منذ أعوام وتحديداً بعد سقوط النظام البعثي السابق عام 2003 يجري الطعن والتشهير بالأحزاب العراقية جميعها وفي كل المكونات الأجتماعية، وكذلك بالقادة الحزبيين، علماً ان مطاردة ومحاربة الأحزاب العراقية الوطنية وبالأخص الاحزاب ذات القاعدة الاجتماعية العريضة: الشيوعي والديمقراطي الكردستاني والبعث في العهود السابقة الملكية والجمهورية كانت ملازمة لتلك النظم.
وبعد سقوط البعث في العام المشار إليه، كان العراقيون يأملون في حياة ديمقراطية حرة كريمة وتكريم الأحزاب التي قارعت النظم الدكتاتورية وكذلك تكريم قادتها وكوادرها، إلا ان الذي حصل جاء مخيباً للآمال اذ سرعان ما شنت حملة طعن وتشهير بالأحزاب والقادة الحزبيين والتي بلغت ذروتها هذا العام 2018 بعد أن أنتقلت من القول إلى الفعل وبدأت في البصرة أولاً وأتخذت شكل شعارات وهتافات وصفت الأحزاب بالفاسدة والقادة الحزبيين بالمفسدين او الفاسدين، ورويداً رويداً ترجمت الشعارات والهتافات والمقالات الي تظاهرات وحرق وتدمير لمقرات الأحزاب كافة ومقرات للحكومة أيضاً. وفي حينه كتبت مقالاً نشرته صحف الكترونية عراقية وعربية وكردية وكان تحت عنوان: الهدف من وراء الطعن والتشهير بالاحزاب العراقية.
وقلت فيه ما نصه إن ايران هي التي تقف وراء التصغير والتقليل من شأن الأحزاب بهدف الغاء الاحزاب وتهميش الحزبين في العراق وابعاد قادتها عن حكم البلاد فتطبيق نموذج المحافظين والأصلاحيين وولاية الفقية الايراني على الحياة السياسية في العراق للسيطرة عليه بسهولة، ومنذ حوادث البصرة فان الحرب على الأحزاب والحزبية والحياة الحزبية لم تتوقف بعد أن قطعت شوطاً كبيراً في تشويه صورة الأحزاب العراقية ومن غير تسمية الفاسدين بالاسم إلى الآن ولن تتم تسميتهم إلا أن الهجوم على الأحزاب سيبقى ويستمر. ويبدو ان إيران حققت انتصارات كبيرة على أمريكا على صعد الرئاسات الثلاث في العراق: البرلمان، الجمهورية، الوزراء بعد انتخابات يوم 12-5-2018. وبلغ انتصارها حد تجاوز التكتل الاكبر (الاصلاح والاعمار) و (البناء) واللذان يقومان على تحالف احزاب، وانتخبت الرئاسات الثلاث من دون المرور بهما، وبجرة قلم ايرانية طبعاً طرح ما يسمى بالفضاء الوطني اي البرلمان العراقي ذو الأكثرية الشيعية ومعهم عدد من برلمانيي السنة والكرد من الذين لا يقل حماسهم لايران عن حماس الأطراف الشيعية، ولم يدر بخلد أحد أن ما يسمى بالقضاء الوطني (البرلمان) ما هو إلا فضاء شيعي مذهبي ضيق، وفي قبة هذا الفضاء لن يفوز إلا الموالي للنظامين القائمين في طهران وبغداد، وفي هذا الفضاء تحققت تسمية الرئاسات الثلاث: (البرلمان – الحلبوسي) و (الجمهورية – برهم صالح) و (الوزراء – عادل عبدالمهدي) بسرعة أشبه ما تكون بالصاروخية. وغاب دور الأحزاب بالمرة عن تسمية الرئاسات، ولسنا ندري لماذا لم يعرف البرلمان الكردستاني كفضاء وطني اسوة بالبرلمان العراقي، ولأنتخاب برهم صالح فيه على الأقل.
ان تهميش الاحزاب والتكتلات الحزبية الكبيرة بما فيها الشيعية حصل بشكل صارخ خلال الايام الماضية وبالاخص في موضوعة الرئاسات الثلاث وما زال التهجم على الاحزاب والحزبيين يتواصل وتجري معارضتها بالمستقلين وتمجيدهم وضرورة احلالهم محل الاحزاب والحزبيين في ادارة الدولة العراقية والحكومة العراقية المقبلة ودعاة تفضيل المستقل على الحزبي يناقضون انقسهم بانفسهم فهم يطالبون بحكومة قوية وقادة اقوياء لها في حين تجدهم يديرون ظهوجم للقوي اي الاحزاب والنشطاء فيها ويتوجهون الى الضعيف غير المقتدر ( المستقلون) وراح التشكيك بقوة الحزبي وقدرته وثقافته يطرح بشكل شبه يومي في المناقشات على شاشة التلفزة والاذاعات و الصحف مثال قول السياسي نعيم العبودي: ( لا نقف ضد توزير شخصية حزبية اذا كانت كفوءة ) وكأن فقدان الكفاءة والمقدرة والذكاء لدى الحزبي امر مفروغ منه فقول عادل عبدالمهدي: ( ان ثلني الوزراء تابعون للاحزاب وثلث من المستقلين) هذا من غير ان يكون المستقلون قد خاضوا الانتخابات البرلمانية في 12-5-2018 بقائمة أو ائتلاف لمعرفة مدى شعبيتهم، كما ان الثلث الذي اشار اليه عبدالمهدي لم ينظم بقانون أو تعليمات، مثلما تقرر ان يكون 1/3 اعضاء البرلمان من النسوة. فضلاً عن هذا ليس للمستقلين استحقاق انتخابي مثلما للاحزاب، ثم متى كان صحيحاً اسناد ثلث الحقائب الوزراية الى المستقلين علاوة على ما ذكرت فان عدم انتماء الشخص الى حزب ما لا يعني انه مستقل اطلاقاً واستغرب كيف لم يلجأ عشاق المستقلين الى المطالبة بكوتا للمستقلين على غرار كوتا الاقليات والنساء؟!
ان مؤامراة تقديم المستقل على الحزبي واظهار الود الزائف المنافق للمستقلين لن ينطليا على احد وستظل الاحزاب الوطنية العراقية العريقة وحتى التي تشكلت حديثاً اخلص للمستقلين ولمصالحهم من الذين يتباكون ليل نهار على المستقلين ويحملون بقوة في ذات الوقت على الاحزاب والحزبيين، ولا يغيب عن البال انه من حيث المبدأ ليس هناك من مستقل أو محايد، ناهيكم من أن الوجه الاخر لمصطلح ( المستقل) أن المستقل يساوي بين الحق والباطل والشعب والدكتاتوريين وفي الماضيين القريب والبعيد فان القلة من ( المستقلين) و ( المحايدين) كانوا يسجنون أو يستشهدون، وكان معظم الذين شتقوا واعدموا وعذبوا من الحزبيين ونشطاء الاحزاب ويوم كانت الحركة الوطنية العراقية والكردية قوية اذكر ان النشطاء والمناضلين الحزبيين كانوا ينظرون باحتقار الى المثقفين ( المستقلين) الذين كان همهم المحافظة على مصالحهم الشخصية وضمان مستقبلهم الشخصي، ولم يكتفي المناضلون بتسجيل ذلك الموقف على المستقلين، بل انهم كانوا يرون الوطنية الحقة في الشيوعيين والماركسيين والوطنيين الكرد والقوميين العرب المتحررين وكيف ان المثقف لن يكون مثقفاً متنوراً مالم يكن شيوعياً أو ماركسياً ومؤمناً بالاشتراكية كما كان يعتقد والسبب في ذلك ان الحكومات الملكية بالاخص كانت ترى جميع المعارضين لها شيوعيين.
ان التهجم على الاحزاب والحزبيين وتفضيل المستقلين عليهم، ثقافة دكتاتورية والتهجم على الاحزاب والحزبيين. اليوم من بقايا تلك الثقافة المدانة، ولن يسمح شعبنا بتحويل الحزبي الى ذيل للمستقل، وان اي اضعاف وتهميش للاحزاب والحزبيين سيما الاحزاب القديمة والمناضلين القدامى مقابل تمجيد المستقلين واسناد الوظائف القيادية اليهم مؤامرة دكتاتورية ايرانية وامريكية، ان العلاقات بين امريكا وايران لم تنقطع ولن ينخدع احد بخلافاتهما التي تشبه التراشق بالماء فهما متفقان على الوضع العراقي وعلى اتصال دائم وان جميع الحكومات التي تشكلت في العراق بعد عام 2003 حصل باتفاق امريكي، ايراني، واخر اتفاق لهما هو تكليف عبدالمهدي بتشكيل الحكومة وتنصيب برهم صالح رئيساً للجمهورية ان هناك مايشبه الخط الساخن بين واشنطن وطهران. لا لن نخدع بتراشق واشنطن– طهران بالماء. وان اناطة المسؤولية الى المستقلين وتهميش الحزبيين اضعاف للدولة والحكومة والشعب والحركة الوطنية برمتها ويتقاطع مع الديمقراطية.. الخ. فألى الحذر كل الحذر من الدعوات الرامية والمشبوهة ذات الاهداف المغرضة الجهنمية للفصل بين الحزبيين والمستقليين بين الشعب واحزابه المناضلة. وفي مساعيهم لتغليب المستقل على الحزبي كأني بلسان حال العراقي من العرب حيال تسلم اشخاص للمناصب والتمتع بالخيرات من غير ان يكونوا قد تمتعوا بخلفية نضالية وتضحيات مقابل تهميش الوطنيين الحقيقيين: (يا من تعب يا من شكا.. يامن على الحاضر لكا) والقول عند الكردي: كي كردي.. كى خواردي) اي انظروا من الذي شقى وتعب وكد ومن الذي ياكل ثمار جهدهم) لا ذنب للمستقلين عن الاحزاب في محاولات بعضهم لا يصالحهم الى السلطة على حساب ابعاد الحزبيين، بل الذنب كل الذنب لقوى اقليمية ودولية واخرى داخلية نكرس لتلك الحالة.
يجب العمل بالاستحقاق الانتخابي وتوزيع المناصب في ضوئه وبطلان كل ما يخالفه وتحت اية ذريعة كانت وان اي اضعاف للاحزاب هو اضعاف للشعب والديمقراطية والوطنية وعلى الشعب: حزبيين ومستقلين تفويت الغرضة على أعدائهم ورفض مؤامراتهم الجهنمية.