براعة في فن السرد وتقنياته في تسليط الصورة على الواقع الاجتماعي , بمفرداته الظاهرة والباطنة , في براعة الكشف الرصين والهادف , بالفهم العميق لتفاصيل الواقع الاجتماعي . في النظرة الراصدة في العمق , وفي الصياغة الواقعية للخيال المتخيل الفني في صياغة الحدث واغناءه بالتعبير الدال , بالمواضيع والقضايا الحساسة , التي تحرك دفة الحياة الاجتماعية , في اطار السرد الفني وبراعته في الكشف الواضح . هناك مثل شائع يحمل وجاهة محترمة ف الرأي , يقول : لا يعرف عالم المرأة إلا المرأة , في الخبرة والتجربة والمعاناة , ومن هذا الانطباع تنطلق الكاتبة ( زهرة الظاهري ) من هذه الفرضية في عالم المرأة , لتصوغ موضوعاتها بالتناول بجوانب شتى ومتعددة بما يخص عالم المرأة ومحيطها المكون الداخلي والخارجي , في التناول والطرح بكل جرأة . بهذا الشكل جاءت المجموعة القصصية ( مواعيد آثمة ) , في دقة الرصد والملاحظة والنظرة الفاحصة لجوانب الحياة الاجتماعية . وكل نص سرد يملك خصوصية , في الموضوع والحدث , لتشكل المرأة المحور الاساسي من خلال ثلاثين نصاً قصصياً احتوتها المجموعة القصصية . تحمل حكايات سردية , وتحمل أثارة وشحن في نسيج الصياغة في السرد الشفاف والمشوق , وقد تطرقت الى مواضيع شتى . موضوعات . الحب وشجونه ومشاكله بين الحلم والطموح , بين البراءة والخيانة , بين الوفاء والتنصل . موضوعات الاغتراب الحياتي داخل المرأة . وكذلك قضايا الحب المحرم في تعاطي الدنس والرجس المحرم . كذلك مواضيع في غاية الاهتمام النفاق السياسي بالمتاجرة والمخادعة . يعني يمكن القول بأن المجموعة القصصية ( مواعيد آثمة ) تمثل بانوراما اجتماعية , تدور احداثه بصخب وضجيج الحواس بالمشاعر المرأة . ولكنها في النتيجة , تؤدي الى الاحباط والخيبة والانكسار . لابد أن نأخذ عينة من هذه البانوراما الاجتماعية :
1 – قصة ( مساحة الحلم ) : تعودت ان تطل من شرفتها في الوقت والموعد المحدد , لتطل على زواية معينة من الشارع , فتجده واقفاً يدخن سيجارته , ويتبادلا النظرات الصمت بينهما . ولكن فجأة اختفى عن وقفته المعهودة . وانطفئ ضجي الأمل بسرعة , كأنه حلم برق وتلاشى .
2- قصة ( رسالة أخطأت عنوانها ) :تبادلا الحب والعشق معاً, واصبحت هذ الكلمات طرية معتادة على الشفتين ( أعشقكِ ) و ( وكم احبكَ ) وكان يراهنا على حبهما بالصمود والبقاء . وكأمرأة عاشقة يأخذها الحلم في البعيد , بالحب المطرز بالازهار الموعودة . ولكن حينما هاجر ورحل , ترك حبه في سلة النسيان . ويبخل عليها حتى في ارسال رسالة واحدة .
3 – قصة ( رئيس الحزب ) كل اهتمامه منصب بمشاغله السياسية والحزبية . ول يعر أية اهمية الى البيت الاولاد الزوجة . مما يصبح البيت عبارة عن اغتراب كل واحد في مشاغله الخاصة وعالمه الخاص , منفصلاً عن الآخر , الاولاد في حواسيبهم وهواتفهم الذكية , الام في مشاغلها الخاصة الزينة والعطور والمواعيد النسائية , . كأنهم في بيوت منفصلة عن بعضها البعض . الزوج يبحث عن مركز سياسي وحزبي مرموق . الاولاد في مشاغلهم الخاصة , الام في مشاغلها الخاصة في ظل هذا الزيف الحياتي .
4 – قصة ( مواعيد آثمة ) حملت عنوان المجموعة : تشعر بوطئة الوحدة ووحشته على الحواس وضجيجها في البيت الزوجي , الزوج بعيداً عن الحنان وترف بالحب وتحول البيت عبارة عن اعلان وجبات الطعام يعدونها الطباخين في البيت العامر في امكانياته المادية والمالية الوفيرة , لكنه فقير جداً في امكانياته الروحية . تشعر بثقل هذا الواقع المؤلم وتراودها خواطر في كس اغلال هذا الطوق الثقيل والمرهق , بأن حياتها اصبحت منسية ضمن جدران البيت وتفكر بكسر هذا الطوق , في المضيء في طريق مواعيد أثمة . لانها وصلت ان تختار الموت افضل من الحياة التي تعيشها . لكن يؤنبها ضميرها في الاخلال بالوفاء الزوجي . وتشعر بالندم , وتسير مرفوعة الرأس رغم ضجيج الالم ونواح الحياة , فلم تفرط بالحب والوفاء .
5 – قصة ( خلف الابواب الموصدة ) : تتناول مسألة غاية الاهمية والحساسية ف واقعنا الاجتماعي . أفراد العائلة ( الاب والزوجة والابن والابنة ) في غرفة واحدة وعلى فراش واحد . زوجها مفتون بالشبق الجنسي , رغم معارضة زوجته , بأن تقول له دع الاولاد ينامون اولاً حتى لايسمعوننا , ولكن لم يرضخ لطلبها , مما تسمع الهمسات والاهات الجنسية يسمعها الاخ واخته . ويتحرك الاخ ليلتصق بشقيقته , في عممة وهمسات جنسية , ويلتقطها الاب هذه الحركات المريبة , وينتفض بعنف ويزيح غطاء الفراش , ليجدهما بالفعل المدنس .
6 – قصة ( الوطن ) : تمثل الازدواجية المنافقة والمزيفة بالتعامل السياس المخادع . يصدح في خطاباته الرنانة للوطن والنضال والشهادة والكبرياء الوطني , والايمان بقول الحق والعدل ليزهق الباطل . ويلهب الجموع الغفيرة بالحماس والتصفيق الحار على اناشيد الوطن المفدى . ولكن هناك أمرأة تتسلل من بين الحشود الغفيرة عبر الزحام , تأخذ مكبر الصوت وتلهج في كلامها وسط صمت القاعة والجمهور الحاشد ( كيف لرجل لم يحفظ عهد أمرأة أن يحرس وطناً ؟ كيف لرجل عض اليد التي أنتشلته من براثن العتمة الى حيث يصدح النور , أن تستأمنوه على وطن ؟ كيف لرجل وعد ونكث كل العهود أن يبرم تصالحاً مع الوطن ؟ كيف لرجل له مكر ذئب خائن أن يصون عهداً ويذود عن الوطن ؟ كيف لرجل تسلق جدار المجد على عاتق أمرة ثم رماها كما يرمي علكة من فمه بعد أن لاكها طويلاً , أن يطهر الوطن من أردانه؟ أيها الشعب العظيم ألا تعلمون أن من خا مرة يخون ألف مرة ؟ ) .
7 – قصة ( الاغتصاب ) : ثلاثتهم يعيشون في غرفة واحدة ( الزوجة والبنت والزوج ) الزوجة تزوجت في عمر صغير لم تتجاوز السن السادسة عشرة , ولكن الزوج توفي في حادث مرور , ولم تنجب منه سوى أبنة واحدة . وظلت ترفض الزواج , ولكن بعد ثلاثة عشرة عاماً , تكاثر عليها القيل والقال , حتى بمس شرفها وكرامتها , اضطرت بالقبول بالزواج , رغم انها كانت تصر على الوفاء لزوجها المتوفي في تربية أبنتها . ولكن هذا الزوج , استغل أحدى المرات غياب زوجته بالتقرب الى ابنتها ومحاصرتها من اجل فعل المحرم ( الزنى ) بهوس معتوه ( أريدك الليلة لي . سأكون لطيفاً معكِ . كيف لم أتفطن قبل هذا اليوم لكل هذا الجمال , مالي وأمك التي هدتها السنين والهموم ؟ ؟ ) واغتصبها بعنف معتوه , فأستسلمت الصبية الى هوسه الجنسي غصباً عنه بالفجور المحرم . ولكن في الصباح استيقظ الجيران على صراخ ونحيب الزوجة , فقد كانت رقبة البنت تتدلى من غصن الشجرة . وزوجها غارقاً في بركة من الدماء .
جمعة عبدالله