الطريق يهدد قرى وبلدات من مكونات دينية وقومية مختلفة
فصائل الحشد الشعبي لا تشارك في المشروع على اعتبارها المبادرة به
العتبة الحسينية مستعدة للنقاش مع أي جهة بشأن المشروع
يتواصل الجدل في العراق، سياسياً وشعبياً، منذ نحو أسبوع، حول أنشطة جماعات دينية، ترافقها مليشيات حليفة لإيران، في مناطق غرب مدينة الموصل، تدّعي أنها تقوم بعمليات مسح واستكشاف ما يُعرف بـ”طريق السبايا”، المرتبط بالسرد التاريخي لواقعة الطف في كربلاء، وما أعقبها من أحداث بين العراق وبلاد الشام.
ويهدف المشروع، بحسب القائمين عليه، إلى تحديد مناطق مرور القوافل المتجهة إلى الشام، وتنفيذ مشروع أُطلق عليه “طريق السبايا”، وسط حديث عن اكتشاف تلك الجهات مراقد ومواقع لأحداث تاريخية على امتداد هذا الطريق. في المقابل، تتخوف قوى سياسية عدة في العراق من هذه النشاطات، وأن تنطوي على مخططات تغيير ديمغرافي، خصوصاً أنها تتعلق ببلدات وقرى عربية إسلامية وأخرى مسيحية وأيزيدية موغلة في القدم.
وأصدرت “العتبة الحسينية” في كربلاء بيانين على التوالي عبر موقعها الرسمي، يومي 21 و26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حول وصول لجنة “أكاديمية وعلمية” إلى محافظة نينوى. وأعلنت أنها توصلت إلى “نتائج مهمة بخصوص تتبّع سير السبايا من أهل البيت بعد واقعة الطف”، متحدثة أيضاً عن “توثيق” مرقد يعود إلى “السيد عبد الرحمن بن علي بن الحسين”، والتوصل إلى صخرة توقفت عندها القوافل. وأشارت إلى أن الطريق يصب في اتجاه منطقة تسمى “بلط” (بين مدينة تلعفر وجبل سنجار) ومضيق يسمى “باب شلو”، وتم استخدام هذا الطريق المخفي بين الجبلين عبر الحدود السورية التركية حالياً، وصولاً إلى بلاد الشام. وأشارت إلى “تواصل العمل في المشروع نحو الشام، وأن البحث والتقصي انطلق من منطقة آسكي موصل”، مبينة أن “للمنطقة طريقين يتم إخضاعهما للبحث والتقصي للوصول إلى الطريق الصحيح والأدق، لكن المرجح أن يكون طريق سنجار- تلعفر هو الطريق الصحيح، وأن ركب السبايا مر عبر شق في جبل سنجار”.
أكد مرصد “أفاد” الحقوقي أن مناطق عدة في الطريق المزعوم تعتبر أملاكاً وأوقافاً غير إسلامية
في المقابل، حذر مرصد “أفاد” الحقوقي العراقي، في بيان موسع، الخميس الماضي، الحكومة، مما أسماها مشاريع تهدد السلم الأهلي وتحمل نوايا تغيير ديمغرافي في المحافظة. وأوضح أن ما تقوم به جهات دينية من عمليات مسح وتحديد، بدعوى البحث عن طريق، أطلقت عليه في بيانات رسمية “طريق السبايا”، مرت به قوافل من العراق إلى الشام بناء على روايات تاريخية، بدءا من منطقة آسكي موصل (50 كيلومتراً شمال غرب الموصل) وصولاً إلى سنجار ثم الحدود السورية وعلى طول نحو 92 كيلومتراً، “يمثل تهديداً جديداً للسلم الأهلي في المحافظة، وإثارة نعرات طائفية ومحاولة إحداث تغيير ديمغرافي في المحافظة”. وأكد أن “مناطق عدة في الطريق المزعوم تعتبر أملاكاً وأوقافاً غير إسلامية، وتتبع أديرة موغلة في القدم ما قبل الإسلام، ولا يجوز التعرض لها أو إنشاء مشاريع لخنقها. والأمر يشمل أيضاً مناطق أخرى قرب حاوي الكنيسة وباب شلو وسنوني، وبلط وغيرها”. وطالب حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بـ”تحكيم القانون والدستور والمنطق، ووقف التصرفات الأحادية ذات الأبعاد الطائفية التي لم يجنِ منها العراقيون إلا الموت والدمار”.
ورداً على هذا الحراك الجديد، طالبت “جبهة الإنقاذ والتنمية”، بزعامة رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، الحكومة العراقية ومسؤولي العتبات الدينية، بوقف ما وصفته “بالممارسات التي تثير الفتن الطائفية”. وأكدت، في بيان، أن “مثل هذه النشاطات في الوقت الحاضر تؤثر سلباً على لحمة النسيج الوطني، لما لها من حساسية بعد أن تحررت المدن حديثاً من سيطرة “داعش”، ولم تتعافَ بعد من آثاره التدميرية التي حولت المدن العامرة إلى ركام، وما تزال مئات من جثث العراقيين تحت هذا الركام، ولم تبدأ عمليات إعادة إعمارها بعد”.
من جهته، وصف “المشروع العربي”، الذي يتزعمه السياسي خميس الخنجر، نشاطات العتبة الحسينية بـ”المريبة”. وحذر، في بيان، من “توجهات طائفية تعيد البلاد إلى مربع الفتنة، وأن نشاطات من هذا النوع من شأنها إثارة نوازع الفتنة، خصوصاً بعد تحرير المدن من داعش”. ودعا، العتبة الحسينية والوقف الشيعي، إلى “الوقف الفوري لهذه النشاطات، ومنع تكريس الطائفية”.
تساؤلات عن دور المليشيات
وتواصلت “العربي الجديد” مع رئيس اللجنة التي تتولى عمليات المسح غرب الموصل، علي الكرعاوي، الذي يشغل أيضاً منصب معاون رئيس قسم النشاطات العامة في العتبة الحسينية. وقال الكرعاوي إن “العتبة الحسينية مستعدة للنقاش مع أي جهة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، بشأن المشروع الذي لم يكتمل بصورة نهائية، وأن تعمل على طمأنتهم”، مستدركاً “بالتالي نحن لا نمثل “ولاية الفقيه” في إيران، كما تدعي بعض الجهات، بل إننا مؤسسة دينية وليس أكثر من ذلك، وكل أعمالنا أصولية وقانونية”.
وتابع الكرعاوي، الذي تحدث للمرة الأولى، لوسائل إعلام منذ تفجر الجدل حول الموضوع، أن “العتبة لديها مركز ثقافي غرب محافظة نينوى. ومن خلال العمل، توصلنا إلى مجموعة من الآثار في مناطق سنجار وآسكي موصل، والتي كانت تسمى في العصر الآشوري “بلط”، واكتشفنا مرقداً يعود إلى “عبد الرحمن بن الحسين بن علي بن أبي طالب”. وعقب ذلك تعقبنا الطريق الذي يمر بتلعفر ثم سنجار، ووجدنا أنه يحتوي على آثار كثيرة، بالتنسيق مع أساتذة في الجغرافيا والتاريخ والآثار”. وأضاف “من ضمن ما وجدناه ما يُعرف بـ”البحر المر”، كما وجدنا مرقداً قديماً لعمر بن الحسين، وراجعناه وفق روايات ومصادر لـ”أبو إسماعيل الهروي”. ولكن هناك شكوكاً من أن يكون المرقد لـ”عمر بن الحسن” وليس بن الحسين، وكان قد خرج مع السبايا. ولكننا حتى الآن في طور البحث، ولم نجد مصادر تاريخية دقيقة”.
لكن مصادر من مدينة الموصل، تحدثت لـ”العربي الجديد”، نفت وجود أي ممثلين عن جامعة الموصل أو أكاديميين وعلماء جغرافيا بين الجهات العاملة في نينوى على الموضوع، كما ذكر البيان الصادر عن “العتبة الحسينية”. وأوضحت أنهم كانوا عبارة عن رجال دين تحت حماية أفراد من مليشيات “كتائب حزب الله” و”النجباء” و”العصائب” و”الحشد الشبكي”، الموزعين على طول الطريق المفترض، ولا توجد معهم أي وسائل علمية للتنقيب أو التتبع، بل حددوا عدة نقاط بعضها مبني على روايات تاريخية وأخرى تخميناً.
نفت مصادر من الموصل وجود أي ممثلين عن جامعة الموصل أو أكاديميين وعلماء جغرافيا بين الجهات العاملة على الموضوع
في المقابل، قال القيادي في “الحشد الشعبي” في محافظة نينوى، وعد القدو، لـ”العربي الجديد”، إن “فصائل الحشد الشعبي لا تشارك في المشروع على اعتبارها المبادرة به، بل تعمل على تسهيل بعض المهام الصعبة التي قد تواجهها الجهات المنفذة للمشروع”. وبين أنه لا يملك معلومات كثيرة عن المشروع، ولكن هناك مختصين يعملون في هذا المجال، ويسعون للتوصل إلى نتائج في ما يتعلق بـ”طريق السبايا”.
من جهته، نقل مسؤول رفيع المستوى في ديوان محافظة نينوى، تحدث عبر الهاتف لـ”العربي الجديد” طالباً عدم ذكر اسمه، عن مصادر من داخل منظمة دينية تنشط في المحافظة، وسبق أن أشرفت على مشروع مدرسة روح الله الخميني في المحافظة، التي افتتحت في وقت سابق من هذا العام، بأن “المسح والتنقيب يهدف إلى إعادة ملامح الطريق وضمه إلى قائمة المناطق الدينية والمقدسة في العراق. ويمتد لأكثر من 90 كيلومتراً من منطقة آسكي موصل في مرحلة أولى حتى الحدود مع سورية، حيث بلدة جزعة المحاذية للحدود العراقية والواقعة بين الحسكة ودير الزور”. وأكد أن “النيّة هي إعادة تشييد مزارات، وإقامة فعاليات سنوية في الطريق للتعريف بواقعة كربلاء، مع مساعٍ مستقبلية بمد الطريق حتى مدينة بعلبك اللبنانية، حيث مرقد السيدة خولة بنت الحسين بن علي”.
مخاوف محلية
الشيخ أحمد الحديدي، وهو أحد الزعماء القبليين في نينوى، اعتبر أن الطريق يهدد قرى وبلدات من مكونات دينية وقومية مختلفة، عربية وأيزيدية ومسيحية وإسلامية وشبكية وتركمانية، وبدأ من منطقة آسكي موصل وناحية “وانة” وحاوي الكنيسة باتجاه تلعفر ثم سنجار وربيعة غرب الموصل، مثل باب شلو، وتل ريم، وخانة صور، وإبرة الشاغرة، وسنوني وباره. ولفت، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن هذه المناطق كلها بين منهكة مدمرة أو فارغة من أهلها، وهناك خشية واضحة من مشاريع تغيير ديمغرافي جديدة في نينوى من خلالها، معتبراً أن “المشروع في حال تم تنفيذه سيغير تلك المناطق بعد أقل من 5 سنوات إلى شكل آخر، ونعتبر ذلك استهدافاً للمحافظة عموماً”.
من جهته، أشار المحافظ الأسبق لمحافظة نينوى، أثيل النجيفي، إلى أن “أهداف القائمين على مشروع طريق السبايا سياسية بحتة، ولا يمكن الفصل بين السياسة والطائفية في وضع تتحكم فيه فصائل مسلحة، وتفرض نفسها على الواقع العراقي بالقوة. ولكن بطبيعة الحال، فالمشروع أمر غير منطقي ولا واقعي”. وأوضح، في اتصال مع “العربي الجديد”، أن “هدف الطريق هو تطويع المناطق العربية السنية لإيجاد مواطئ قدم لتواجد المليشيات لحماية المزارات، إضافة إلى السيطرة على المجتمع الموصلي عموماً بقوة السلاح، وهو ملف خطير جداً”. وتابع أن “القضية سياسية بامتياز، وكل من ينفذها يتبع المنهج السياسي الديني الإيراني، ويريد فرض أمر واقع على المناطق المحررة، وتحديداً نينوى، ومحاولة تغيير عقائد سكان المناطق المحررة وإبعاد الشخصيات التي لا تقبل هذا الواقع”.
أثيل النجيفي: أهداف القائمين على مشروع طريق السبايا سياسية بحتة
أما الباحث والمختص في وضع نينوى زياد السنجري، فقال إن “مشروع “طريق السبايا”، من ضمن مشاريع عديدة تهدف إلى إحداث عمليات تغيير ديمغرافي في شمال العراق، وهو ذريعة لإبقاء فصائل “الحشد الشعبي” في نينوى، والسيطرة على مقدرات المدينة وعقاراتها وأموالها”. وبين، لـ”العربي الجديد”، أن “المشروع يتضمن إقامة مراقد دينية في مناطق تعتقد بعض الجهات الموالية لإيران أنها مناسبة واستراتيجية، ويأتي هذا بعد تأسيس مدرسة الخميني وثانوية الإمام الأعظم في نينوى”. وأضاف أن “الهدف من “طريق السبايا” هو السيطرة على مدينة الموصل بشكل عملي، وتأمين الطريق الرابط بين إيران وسورية عبر مدينة الموصل من خلال تلعفر وسنجار، ثم الحدود العراقية السورية“. ولفت إلى أن “هذه الخطة تم العمل عليها في محافظة الأنبار، وحالياً تعمل العتبة الحسينية والوقف الشيعي والمليشيات المسلحة على تنفيذ مشاريع في صلاح الدين ونينوى، وكلها بإشراف إيراني للسيطرة على مناطق شاسعة”.
وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال لويس ساكو، قد تحدث، الإثنين الماضي، لمحطة تلفزيون محلية عراقية، عن الوضع في مناطق سهل نينوى وعموم محافظة نينوى وعاصمتها الموصل. وبين أن “الدولة لم تقدّم شيئاً للمناطق المسيحية التي تضررت من داعش، والكنائس والمنظمات هي من قامت بإعادة ترميم المدارس وبعض الكنائس”. وأضاف ساكو “لا يوجد جمرك على الكلام، فقط نسمع كلاماً طيباً وخطابات، والناس باتت تفقد الثقة، ليس فقط المسيحيين، بل جميع المواطنين فقدوا الثقة”. وأشار إلى أن “عدد المسيحيين في العراق قبل عام 2003 كان يقدر بمليون ونصف المليون، لكن هاجر منهم قرابة المليون والمتبقي نصف مليون تقريباً”، متحدثاً عن عمليات استيلاء على أملاك المسيحيين من قبل بعض الجهات التي لم يسمها. وتابع ساكو “الدولة ليست لها القدرة على فرض هيبتها والقانون وتحقيق العدالة، فالمليشيات أقوى من الدولة، والعراق يحتاج إلى وقت ووعي من الموظفين على أن لا يقبلوا بالتزوير الذي يجري”.