بقي حسن .هـ، يلح على أسعد الركابي عاما كاملا ليقنعه بـ”الاستثمار” في “شركة” استثمارات مالية قال إنها تستثمر في بورصة Nasdaq الأميركية، وتمتلك أسهما في شركات عالمية للاتصالات والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي.
في النهاية اقتنع أسعد وحصل على شهادة تشير إلى أنه امتلك عدة آلاف من أسهم شركة Apple الأميركية مقابل مبلغ 11 ألف دولار أعطاها لحسن.
وبعد استلامه دفعة أولى من “الأرباح” بمبلغ 600 دولار، أقنع أسعد أقارب له بالاستثمار في الشركة التي يطلق أصحابها عليها اسم Unique Finance، فأصبحوا جميعا ملاكا لأسهم في شركة Apple الأميركية، وشركات أخرى من بينها Facebook وكتربرلر ورولزرايس وبي أم دبليو، أو هكذا اعتقدوا على الأقل، مقابل مبالغ وصل مجموعها إلى 33 ألف دولار.
توقف “الاستثمار” بعدها بسبب “سرقة جهاز كومبيوتر” تابع لحسن.
بعد عام من كل هذا، اكتشف أسعد أنه وعددا من أقربائه كانوا ضحية خدعة كبيرة وقع فيها آلاف الأشخاص من العراقيين، وبلغت قيمة المبالغ التي حصل عليها “النصابون” منهم، نحو 950 مليون دولار، بحسب تصريحات للنائبة في البرلمان العراقي عالية نصيف.
ومثل أسعد، شارك “أبو بتول المالكي” بمدخراته التي جمعها طوال سنوات وحصل على شهادة تقول إنه أصبح يمتلك الآن أكثر من 75 ألف سهم في شركة Apple.
وقتها كان سعر سهم الشركة 61 دولار، أي أن قيمة أسهم أبو بتول كان يفترض أن تكون أكثر من 4.5 مليون دولار.
لكن أبو بتول دفع 17 ألف دولار فقط، مقابل هذه الأسهم، وبالتأكيد بدت هذه صفقة رابحة خاصة حينما استلم 1200 دولار أرباحا بعدها بشهر.
وقال أبو بتول لموقع “الحرة” إن الشخص الذي أخذ أمواله جمع أكثر من 400 ألف دولار من أقاربه ومعارفه وجيرانه لاستثمارها، قبل أن تختفي كل هذه الأموال وجامعوها.
يعيش أبو بتول في ميسان جنوبي العراق، وهذه المبالغ قد تكون كافية لإشعال حرب عشائرية، بحسب قوله.
“هو من أقاربي، وقد نصب على أقارب وجيران آخرين، وهناك من يريد أن يأخذ أطفاله الآن رهائن مقابل إعادته للمبالغ، الدماء قد تسيل بسبب هذه الأموال”.
التسلسل الهرمي
يسمى الشخص الذي يجمع الأموال بـ”Leader”، ويحصل على 10 بالمئة من المبالغ التي يجمعها، بحسب الضحايا الذين تحدثوا لموقع “الحرة”
وفي حال تمكن الليدر من جمع 600 ألف دولار، سيصبح “ليدر ذهبي” ويمنح مبلغ 100 ألف دولار هدية، بحسب هؤلاء الضحايا.
وطريقة احتساب المبالغ هرمية، أي أن الليدر يأخذ نسبة من أموال أي شخص “يجنده” ونسبة من أموال من يجنده المجندون أيضا.
لكن حسن. هـ. يقول إنه ليس “ليدر”، وأنه “لم يدخل في الشركة سوى أربعة أو خمسة أشخاص”.
ويقول حسن إن “الليدر عادة هو من يجلب 100 مستثمر أو أكثر”، مؤكدا “أنا لم أجلب سوى شخصين أو ثلاثة”.
ويعترف حسن بأن الشركة تعمل بطريقة “التسويق الشبكي”، مضيفا “أنا لا أستلم الأموال بيدي، وإنما آخذها إلى الشخص الأعلى مني، ونقوم بإعطاء المستثمر كارتا فيه معلومات حساب على موقع الشركة”.
يفتح الكارت الظاهر في الصورة أدناه، بحسب الضحايا، محفظة استثمارية في موقع شركة يونيك فاينانس، يظهر فيه أن المشترك يمتلك عددا من الأسهم.
وبحسب حسن، فإن الحساب يوفر طريقة لنقل الأرباح إلى أموال عبر شركات صرافة أو شركة ماستر كارد أو شركات الاتصالات المحلية العراقية مثل آسيا سيل.
وخلال المكالمة، سلم حسن الهاتف إلى “الشخص الأعلى منه” والذي عرف نفسه لموقع “الحرة” باسم “محمد المشهداني”.
يقول “محمد” إن “دوره ينحصر بتعريف المستثمرين على فكرة العمل”، مضيفا “يسألني الناس عن عملي لأن العراقيين لديهم فضول بكل شيء”.
ويتابع محمد أن عمله هو “مستثمر” في الشركة، وأنه استثمر مبلغ “1000” دولار، ثم بدأ بإدخال الناس إلى الشركة مقابل عشرة بالمئة من قيمة الاستثمارات التي يجلبها.
وتمنح الشركة، بحسب محمد، “المستثمرين” عقودا إلكترونية تذكر فيها عدد الأسهم التي يمتلكها المستثمر وتحدد نسبة 6-8 بالمئة شهريا من قيمة الاستثمار كأرباح.
ويحمل محمد المشتركين مسؤولية “قرار الاستثمار”، وتحمل “المخاطرة”.
لكن محمد لم يشرح السبب وراء تفاوت أسعار “أسهم شركة ىبل”، ورفض اعتبار نفسه مشاركا في عملية الاحتيال.
كما امتنع عن شرح سبب امتناع الشركة عن صرف أرباح، خاصة وأن أسهم الشركات التي قال إن الشركة تتوسط لشرائها وهمية ولا أساس لها.
أكبر عملية احتيال بتاريخ العراق
ويقول الصحفي العراقي أحمد حسين إن “هذه قد تكون أكبر عملية احتيال منظمة في تاريخ العراق”.
ويضيف حسين “من يسمون بالليدرية هم أما ضحايا مثل من يسمون بالمستثمرين، أو محتالون صغار وفي الحالتين فإن الأرباح الكبيرة التي وعدوا بها هي السبب بتورطهم”.
“هم من بقي في وجه المدفع” يقول حسين الذي أشار إلى أن المتهم الرئيسي، الذي يحمل اسم فوزي درغلي، هارب خارج العراق، وهو يمتلك مجموعة تثير الإشاعات بوفاته ساعة أو اعتقاله ساعة أخرى.
وليست هذه عملية الاحتيال الأولى بهذه الطريقة في العراق، بحسب حسين، إذ إن “خدعة بونزي” المعروفة عالميا، عرفها العراق منذ بداية التسعينيات، لكن هذه العملية قد تكون الأكبر “في كل الحالات، حينما تكون الظروف الاقتصادية العامة على وشك الانهيار، تظهر أمثال هذه الخدع”.
وبحسب حسين الذي يراقب نشاطات “الشركة” فإنها استخدمت وسائل إقناع فعالة للاحتيال على البسطاء، وقامت بإقامة حفلات لمندوبيها “الليدرية” في تركيا والإمارات، كما إن صرفها بطاقات ائتمان وشهادات زاهية الألوان جعل عملية الخداع أكثر قابلية للتصديق.
وحذرت هيئة الأوراق المالية العراقية من نشاطات الشركة العام الماضي، لكن مندوبي الشركة دافعوا عنها بضراوة، بحسب “ز. الساعدي” وهي زوجة “مستثمر”.
ورفضت الساعدي الكشف عن اسمها، لكنها قالت إنها من بغداد، وأن زوجها أعطى جاره “الليدر” مبلغ 290 ألف دولار أميركي للاستثمار فيها.
“جئنا متأخرين، فلم نحظ ولا بدولار واحد كأرباح،” تقول الساعدي، مضيفة “سقط زوجي طريح المرض والفراش لشهر بعد هروب جارنا أحمد، الليدر”.
الساعدي كانت خائفة من “الفضيحة” ومن أن “يضحك عليها الناس” ففضلت السكوت وعدم إخبار أحد.
ومثل الساعدي، رفض “مستثمر آخر” الكشف عن اسمه، مؤكدا أن “الدم سيسيل إن علمت عشيرته أن أحدا احتال عليه”.
وفضل “أبو علي” وهي كنية الضحية السكوت، وخسارة 10 آلاف دولار استثمرها مع الشركة، و30 ألف دولار استثمر بها أقارب له بعد نصيحته.
“أنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحينما سمعت إن من الممكن تحقيق أرباح شهرية لتسديد الإيجار شعرت كأنني مدفوع دفعا للمشاركة في هذه العملية، لكن لا أريد أن أقول لأحد أنني اشتركت”.
ويضيف ضاحكا بمرارة “أخذوا مني 10 آلاف دولار ولكنها لم تكن كافية كما يبدو، فأخذوا مني مبلغ 120 دولار إضافية لإصدار بطاقة ماستر كارد، وأنا كنت أدفع لهم ما يريدون بدون تساؤل”.
ويقول المحامي أحمد الكناني إن عدم إخبار أحد هو أفضل ما يأمل به المحتالون.
ويضيف الكناني لموقع “الحرة” إن “طريقة تعدد الوكلاء سمحت بتعقيد الموضوع، وبالتالي سيفلت كثيرون من العقاب، وقد تتم معاقبة الوكلاء الصغار فقط”.
وبحسب الكناني فإن “من غير الممكن ألا يكون هناك فساد إداري كبير مرتبط بهذه العملية، لإن من غير المكن تحويل هذه الكميات من الأموال إلى الخارج بدون وجود فساد”.
ويفرض البنك المركزي العراقي توفير إثباتات بوجود نشاطات تجارية شرعية قبل السماح بتحويل الأموال إلى خارج العراق.
وتستقبل الداخلين على موقع الشركة على الإنترنت رسالة تقول “لماذا يجب أن تثقوا بنا؟”، وتجيب الرسالة “عشرون عاما من العمل أثبتنا بها أننا أهل للثقة”.
ومع إن المشتركين والوكلاء الذين تحدث معهم موقع الحرة، يقولون إن الشركة “سويسرية المنشأ” إلا أن دليل الشركات السويسرية لا يحتوي على اسمها، ولا يحتوي موقعها على عنوان، كما إن منفذ الاتصال بالشركة معطل.
وقبل أيام، تعطل منفذ دخول المشتركين العراقيين إلى “محافظهم الاستثمارية”، لكن منفذا “للمشتركين الدوليين” ما يزال يعمل.
وعلى مجاميع “تلغرام وواتسآب” التي أقامها الضحايا لمتابعة قضيتهم، نشرت أرقام هواتف لكبار الوكلاء، وأرقام فوزي درغلي وموقع منزله في تركيا.
وحاول موقع “الحرة” الاتصال بكل هؤلاء، لكن أغلب أرقام الهاتف كانت خارج الخدمة أو لا يتم الرد عليها.
كما اكتشف موقع “الحرة” حسابا باللغة الفارسية للشركة على موقع تويتر، وعددا من الشكاوى من إن هذه الشركة وهمية وتستخدم لسرقة الأموال من خلال “خدعة بونزي”، وهي نفس الطريقة التي يعمل بها الفرع العراقي.
بزرگترین ضربه رو تو این شرایط (کلاه برداری های #پانزی) تبلیغات بی سروسامون و بی دروپیکر رسانه ها و شبکه های اجتماعی به مردم و کشور میزنه
— Omid Alavi (@OMIDSHINOBI) January 19, 2021
ويوصلك الحساب الفارسي إلى “بوت” على تليغرام، يطلب معلومات مشابهة للمعلومات التي يطلبها “الفرع العراقي للشركة” مثل رقم Expert ورقم الحساب وغيرها.
ويقول الصحفي أحمد حسين “لا يمكن أن يكون كل هذا الجهد فرديا قام به فوزي درغلي، هذا جهد احتيالي منسق قد تكون هناك دول واقفة وراءه”.