بينما كان يُعد نفسه لدخول مرحلة البكالوريا والسعي لتفوق يؤهله لتحقيق حلم طفولته بدخول كلية الطب، والتخصص بأحد مجالاته، فوجئ الفتى سالم سليمان بخبر إصابته بسرطان الدم في أغسطس/آب 2018.
لم يكُ خبر إصابته بالسرطان صدمة له فحسب، بل امتدت الصدمة إلى أقربائه وجيرانه، فهو الشاب الذي كان في أشدّ مراحل قواه الجسمانية، إضافةً إلى ذكائه وتفوقه الدراسي، حيث كان الكثيرون يتوقعون له مراحل عالية ومتقدّمة في مجال التعلم.
أيام قليلة كانت أمام سليمان لإنقاذ نفسه بعد أن أخبره الأطباء بأن السرطان وصل لمرحلته الرابعة في جسمه، وهذا ما يشكلُ خطرا على حياته إن لم يسرع بالعلاج الكيميائي.
توجه سالم سليمان برفقة عمه نايف سيدو إلى الهند بغرض العلاج بعد أن تمكّن بصعوبة من اقتراض 60 ألف دولار أميركي، ليبدأ بالمراحل الأولى في تلقي العلاج الكيميائي، واستمر على هذه الحال لشهرين متتاليين إلى أن أجريت له عملية زرع نُخاع العظم.
وصلت احتمالية أن يخسر الشاب العراقي حياته بعد إصابته بالنوع الأول من السرطان المصنف طبيّا بـ”الحاد”، على عكس الآخر “المزمن” الذي يعتبر أكثر رأفة بالمريض ويمهله حياة تمتد إلى عامين لا أكثر مقارنة بالأول الذي قد يتيح للمريض العيش لشهرين في أقصى احتمالاته.
غير أن إبلاغ الأطباء بضرورة إجراء عملية زرع نخاع العظم بتبرع أحد من أفراد عائلته، قلبت المعادلة وحصرت المرض في زاوية ضيّقة، وزادت الآمال بشفاء المريض، وتجاوزه مرحلة الخطورة.
طفلة
وقع الاختيار للتبرع بنخاع العظم على شقيقة سالم الصغرى ندى المولودة في 2011 من بين جميع أفراد العائلة المكونة من 3 بنات، و5 أولاد، إضافةً الى الوالدين، تقول الفتاة الصغيرة: لم أعرف ماذا كان يعني الموت، أو الخوف، أو القلق، أو الألم، فقط كنتُ أعرف أن حياة أخي تعتمد على ما أقوم به أنا، وتستطرد بحديثها “دخلتُ صالة العمليات وأنا مبتسمة، لأن أخي لن يرحل، ولن يبتعد عنّا، هكذا أبلغني الأطباء”.
عاد سليمان إلى بلده في مارس/آذار 2019 بعد أن أكمل جميع مراحل العلاج الكيميائية، وعملية زرع النخاع، ورغم تلك الفرحة التي غمرته بنبأ قرب انتصاره على المرض، فإن الحزن خيّم عليه لفقدانه عاما دراسيا كاملا من حياته، لكن الإصرار دفعه أثناء تلقيه العلاج في الهند للاستمرار بدراسة المنهاج الدراسي وكتابة القوانين الفيزيائية والكيميائية على سيراميك المستشفى بدلاً من الورق.
يتذكر سليمان ذلك ويقول “كان الوجع يتغلل في أجزاء جسمي دون أن تأخذه الرأفة أو العطف بشاب نحيل مثلي أهلكته سنواتٌ عجاف من الهجرة والفقر والتنقل بين مخيمات النزوح، لكن عندما كنت أتذكر طموحي بدخول كلية الطب، والمساهمة في شفاء المرضى ومعالجتهم، كنتُ أنسى كل الآلام”. هكذا يقول عن تلك اللحظات التي لا تختلفُ عن سكرات الموت أبدا بالنسبة لمن في مثل حالته.
انتصاران
حقّق الشاب العراقي انتصارين ساحقين على السرطان، الأول بالشفاء منه، وخلو جسمه من أي بصمة للمرض الخبيث، باستثناء بعض الأعراض الجانبية التي ما زالت تزاحمه بين حينٍ وآخر مثل تساقط الشعر والنّحول وغيرهما التي ستنتهي بمرور الوقت، والثاني بحصوله على معدل 96.5% في امتحانات الثانوية في العام الدراسي 2019-2020، ليضاف إلى معدله 5 درجات أخرى لكونه من “عوائل الشهداء”، ليصبح معدله النهائي 101.5%، مؤهلا إياه لدخول كلية الطب العام، والجلوس على مقاعد الدراسة مع بقية أقرانه، محققا بذلك هدفه الأسمى منذ طفولته.
ما زالت ذاكرة سليمان تحتفظ بالعديد من المواقف واللحظات الجميلة والحزينة على حد سواء، أكثرها سعادة بالنسبة له كما يقول للجزيرة نت إهداءه سماعة الفحص الطبي من طبيبه الهندي الذي أشرف على مراحل علاجه قائلا له بعد كشفه طموحه بدخول كلية الطب والتخصص بهذا المجال، “أتمنى أن تدرس الطب وتعالج جميع المرض في بلدك والعالم”.
السماعة المهداة لسالم من الطبيب الهندي الذي أشرف على علاجه (الجزيرة)
يُخاطب سليمان جميع من هم بمثل عمره بعدم الاستسلام أمام رياح المصاعب والمآسي التي تواجههم في حياتهم، فبالإصرار والعزيمة والثبات والصمود، تُهزم كل المراحل المظلمة.
وختم حديثه للجزيرة نت بمناشدة رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ووزارة الصحة العراقية بالتدخل لمساعدته ماديا كونه يواجه ظروفا صعبة، ويحتاج إلى مصاريف هائلة لاستكمال العلاج، والاستمرار بدراسة الطب.
صلاح حسن بابان