ميليشيات معروفة تقف وراء تلك الهجمات
استهدفت 3 تفجيرات منفصلة، يوم الاثنين، محال لبيع المشروبات الكحولية في العاصمة العراقية بغداد ، لتعيد سيناريو استهداف محال بيع المشروبات الكحولية والنوادي الليلة في بغداد الى الواجهة وبقوة ، بفصل جديد من الفوضى التي تسببها مليشيات مسلحة تسرح وتمرح في العاصمة ومعظمها مدعومة ايرانياً.
وتحت حجة حرمة هذه التجارة تضغط تلك المليشيات على أصحاب المحال لجمع إتاوات منهم أو تفجير تلك المحال التجارية ، الأمر الذي أثار مخاوف المدنيين الذين يعيشون بالقرب من هذه المحال.
ومنذ بداية العام الحالي، وقع أكثر من 13 تفجيرا نفذ أغلبها بعبوات ناسفة محلية الصنع، وزجاجات مولوتوف، راح ضحيتها العديد من العراقيين، وأحدثها ما وقع، يوم الإثنين، من تفجيرات منفصلة، استهدفت 3 محال لبيع المشروبات الروحية بمناطق متفرقة من بغداد أسفرت عن جرح مدنيين والتسبب بأضرار مادية.
واستهدف التفجير الأول محلاً للمشروبات الروحية في ساحة الأندلس وسط بغداد، وآخر قرب نفق الشرطة غربي العاصمة، وثالثا بمنطقة السيدية، بحسب مصدر أمني .
وغالباً ما تتم تلك الهجمات خلال ساعات متأخرة من الليل، وتتركز أغلبها في مناطق الكرادة وسط العاصمة بغداد التي تكثر فيها محال بيع الخمور والنوادي الليلية.
ويشعر أصحاب محلات المشروبات الكحولية في بغداد بالخوف والقلق بعد سلسلة الهجمات الجديدة التي تعرضوا لها من قبل ميليشيات تتبنى خطاباً دينياً متشدداً. وتُستهدف هذه المحال تحت عنوان “النهي عن المنكر”. لكن قد تكون هناك أسباب أخرى للهجمات.
ومع تكرار الهجمات ووقوع ضحايا أبرياء، نظم سكان العديد من مناطق بغداد مظاهرات تطالب بإبعاد محال المشروبات الروحية والنوادي الليلية عن منازلهم.
وقال علي السامرائي، أحد القاطنين قرب تمثال كهرمانة الشهير بمنطقة الكرادة، إن “الأهالي وبخاصة الأطفال يتعرضون لإصابات خطيرة جراء هذه التفجيرات”.
وأشار إلى أن هنالك جماعات وميليشيات معروفة تقف وراء تلك الهجمات لإرغام أصحاب المحلات والنوادي على دفع الإتاوات التي يطلبونها.
وكشفت مصادر مطلعة النقاب عن أن ميليشيات مسلحة تفرض إتاوات على مستوردي المشروبات الكحولية وأصحاب محال بيعها، والنوادي الليلة مقابل توفير الحماية لهم.
وقال صاحب أحد محال بيع المشروبات الروحية في منطقة الغدير شرق بغداد ، رفض الكشف عن اسمه، إن هناك سياقا متفقا عليه مع بقية من المحال الأخرى بتقديم المال أسبوعيا إلى الميليشيات، ومن يمتنع سيكون مصيره التصفية الجسدية أحيانا.
وبشأن التفجيرات الأخيرة التي تصاعدت مؤخراً، يلفت الرجل إلى أن تصاعد الهجمات يرتبط بتأزم الظروف الاقتصادية، وتجفيف منابع التمويل التي تغذي المليشيات مما يدفعهم لتكثيف الضغوط على أصحاب محال الخمور .
ويؤكد أن المقابل المالي الذي تحصل عليها الفصائل المسلحة تصل لأكثر من 500 ألف دولار شهرياً.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن هنالك تقاسما بين أكثر من جهة مسلحة لمناطق الكحوليات في بغداد، وتقع مهام سلطات كل المجاميع عند حدود معينة، بحيث لا يحق لها محاسبة أو فرض الإتاوات على محال غير خاضعة لمسؤولياتها.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تزايد استهداف محال المشروبات الكحولية في العاصمة بشكل كبير. وبحسب إحصائية، وصلت عدد التفجيرات إلى نحو 23 في العاصمة بغداد.
وظهر فصيل مسلح يسمى جماعة “أهل المعروف”، تبنى أكثر من تفجير تطال محال المشروبات الروحية من بينها تفجيران في منطقتي الأعظمية وباب المعظم وقعا في يوم واحد قبل بضعة أيام.
كما تبنت ميليشيات شيعية اخرى منها ” أصحاب القرى وأهل الكهف وربع الله” هذه الهجمات التي باتت تنشر تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي وتتباهى بها، مؤكدة أنها تقوم بتطبيق “الشريعة الإسلامية”.
وبالإضافة الى الأتاوات ، فقد أشار تجار إلى المنافسة والابتزاز بينما عبّر آخرون عن مخاوف من أن يكون الغرض الرئيس تغيير واقع بغداد الليبرالي تاريخياً، وكذلك استهداف الوجود المسيحي في مدينة لطالما عُرفت بانفتاحها واختلاطها.
ويقول أحد رجال الأعمال ، مفضلاً عدم الكشف عن هويته ، إن “تجار المشروبات الكحولية يتعرضون إلى حرب ابتزاز من نوع خاص لوقف بيع تلك المشروبات”. وأضاف “تعرضنا إلى شتى أعمال التهريب والقتل والاختطاف واستهداف الشاحنات خلال السنوات الماضية، لكننا لا نزال نقاوم للحفاظ على وجه بغداد الليبرالي”.
لا تصدر الحكومة العراقية تعليقاً على هذه الهجمات وتلتزم الصمت في أغلب الأحيان. لكن بعد تصاعد الموجة الأخيرة وظهور جماعات باتت تصدر تهديدات بشكل علني، نُشرت قوات من الجيش والشرطة في محيط هذه المحال لحمايتها، إضافة إلى غلق الملاهي الليلية لإبعادها عن أي أعمال من هذه المجموعات.
وتعود أغلب هذه المحال إلى الأقليات المسيحية والإيزيدية التي باتت أعدادها تنخفض بشكل ملفت نتيجة الهجرة خلال 17 سنة، منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين وبدء تصاعد سطوة الأحزاب الدينية والمتشددة.
من جهة أخرى، أعلنت وكالة الاستخبارات عملية أمنية لإغلاق القاعات والنوادي الليلية والمحلات الخاصة ببيع المشروبات الكحولية غير المجازة، أسفرت عن إغلاق 91 من هذه الأماكن في مناطق متفرقة من بغداد.
وتمنع السلطات المحلية تجارة الخمور في مناطق جنوب العراق وتصادر المشروبات الكحولية عند نقاط التفتيش مما سمح بتزايد استهلاك المخدرات، بحسب مصادر مسؤولة محلية في عدد من هذه المناطق.
وذكر أصحاب محال إيزيديون ومسيحيون أن بعض التجار المسلمين دخلوا على خط المنافسة في هذا العمل المصرح به رسمياً فقط لتلك الأقليتين بشكل قانوني، لكن محالهم لم تُستهدف في الآونة الأخيرة، مما يوحي بأن المنافسة قد تكون أحد أسباب الهجمات.
هذا فيما اتهم قيادي رفيع المستوى في إحدى الميليشيات المسلحة ، بعض الضباط في القوات الأمنية بالوقوف وراء الابتزاز وحماية هذه المصالح، مقابل إرغامها على الدفع بشكل شهري مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات.
وغالباً ما تتجنب سلطات بغداد الأمنية المنهكة بعد سنوات من التفجيرات والصراعات المذهبية، الاحتكاك مع مسلحي الجماعات الشيعية المتشددة المدججين بالأسلحة. وليس أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية وحدهم من يخشون التفجيرات.