وتوجيه الموارد نحو خلق فرص جديدة لعمل الشباب العراقي الذي يعاني من البطالة في كافة مدن العراق .