إن الحديث حول طبيعة الإنسان كان موضع نقاش منذ ان بدأ الإنسان يدفن موتاه وبالأخص بعد التنقل من عصر الصيد والرعي والانتقال من مكان الى أخر الى عصر الزراعة والاستقرار وهي بداية التفكير بمصير الروح وتأثير القوة الخفية على حياة الإنسان وعبادة عناصر الطبيعة.
من خلال جمهوريته يخبرنا افلاطون بأن مصادر تصرفاتنا هي الرغبة والعاطفة والمعرفة مضيفاً بأن الشر هو الطبع الكامن لدى بعض الناس نتيجة تأثير الجسد على الروح، ومن خلال مناقشة سقراط في جمهورية افلاطون يؤكد بأن الإنسان يتصرف بشكل جيد حينما تكون في مصلحته وانهم يتصرفون بشكل لائق خوفاً من عقوبة القانون كما ان الشر جزء من الطبيعة البشرية وبالأخص الجاهلين منهم. وكان سقراط اول من اتبع الأسلوب الاستكشافي إذ لم يكن يملي على الأخرين فكراً معيناً ولا يزودهم بإجابات جاهزة لكنه كان يمكن طلبته بصناعة الفكرة لوحدهم كما انه اعتبر الجهل مصدر الشر. أما أرسطو فصحح الكثير من أفكار أستاذه افلاطون حول طبيعة الإنسان الذي يسعى للسعادة طوال عمره ويؤكد ارسطو بأن كل فعل يقوم به الإنسان يهدف لتحقيق السعادة والتي تتضمن الخير. فالسعادة عند ارسطو تعني الفضيلة وبأن الفرد يفتخر بعائلته وهو كائن اجتماعي بطبعه. أما الأديان الإبراهيمية فتعتبر الشر جزء من الطبيعة البشرية، ففي الإنسان تكتمن الاثنان وهما الخير والشر وهما في صراع دائم وهو صراع بين الجسد والروح وقد سبقتهم الزرادشتية بتصنيفهما في صراع دائم بين أهورا مزدا اله الخير وأهرمين اله الشر. أما أليزيدية فقد تبنت مبدأ التصوف في هذا الموضوع بأن طبيعة الإنسان هي مرآة للطبيعة الكونية والقوتان في صراع مستمر والجانب الذي تهتم به سينتصر بالنهاية كما تعتقد بإن لا يجوز لله ان يخلق قوة تساويه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه وهو مبدأ صوفي متميز تبناه الأيزيديون لتوافقه مع طبيعة الشمس كضوء لمن يهتدي به ونار لمن يخافه ولازال الآيزيديون يتجهون للشمس عند أداء صلاتهم.
في القرن السابع عشر الميلادي يؤكد توماس هوبز (1588 – 1679) بأن الإنسان يولد انانياً ويعمل دائماً لمصلحته الخاصة والتخلص من هذه الأنانية ليست بواسطة قوة الهية بل عن طريق عقد اجتماعي بين الدولة والمواطنين للتخلص من انانية الفرد ومنع طغيان الفوضى. ومن الفلاسفة اللذين وضعوا أساس افكارنا الحديثة عن ماهية طبيعة الإنسان وطرق معالجتها هم فلاسفة نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، ففي هذه الفترة ازدادت مواضيع البحث التي كانت تتمحور حول طبيعة الأنسان ومنهم ديكارت، سبينوزا، لوك، هيوم، فولتير، جان جاك روسو، عمانويل كانت وشوبنهاور. هؤلاء الفلاسفة كانوا ينتمون الى مدارس معرفية مختلفة منها العقلانية والاخرى التجريبية وقسم منهم يأمنون بأن الرشد مصدر كل شي وبالأخص جون لوك وجان جاك روسو، فالعقلانية تعتبر معيار الحقيقة فيها فكرياً وليس حسياً فالعقل عندهم مصدر رئيسي للمعرفة واعتقدوا بأن الإنسان يولد حاملاً معه عنصر الخير لصالحه وللآخرين وانه اجتماعي بالطبع والبقية من اتباع المدرسة التجريبية أمثال فرنسيس بيكون والتي تؤمن بأن كامل المعرفة الإنسانية تأتي بشكل رئيسي عن طريق الحواس والخبرة، فهؤلاء العلماء ومن ضمنهم سيغموند فرويد (1856 – 1939) الذي كان يعتقد بان الإنسان يولد كلوحة بيضاء Tabula Rasa يمكن إضافة المعلومات بدون قواعد.
أما فلاسفة القرن التاسع عشر والعشرين أمثال هيغل وكارل ماركس ونيتشه وبرتراند رسل وجان بول سارتر والبير كامو كانوا اكثرهم يؤمن بان الحياة هي تفاعل وصراع دائم بين الشي وضده أي بين الخير والشر وسماه هيغل ديالكتيك. أما كارل ماركس فقد اعتبر ان الطبيعة البشرية هي عبارة عن ميول وغرائز ودوافع تعمل باستمرار من اجل تلبية احتياجاته. أما جان بول سارتر فقد اعتبر الإنسان المسؤول الأول عن تحديد قيمه ومقاييس الحق والباطل والخير والمبادئ الجمالية.
أما علماء النفس في القرن العشرين ومنهم جان بياجيه (1896 – 1980) اعتقد في نظريته التطور المعرفي بأن لمرحلة الطفولة دوراً حيوياً وفاعلاً في تنمية الشخص.
منذ الأزل حاول الفلاسفة إيجاد حل لطبيعة للتناقضات البشرية كجمهورية افلاطون وما تبعها من اليوتوبيا لكن تطبيقها على ارض الواقع بقى كنظرية فقط من المستحيل تطبيقها وبما ان مبدئي الخير والشر، الليل والظلام، الضحك والبكاء يعيشان جنباً الى جنب فالحل هو التصالح مع كل تناقضات الحياة وإيجاد توازن بين الخير والشر بكل تناقضاتهما بعد الاعتراف بهما كواقع يعيشان جنباً الى جنب
د. ممو فرحان عثمان
معهد دراسات العلاج النفسي وعلاج الصدمة
دهوك، 24/1/2021
تحية طيبة
ناهيك عن المصلحة و التفاعل اللذان يأتيان بعد الولادة, نحن نتكلم عما قبل الولادة , الإنسان وكل المخلوقات الحية تولد بصفحتين للمعلومات ( صفحة الذكاء وصفحة الغرائز) إحداها تكمل الأخرى بحيث أن مجموعهما يكفي لإدامة المخلوق كفرد وجنس في الحياة وإلا فسينقرض, وكلما كانت غرائزه قليلة فيجب أن يكون ذكاؤه أكبر لسد النقص بكسب الخبرات, والعكس صحيح , فالحشرة التي تمتلك كماً هائلاً من الغرائز عبر الكروموسومات لا تحتاج إلى ذكاءٍ كبير للإستمرار في الحياة , بينما طفل الإنسان تكفيه غريزة الرضاعة وحدها لكي يعيش ثم يكتسب بذكائه الخارق جميع الخبرات التي توفر له أسباب الحياة , هكذا فصفحة ذكاء الإنسان عند الولادة تكون بيضاء فارغة بينما صفحة الغرائز مليئة بما يكفي لبدء الحياة وشكراً
في البدايه تحيه طيبه لدكتورنا العزيز
طبعا يولد الطفل وذهنيته صفحه بيضاء خالي من كافه انواع المعلومات الفطريه
وكل ما يحصل عليه من المعلومات والخبرات هي مكتسبة عبر الاحاسيس عن طريق التجربه والبرهان .
اما بخصوص الخير والشر : فهي” تناقض ” حيث لا تاتي ظاهره الى الوجود الا وتحمل بذره فنائها في داخلها ولا يوجد ايه وحدة ماديه تخلو عن التناقض والتناقض هي اساس التطور فلا تطور بدون تصارع الأضداد ( التناقض) . تقبل تحياتي ومودتي