في مصر وإثناء حقبة التراجعات عن النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد وفاة جمال عبد الناصر ولا نريد الدخول في التفاصيل لكن أتذكر اسم للفساد اطلق تحت شعار شبح ” القطط السمان” وكان المعني الثلة من الأغنياء الجدد والقدماء الذين استغلوا عمليات الانفتاح الاقتصادي وراحوا ينهبون اليابس والاخضر وفي المقدمة قطاع الدولة، فسمنوا حتى التخمة بينما خلف الانفتاح الاقتصادي زيادة في الملايين من الساكنين المقابر من الفقراء والمحتاجين والعاطلين والمهاجرين من أجل لقمة العيش، ومثلما قلتُ أن التفاصيل معروفة للشعب المصري وقواه الوطنية الشريفة ، الوضع في العراق لا يقارن مع الوضع المصري حينذاك إلا بمقولة الفساد العام الذي أنتج بدوره ليس القطط السمان من البرجوازية الطفيلية والأغنياء القدماء فحسب بل شلة جديدة من ( الملتي ملياردير) التي كانت تعتمد على الموائد الخارجية، وحملت حملها من الحقائب الخفيفة وجاءت بواسطة الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري فتسنت لها الأوضاع بما فيها السلطة والنهج الطائفي والمحاصصة الى تسمين نفسها فأصبحت بدلاً من القطط السمان ومخالبها الاقتصادية العادية، ضباع ضخام بحقائب ثقيلة سافرت للخارج بأريحية واستقرت في بنوك ومصاريف وأسماء وهمية للدلالة، وبمخالب مسدسات كاتمة للصوت وبنادق اتوماتيكية ومدافع ورشاشات ودبابات ومدرعات وسيارات مظللة حديثة ومئات المرتزقة وحمل ثقيل يقدر بالمليارات، هذه الحالة هي الفجوة الأمنية الاولى والأخيرة لها مخاطر العودة والبقاء في المربع الأول من التفجيرات والخطف والاغتيالات الإرهابية من قبل المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش الإرهاب فالبلاد وما تحتويه من انقسامات سياسية ووجود تنظيمات وميليشيات مسلحة وسلاح غير محصور في يد الدولة وقاعدة فكرية واسعة كان المفروض معالجتها وفق أساليب عملية وعلمية لكي لا تستطيع المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية من استغلالها والاستفادة في وجود ظهير وقاعدة لتنظيم الخلايا والخلايا النائمة التي تنتظر الإشارة بالتحرك وإعادة نشاطها على شكل تدريجي، حكومة حيدر العبادي ومن بعده عادل عبد المهدي لم يفقهوا او رفضوا النصيحة بضرورة ملاحقة الإرهاب وقواعده الفكرية بالعمل الفكري التنويري لأن الانتصار العسكري لا يكفي ولن ينهي معضلة الإرهاب أو حصر السلاح بيد الدولة، وبمجرد رحيل حيدر العبادي وحكومته ومن ثم إقالة عادل عبد المهدي بعد الاحتجاجات الجماهيرية وانتفاضة تشرين 2019 فقد بدأت التحركات الإرهابية وتمدد الفصائل المسلحة بالوقوف ضد مصطفى الكاظمي الذي أعلن التحرك لحصر السلاح بيد الدولة، الى جانب الذهاب الى انتخابات نزيهة وعادلة مبكرة حسب تصريحاته في السادس من حزيران 2021 ، ونجد كلما اقترب موعد الانتخابات ازدادت المضادة من أجل التأجيل او ترحيل الموعد ليتسنى للبعض من القوى المتنفذه افشالها للحصول على مكاسب انتخابية تستطيع من خلالها الهيمنة وتسيير الأمور حسبما تريد.
قبل التأجيل كثر الجدل في تلك الأيام حول إجراء أو عدم إجراء الانتخابات العراقية، فقد ذُكر في البداية تاريخ السادس من حزيران المقبل موعدًا للانتخابات المبكرة، إلا أن التاريخ المذكور بقي محط تجاذب ونقاش ما بين اتجاهين.
1 ـــ : القوى السياسية المستفيدة والمتنفذة التي بقت تتصدر المشهد السياسي بواسطة استغلالها في تزوير الانتخابات وباقي التجاوزات مما جعلها تتحكم بالعملية السياسية وتستغل وجودها في هرم السلطة السياسية لحماية الفساد المالي والاداري، هذه القوى السياسية الدينية تراهن على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه ليتسنى لها الاستمرار بدون أي تغييرات جوهرية بل عبارة عن تغييرات شكلية لا تمس جوهر الفساد والهيمنة وفق منهج المحاصصة الطائفية التي تسببت في الكارثة المدمرة التي تحيط بالبلاد، وهذه القوى ليست الوحيدة القادرة على التحكم والسيطرة بل الى جانبها الفصائل المسلحة التابعة والميليشيات الطائفية المدعوم اكثرها من قوى خارجية
2 ـــ: القوى السياسية الوطنية والديمقراطية وانتفاضة تشرين وجميع الذين لهم مصلحة في تنفيذ انتخابات تشريعية عادلة ونزيهة لإحداث إجراءات ذات هدف وطني للتخلص من نهج المحاصصة والفساد وحصر السلاح بيد الدولة.
واشار لها في هذا المضمار رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ” ان القوى والتيارات ” تدرك جيداً أن ثمة مستلزمات اساسية لهذه الانتخابات يجب العمل وممارسة الضغط من أجل توفيرها لكي تنهض بالدور المنشود؛ اهمها تأمين منظومة انتخابية عادلة ونزيهة حقا، وتشمل المنظومة قانون الانتخابات ومفوضية انتخابات مستقلة فعلا”.
على ما يظهر إن الاتجاه الأول استطاع التأثير للتمديد على الرغم من الإصرار في البداية على السادس من حزيران من قبل مصطفى الكاظمي وقد غير موقفه الذي كان يعلنه ” قدرة حكومته على تأمين انتخابات مبكرة بخطط عسكرية وأمنية” وتأكيدات أخرى بالالتزام حول موعد للانتخابات المبكرة، تأكيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي “وجاء هذا الموعد إيفاءً بتعهداتنا بإجراء الانتخابات خلال عام من تولينا المسؤولية” في السابع من مايو أيار 2020 ” كل تلك التأكيدات والتعهدات ذهبت ادراج الرياح عندما صرح مصطفى الكاظمي لاحقاً بتأجيل موعد الانتخابات حسب قوله ” للحاجة ” للتمديد من أجل مواعيد الترشيح وإعطاء ” وقت أطول لاستكمال جدول العملية وضمان انتخابات حرّة ونزيهةً وعادلة” وسط هذا الزخم من الصراع والتناقضات حول إجراء الانتخابات وبروز قناعات بأن التأجيل سيلحق الضرر بعملية التغيير والإصلاح يطل برأسه نوري المالكي من أجل تحقيق حلم العودة واستحصال موقع رئيس الوزراء من جديد بمغازلة رئيس الولايات المتحدة الامريكية جو بايدن الصديق ولا نعرف كيف سيكون حل المعضلة ما بين التوافق بين التأييد لجانبين متناقضين أمريكا وايران في آن واحد. في الوقت نفسه تدخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على خط الصراع فيعلن مصدر رفيع المستوى فيها الخميس 21 / 1 / 2021 ” إن الانتخابات تأجلت لأسباب وصفها بالسياسية والفنية” لتنضم للتصريح أعلاه النائب ألماس فاضل عضو اللجنة القانونية النيابية ” ان الانتخابات تأجلت لأسباب وصفتها باللوجستية” وهنا تعني عدم إمكانية المفوضية إتمام الإجراءات الانتخابية مرجحة ترحيلها الى الشهر أكتوبر 2021 ، الانكى من كل ذلك ما كشفه كاظم الصيادي النائب المستقل يوم الجمعة 22 / 1 / 2021 عن وجود اتفاق سياسي جديد وعن التوافق في الدولة العراقية ومحاصصة تحت طائلة من الصفقات السياسية ايضاً وهي عبارة عن تسويف المطالب الجماهيرية وحجة عدم جاهزية المفوضية وبهذا وجود عدم رغبة الكتل السياسية وهي اتفقت ” على إجراء الانتخابات في منتصف 2022، بينما مجلس الوزراء قد حدد موعداً جديد هو الشهر العاشر تشرين الأول 2021 موعداً جديداً لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وبهذا حسم الجدل. اذن نجحت القوى المتنفذة في التأجيل الذي كان هدفاً بارزاً من مخططاتها لكي تتسلح تماماً بتبويش المطالب الجماهيرية بما فيها انتفاضة تشرين وعدم تحقيقها بشكل يتلاءم مع عملية الإصلاح والتغيير نحو انتخابات نزيهة وعادلة تنتج سلطة تشريعية تتمكن من تشريع القوانين التي تساهم في إقامة الدولة المدنية وتساهم في حصر السلاح وملاحقة ضباع الفساد في الدولة، أن البقاء على القديم الذي يراد بموجبه خوض الانتخابات في أجواء تناسب البعض من القوى المتنفذة، وبما ان الشكوك تحيط اساساً بمستلزمات الانتخابات والذي قال عنها رائد فهمي انها ” ليست متوفرة حاليا بدرجة تضمن نزاهة وعدالة الانتخابات القادمة” فنحن لم نأت من فراغ عندما اشرنا في مقال سابق وبالتفصيل وقبل أي حديث عن التأجيل ” شبح تأجيل الانتخابات يطرق الأبواب”.
هذا هو الشبح أيها السادة! لا يحتاج الى براهين وأدلة لأن الرجل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إذا كانت نيته حسنة! سوف يخضع ليس للشبح فحسب بل لأشباح موجودة في القوى المتنفذة وقوى ترتبط بقوى خارجية، هذه المنظومة المعقدة الشبحية العلنية في الوقت ذاته المتمكنة بإمكانيات مالية هائلة ودعم خارجي معروف لن تسلم راية الفساد وإقامة انتخابات عادلة ونزيهة إلا على جثثها السياسية وهو أمر بالغ الصعوبة يحتاج الى مستلزمات وطنية كبيرة.