كما يعلم الكثير، لم يكن لأمريكا إبان الحرب العالمية الأولى 1914-1918 دور كبير في منطقة الشرق الأوسط، يوازي الدور البريطاني. ولم تهتم كثيراً بنزاعات التي حدثت بين الدول الأوربية، أو في الشرق الأوسط. لقد دخلت الحرب المذكورة عام 1917 أي: قبل عام واحد من انتهائها، وذلك بسبب استئناف ألمانيا حرب الغواصات ضد السفن التجارية؟ وهي التي دفعت رئيسها (ًوودرو ويلسن) أن يشارك بعد انتهاء الحرب في مؤتمر السلام، الذي انعقد في باريس عام 1919. وقبله بعام واحد، ألقى الرئيس ويلسون في الكونجرس الأمريكي خطابه الشهير، الذي ضم مبادئه الـ14 وجاءت في الفقرة رقم 12 فيه: ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير… . للتاريخ نقول: لم تكن لأمريكا دورفعال حينها بجريمة العصر، وهي احتلال أرض كوردستان الذي قامت به الدولتان المنتصرتان في تلك الحرب المذكورة أعلاه، وهما كل من بريطانيا وفرنسا، ومن ثم، تجزئتها وتوزيعها وفق مصلحتيهما الاقتصادية والسياسية بين الكيانات… التي استحدثوها وهي العراق وسوريا وتركيا وإلى حد ما إيران التي سافر رئيس وزرائها المدعو “قوام السلطنة” على جناح السرعة إلى واشنطن، وبكى أمام الرئيس الأمريكي وتوسل إليه وهو يذرف الدموع: يا سيادة الرئيس، إن وجود مملكة إيران على الأرض في خطر. نود هنا أن يعلم مَن لا يعلم، إن الشعب الكوردي شعب حضاري ليس كالآخرين؟، لا يؤمن بأعمال العنف، لكن هذا لا يجعله أن ينسى ما جرى له عام 1975 أبداً، وما حل به من مآسي و ويلات في فترة الحرب الباردة بين القطبين اتحاد السوفيتي السابق، وأمريكا، حين قام وزير خارجية هذه الأخيرة “هنري كيسنجر” بحبك مؤامرة دولية خبيثة على الثورة الكوردية في جنوب كوردستان، التي كانت بقيادة خالد الذكر ملا (مصطفى البارزاني)، ونتجت عن تلك المؤامرة القذرة ما سميت باتفاقية الجزائر عام 1975 بين إيران الشاه وعراق البكر، صدام، التي ابتز فيها الشاه العراق عندما ساوم النظام العراقي على تنازله عن مياه وأراضي العراق، مقابل تآمره على الثورة الكوردية وإنهائها، وذلك بخلاف الدستور العراقي تنازل نائب الرئيس العراقي صدام حسين عن نصف نهر شط العرب، مع الأراضي التي على الشريط الحدودي المصطنع لإيران، وقال الشاه حينها للوفد الوفد الكوردي الزائر، الذي كان برئاسة ملا (مصطفى البارزاني): ماذا تريدون أن أفعل لكم، لقد أعطاني صدام حسين ما لم يعطيني إياه نوري السعيد في حينه؟؟!!. و وفقاً لبنود الاتفاقية… أغلقت إيران الشاه حدودها البرية بوجه الثورة الكوردية في جنوب كوردستان، وبهذه العملية الغادرة طعنت إيران الثورة الكوردية من الخلف، التي نجم عنها بعد تغيير النظام الشاهنشاهي في إيران اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، التي دامت لثمان سنوات وعرفت في وسائل الإعلام بحرب الخليج الأولى، التي هي الأخرى كانت سبباً ودافعاً لتحريض الديكتاتور صدام حسين لاحتلال الكويت وضمها إلى العراق عام 1990، إن السذاجة السياسية وقصر النظر لصدام حسين نتجت عنها حرب الخليج الثانية، التي اندلعت عام 1991 بين التحالف الدولي بقيادة أمريكا من جهة، والعراق من جهة أخرى، والتي أدت بعد مرور عدة أعوام، وعلى وجه التحديد عام 2003 إلى اجتياح أمريكا للكيان العراقي وإسقاط نظام حزب البعث المجرم في العراق، الذي تسلط على رقاب الشعب بالحديد والنار لـ35 عاما. كي لا أطيل، يتضح من خلال هذا السرد السريع لما جرى من مآسي وحروب مدمرة في المنطقة وأدت فيما بعد إلى تأزيم المشهد السياسي فيها إلى أعلى مراحله، وقد يصل إلى حرب إقليمية طاحنة لا يحمد عقباها، وسببها الأول والأخير، هو استمرار احتلال الوطن الكوردي كوردستان من قبل مربع الشر إيران، العراق، سوريا، تركيا.
إن المطلوب كوردياً من أمريكا، أن تكفر عن ذنبها الذي ارتكبته عام 1975تجاه الأمة الكوردية. ومحو آثار تلك الجريمة الشنعاء، التي قامت بها قبل قرن من الآن حليفيها في حلف الأطلسي بريطانيا وفرنسا، ضد الشعب الكوردي المسالم، وذلك من خلال إعادة الوطن المغتصب إلى أصحابها الشرعيين عن طريق دعم ومناصرة الشعب الكوردي سياسياً في المحافل الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة كي يؤسس هذا الشعب الجريح دولته الوطنية أسوة بدول العالم. ويأمل الشعب الكوردي أن تدعمه أمريكا عسكرياً أيضاً كي يستطيع أن يواجه الآلة الحربية للكيانات العنصرية الإرهابية التي تغتصب كوردستان وتعادي شعبها الذي لولا فتياته وفتيانه الأشاوس لكانت أوروبا الآن تحت رحمة إرهابيي داعش والقاعدة المدعومتان من تركيا وإيران وبعض أمراء البترول.
ينبغي على سيد بيت الأبيض القادم، أن يعود إلى الوراء قليلاً، ويتذكر كلمات وتعهدات رؤساء أمريكا العظام تجاه العالم، الذين نادوا بصوت عالي: إن دولة أمريكا لا تسعى لمصالح أنانية وأن غايتها الأول، أن لم يكن فريداً، هي إدراك السلام العالمي. وفي هذا المضمار ألزم (هاري ترومان) – قبل أن يصبح رئيساً- شعبه الأمريكي، وذلك في خطابه الافتتاحي الذي ألقاه عام 1940 في مجلس الشيوخ الأمريكي طالب فيه على تحقيق عالم تنعم كل أممه وشعوبه بالحرية على حكم أنفسهم… . وتناول الرئيس (دويت آيزنهاور) في خطابه الافتتاحي الموضوع ذاته، لكن بلغة رفيعة، ووصف عالماً مشطت فيه أشواكه ونحيت إمبراطوريته العظمى وأشرقت أمم جديدة. ويضيف: وفي أوج هذا الأوار، حمل القدر على أكتاف أمريكا مهمة الذود عن الحرية من دون رادع لاعتبارات جغرافية أو حسابات المصلحة الوطنية. ويعلق عليه هنري كيسنجر: وفي الحقيقة عنا آيزنهاور أن مثل هذه الحسابات لتسير في الشفا المناقضة الأخرى لنظام المبدأ الأمريكي، حيث تعامل كل الأمم والشعوب سواسية. ويستمر: إن إدراك الذود عن الحرية، كالحرية عينها، جزء لا يتجزأ فنحن نزن كل القارات والشعوب بمعيار وشرف سويين.
عزيزي المتابع،إن الشعب الكوردي الجريح، بعد أن تلقى ما تلقى في عهد “دونالد ترامب” الذي غض الطرف عام 2018 عن أعمال الطوراني أردوغان وما قام به من جرائم وحشية في غرب كوردستان ضد شعبه الأعزل واحتلال مدنه وفي مقدمتها عفرين المغتصبة. وعلى غرار جرائم الجمهورية التركية، قام الجيش العراقي المجرم ورديفه الحشد الشعبي عام 2017 بجرائم بشعة في كل من مدينتي خورماتو وكركوك السليبتين، وسكت أيضاً عنهما “دونالد ترامب” ولم يحرك ساكناً ضد حكام الأعاجم في بغداد.
وبعد عودة الحكم الرشيد إلى البيت الأبيض، يتمنى الشعب الكوردي الجريح، أن يتعامل سيد البيت الأبيض مع العالم معاملة حضارية لا يفرق بين إنسان وآخر، بين شعب وآخر، يجب أن يناصر الشعوب المقهورة حتى تعيد أوطانها التي سلبت منها عنوة بدعم وإسناد قويين لها من الدولة الأعظم في التاريخ أمريكا، التي تعتبر المركز الأول للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.إن الشعب الكوردي الجريح ينتظر هذا من الرئيس (جو بايدن) كي ينصفه، حتى يؤسس دولته الديمقراطية أسوة بدول العالم.
لكن عزيزي القارئ، رغم كل ما قيل، يجب أن نتوقع من السياسة والسياسيين كل شيء. لأننا لا نعلم ما في النفوس والسرائر، إلا أن الأيام كفيلة بإظهار مكنوناتها، فلذا أن الشهور القادمة سوف تبين لنا السيد “جو بايدن” في طبعته الجديدة، ونأمل أن تكون طبعة جيدة ومنقحة عن ما كان عليه في عهد باراك أوبا. والسلام على من ناصر ويناصر الكورد وكوردستان.
” فإن يك صدر هذا اليوم ولى…فإن غداً لناظره قريب”
10 01 2021