الصراع المرافق للانتخابات الأمريكية.. يحمل في طياته الكثير من ملامح الصراعات الدائرة بين الأقطاب الرأسمالية في عصرنا.. زاد من سعيرها احتقان الأجواء بسبب وباء الكورونا.. الذي لف العالم بأجمعه وأصبح قضية دولية تهدد الإنسانية لا مناص من مواجهتها.. ولا يمكن الهروب من تبعاتها واحتمال زيادة عدد المصابين بها.. وهي تدخل نطاق سنة ثانية بتفاقم تأثيراتها.. التي شملت فيما شملت الاقتصاد الذي دخل في نفق الأزمة البنيوية من أوسع ابوابه.. بفعل التطور التكنولوجي ومنجزات العلم وثورة الاتصالات التي نقلت العالم الى اجواء الثورة الصناعية الرابعة.. ومتطلبات الاقتصاد التشاركي الذي يتطلب العودة لتدخل الدولة وفق معايير ومفاهيم العدالة الاجتماعية وضمان حرية الانسان واحترام حقوقه وخياراته..
وأمريكا في مقدمة الدول التي افرزت صراعاتها ما له صلة بهذا التداخل.. وكانت الانتخابات الأخيرة مؤشراً لتأكيد دخولها في عصر تحولات دراماتيكية سريعة وعاصفة لا يمكن غض النظر عنها.. كان من بينها ما نسمعه اليوم من عبارات يتناقلها الاعلام عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. الذي ازاحته الانتخابات.. ولم يبقى له الا أسبوعاً واحداً في السلطة.. وموقع الرئاسة.. ليختفي خلف الكواليس وفقاً للدستور.. الذي يتحكم بنتائج الانتخابات ويضمن الانتقال السلمي وتداول الموقع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.. وتصفه بـ “غير المؤهل”..
لكن هذا الزمن الذي لا يتعدى الاسبوع الواحد فقط.. بات زمناً طويلا لا يحتمل.. ولا يمكن انتظاره وفقاً للسياقات التقليدية في تداول السلطة.. لأن الرئيس ترامب الذي بات (غير مؤهلاً) حسب التعبير المستخدم اليوم لوصفه من قبل الكونكرس وبقية المؤسسات المتابعة للأحداث العاصفة في اميركا اليوم..
غير مؤهل!
رئيس اهم دولة في العالم الرأسمالي.. غير مؤهل!
الرئيس بعد أربعة سنوات من الحكم ـ الا أسبوعاً واحداً فقط ـ يصبح غير مؤهلا.. ينبغي تحاشيه وعزله.. يا للاكتشاف العظيم!
يا لعباقرة السياسة في المجتمع الأمريكي!
يا للـ سي ـ أي ـ أي.. والـ.. ف بي أي وغيرها من المؤسسات الأمنية.. التي تغافلت ولم تكتشف ان الرئيس غير مؤهلا.. الا في الساعات الأخيرة من وجوده في السلطة..
رئيس غير مؤهل.. يتربع على موقع الرئاسة لأربع سنوات كاملة في دولة تسعى لقيادة العالم وتضع الضوابط للعلاقات الدولية.. تتحكم بمؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. تخطط لمستقبل الشعوب.. تناكف منظمة الصحة العالمية.. تفرض الحصار تلوى الحصار على الدول والشعوب.. تؤسس المزيد من القواعد العسكرية.. مع هذا يديرها رئيس غير مؤهل!!!
من حقنا ان نسأل..
من أين جاء هذا الرجل غير المؤهل؟
من اختاره.. من دعمه.. من انتخبه؟
أليست أمريكا بحضارتها الراهنة وجبروت اقتصادها المتهاوي وآليات عساكرها وقواعدها هي من اختارته؟
اليس الرجل ممثلا لأغنى فئة في المجتمع الأمريكي ويتفاخر بذكاء “مؤهل” انه أصبح مليارديراً من بين قلة اشخاص يتحكمون بالاقتصاد والتجارة ويزاحمون الملايين على لقمة عيشهم؟
يا لآلاف مراكز البحوث والمؤسسات الإعلامية.. التي استفاقت على صدمة هذا الاكتشاف المتأخر وحصرته واختزلته في شخصية ترامب.. متغافلة ومتناسية قائمة طويلة وعريضة من اشباه ترامب وأذنابه وشركائه غير المؤهلين.. في هذا العالم المبتلى بالظاهرة الترامبوية.. قبل ولادة البليد ترامب وستستمر بعده.. بحكم الفساد المستشري في أروقة الاقتصاد والمجمعات الصناعية العسكرية التي تتحكم بالسلطة والتجارة وحركة رأس المال وتنصب قرقوزات محلية خانعة في واجهة حكومات متهرئة ومفككة مبتذلة..
هل كان أبو رقيبة في تونس مؤهلا؟
هل كان بوتفليقة في الجزائر مؤهلا؟
هل كان صدام في العراق مؤهلا؟
هل كانت الجثث التي تتحكم بالسعودية والكويت مؤهلة؟
هل كان المالكي في العراق مؤهلاً؟
هل اردوغان مؤهلا لحكم تركيا؟
هل عبد ربو منصور مؤهل لحكم اليمن؟
هل كان النميري والبشير مؤهلين لحكم السودان؟
ها باتت احزابنا مؤهلة للتعبير عن الأمل الاجتماعي للشعوب؟
هل ما زلنا شعوباً وتكوينات اجتماعية متوحشة غير مؤهلة للانتقال والعيش في عالم أفضل؟
يا للحروب والنزعات التي تتواصل من عقود وتسعر نيرانها كي لا تنتهي.. كأننا في عصر البداوة والقبائل الهمجية.. التي ما زالت تعبث بمصيرنا.. وتحولنا الى كائنات غير مؤهلة.. الاّ للعبودية والخنوع والاذلال في هذا العصر المتداعي..
أمريكا باقتصادها المنهار وجبروت جيوشها المتداعية غير مؤهلة ولا تلائم العصر وسط بحر من تداعيات متشابهة لغير المؤهلين في بقية دول العالم المتداعي الذي يفرز..
حكومات غير مؤهلة
وأحزاب غير مؤهلة
ومدن غير مؤهلة
واديان غير مؤهلة
ومشافي وشوارع وخدمات غير مؤهلة
كأننا في عصر هزلي ونحن نشاهد غير المؤهلين يديرون شؤوننا
الى اين نمضي.. ويريد أن يمضي بنا ترامب “غير المؤهل”!!
متى نكتشف اذنابه؟ ونتخلص من بقية غير المؤهلين!
من فينا مؤهل لاستيعاب ما يدور من حولنا ليقودنا لعالم مؤهل يليق بالبشر؟
كيف ومتى؟
ماذا ننتظر.. هل ننتظر ترامباً جديدا؟!!!!
ما هو البديل؟
دعونا نبحث عن سبل للتشارك والتفاعل تعيننا على صناعة وضمان المستقبل الأفضل
ــــــــــــــــــ