أحمد الدباغ-الجزيرة نت:في أعلى حصيلة شهرية على الإطلاق، سجل العراق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الماضي أعلى معدل لحالات الطلاق بإجمالي وصل 8245 حالة طلاق في 15 محافظة عراقية باستثناء مدن إقليم كردستان (شمال البلاد)، وذلك بحسب وثيقة صادرة عن القضاء العراقي نشرتها وسائل الإعلام العراقية.
ونالت العاصمة بغداد النصيب الأكبر بعدد يناهز 3 آلاف حالة طلاق، بينما احتلت محافظة ميسان (جنوب شرق البلاد) ذيل القائمة مسجلة 100 حالة طلاق فقط خلال الشهر الماضي، يذكر أن الشهر الماضي كان قد سجل ارتفاعا بأكثر من 3 آلاف حالة طلاق عن شهر يناير/كانون الثاني الماضي، الذي بلغت أعداد حالات الطلاق فيه 5150 حالة، ليدق ناقوس الخطر لدى المنظمات والخبراء.
أسباب عديدة
يرجع خبراء ومختصون أسبابا عديدة أدت إلى انفجار أعداد حالات الطلاق في الآونة الأخيرة، حيث تشير النائبة السابقة في البرلمان العراقي، انتصار الغرباوي، إلى أن أعداد الطلاق في العراق الشهر الماضي تشكل أعلى معدل للطلاق في تاريخ البلاد.
وتابعت الغرباوي التي تعمل مستشارة حكومية حاليا في حديثها للجزيرة نت أن أسبابا عديدة تقف وراء ذلك، لعل أهمها الوضع الاجتماعي والاقتصادي الحالي، مبينة أن الأزمة الاقتصادية، التي تشهدها البلاد منذ أشهر، أسهمت بشكل كبير في زيادة هذه الأعداد، فضلا عن أن الحكومة ما تزال قاصرة عن معالجة الزواج خارج إطار السن القانوني.
ويؤيد ذلك النائب في لجنة حقوق الإنسان، قصي عباس، الذي يرى أن الارتفاع الكبير في عدد حالات الطلاق يعزى لجملة أسباب في مقدمتها تردي الوضع الاقتصادي وتفشي البطالة، فضلا عن أسباب اجتماعية وعادات غريبة على المجتمع؛ مما أسهم بحصول مشكلات أسرية وانحلال اجتماعي لدى بعض شرائح المجتمع، بحسب تعبيره.
دور السلطة التشريعية
ويضيف عباس للجزيرة نت أن لمجلس النواب دورا مهما في الحد من هذه الظاهرة من خلال تشريع قوانين أو تعديل أخرى؛ إلا أنه بسبب تقاطع آراء الكتل السياسية أحيانا حول بعض فقرات ونصوص هذه القوانين، وتعارضها مع نصوص دينية وأعراف وقيم اجتماعية، فإن ذلك عرقل كثيرا من تشريع هذه القوانين، بحسبه.
من جانبها، تؤكد فاتن الحلفي، عضوة مفوضية حقوق الانسان (مؤسسة حكومية)، أن العام الماضي شهد تسجيل 10 حالات طلاق في الساعة الواحدة، بينما بلغت الأرقام الشهر الماضي 62 حالة طلاق في الساعة بواقع 375 حالة في اليوم.
وتشير الحلفي في حديثها لإحدى وسائل الإعلام إلى أن الوضع الاقتصادي أثر بشكل كبير في زيادة حالات الطلاق خاصة بعد تفشي فيروس كورونا، فضلا عن أسباب تتعلق بعدم تكافؤ العمر بين الزوجين وزواج القاصرات، مبينة أن أغلب القضاة يبذلون جهدا كبيرا في ثني المقبلين على الطلاق من خلال تأجيل المحاكمات أو الذهاب للمصلح الاجتماعي لدى المحاكم.
وتذهب في هذا المنحى المحامية والناشطة النسوية، رشا وهب، التي ترى في حديثها للجزيرة نت أن أهم سبب لزيادة حالات الطلاق يعزى لفيروس كورونا وحالة الإغلاق وحظر التجول، الذي شهدته البلاد خلال الأشهر الماضية، ما أدى لبقاء الأزواج في بيوتهم، وبالتالي زيادة المشكلات المؤدية للطلاق في نهاية المطاف.
من جهتها، ترى الصحفية شذى علوان أن الأسباب تتعدد ما بين اقتصادية واجتماعية؛ إذ إن الأزمات الاقتصادية باتت جزءا من حياة العراقيين منذ سنوات، فضلا عن أن الأحوال الاجتماعية والتغيير الديموغرافي والنزوح كلها أسباب أدت إلى تغير النظرة للزواج، وبالتالي ازدياد حالات الطلاق.
وسائل التواصل
وتعلق علوان في حديثها للجزيرة نت أن تغير الطبائع الثقافية والمجتمعية وإقحام الثقافات الغريبة والغربية كان لها دور كبير، حيث إن وسائل الإعلام من خلال ما تبثه من مسلسلات مدبلجة وأفلام وغيرها، باتت تدس السم بالعسل من خلال الأفكار الهدّامة والترويج للشذوذ، الذي يهدم القيم المجتمعية للإنسان العراقي، بحسب تعبيرها.
وتابعت علوان أن مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها السيئ يبرز بصورة كبيرة في مشكلة الطلاق من خلال تحول عادات العراقيين، حيث إن انتشار عيادات التجميل النسائية، التي وصفتها بـ(مصانع الجمال)، أدت إلى أن يقارن الرجل زوجته مع أخريات في المجتمع، وبالتالي تزداد حالات الطلاق؛ لعدم قدرة الزوج على الإيفاء بمتطلبات الزوجة، بحسب علوان.
وبالعودة إلى الناشطة رشا وهب حيث تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار ظاهرة النساء المدونات، اللاتي يطلق عليهن بـ(الفاشونيستا أو الموديلز)، وانفتاحهن في المجتمع، أدت لتمرد بعض النساء على أزواجهن بدون إدراك لماهية هذه الحالة، وما تسببه من تفكك الأسرة.
كاشفة عن ظاهرة اجتماعية خطيرة في الآونة الأخيرة، تتمثل بمجموعات نسائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشجعن النساء على الطلاق والخروج من قيود الزواج وما فيه من مسؤوليات، بحسب وهب.
دور القانون
من جهته، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن المشرِّع العراقي أصدر عام 1985 التعليمات رقم (4)، التي أعطت مساحة واسعة للباحث الاجتماعي لثني المقبلين على الطلاق؛ إلا انه بعد عام 2003 لم يعد دور الباحث الاجتماعي مجديا؛ بسبب ازياد الحالات.
التميمي وفي حديثه للجزيرة نت أشار إلى أن تعليمات مجلس القضاء الأعلى (قواعد تنظيم البحث الاجتماعي) رقم (1) لسنة 2008 لم تحد هي الأخرى من الطلاق إلا بجزء يسير، معتبرا أن المشكلة ليست قانونية، وأن القضاء لا يملك الأدوات اللازمة لحل مشكلة الطلاق، التي ترتبط بأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية.
وعن الحلول اللازمة، يعلق التميمي أن على الحكومة والمشرع العراقي سن قوانين تعمل على رفع المستوى الثقافي للمتزوجين وعائلاتهم، وتشجع الاهتمام بالأسرة من خلال توفير نواد اجتماعية خاصة تحض على الترابط الأسري وأهميته من الناحية الدينية والاجتماعية، وتبين مدى الأضرار الناجمة عن الطلاق خاصة فيما يتعلق بالأطفال، بحسبه.
أما وهب فتضيف لما ذهب إليه التميمي أن حالات الزواج خارج إطار القانون منتشرة بشدة، وغالبا ما يتم زواج القاصرات بعقد شرعي (عند الشيوخ أو الملالي) ثم يلجأ المتزوجون بعد سنوات إلى تثبيت زواجهم لدى المحاكم، وبعدها يحصل الطلاق، مشيرة إلى أن القضاء والمحاكم يكونون تحت الأمر الواقع حينها.
وبذلك تحمّل وهب الدولة المسؤولية الكاملة مقترحة اللجوء للتوعية، واستحداث دورات تدريبية إجبارية للمقبلين على الزواج، فضلا عن ضرورة تشريع واستحداث قوانين لردع ومحاسبة من يعمد إلى تزويج الأبناء دون السن القانونية.