بمشاهد وصفها كثر من الأكراد بـ”الصادمة”، نشرت شركة إنتاج تابعة للحرس الثوري الإيراني فيلماً (تمثيلياً مستنداً إلى أحداث حقيقية) من 9 دقائق حمل عنوان “توكّل”، يتحدث عن نجدة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، رئيس إقليم كردستان السابق وزعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” الحالي، مسعود بارزاني، الذي يظهر في الفيلم خائفاً ومضطرباً ومتوتراً ومهجوراً من حلفائه الغربيين، وتحديداً الأميركيين والفرنسيين وكذلك الأتراك، حينما يبلغه مساعدوه بتقدم “داعش” صوب أربيل، في محاولةٍ لإخضاعها قبل الزحف نحو بقية المناطق الكردية في شهر آب/ أغسطس 2014.
أشعل الفيلم الإيراني النّار في روح قيادات “الحزب الديموقراطي الكردستاني” ومناصريه، فسيروان بارزاني وهو شقيق رئيس الإقليم الحالي نيجيرفان بارزاني وابن أخ مسعود بارزاني، وكان مسؤولاً عن منطقة “كوير” المحاذية لأربيل، والتي شكلت نقطة تهديد ضدها بعد سيطرة “داعش” عليها آنذاك، رأى أن الفيلم “يستهدف القيادة الكردية عموماً، ومسعود بارزاني تحديداً”.
يتناول الفيلم في مجرياته، تلك الأيّام التي اقترب فيها التنظيم من مدينة أربيل عاصمة الإقليم الكردي، في محاولةٍ منه لاحتلالها بعد فرض سيطرته على منطقة “كوير” التابعة لمحافظة نينوى المحاذية، والتي شكلت نقطة تهديد حرجة لعاصمة الكرد. وكان وقتها ابن أخ بارزاني سيروان مسؤول محور المنطقة المذكورة. وروى الفيلم وكيف خُذل مسعود بارزاني من الذين اعتقد بأنّهم أصدقاء الكرد الأوفياء من الأميركيين والفرنسيين والأتراك وغيرهم، ما دفعه في النهاية مضطراً بعد نوبة إحباط طويلة للاتصال بقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وطلب المساعدة منه لإنقاد أربيل من الوقوع بقبضة “داعش”، ليطمئنه سليماني هاتفياً: “اصمد لليلة واحدة، وسأصلك غداً”. وبعدها تظهر طائرة صغيرة في نهاية الفيلم يخرجُ منها الجنرال الإيراني وبجانبه أبو مهدي المهندس نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي العراقي”، تُرافقهما مجموعة من القيادات والعناصر القتالية بأسلحتهم الخفيفة، يحصرها الفيلم بنحو 70 مقاتلاً، ويستقبلهم بارزاني بحفاوة في أربيل.
من العلامات الصادمة التي يظهرها الفيلم، هي تناوله لبارزاني على أنه شخصية ضعيفة، ففي العرض- أي الفيلم- تظهر عليه ملامح الإحباط والانكسار بعدما بقي وحيداً أمام تقدّم التنظيم نحو عاصمته، من دون أي سندٍ أو قوّة، على عكس ما كان يتصوّر ويعتقد حزبه وجماهيره، وتظهره ماكناته الإعلامية.
القيادي في حزب بارزاني علي عوني يقول: “الفيلم وأحداثه عبارة عن تصوّرات وروايات في مخيلة الفرس على غرار الأساطير القديمة ورواية أحادية لا يدعمها الشهود، ولم تكن أربيل محاصرة من داعش مثلما يروج له الإيرانيون”. ويضيف: “ساندتنا طائرات قوات التحالف، وأمدنا الإيرانيون بأعتدة عسكرية بينها قنابل هاون، إلا أنها كانت منتهية الصلاحية ولم نستفد منها في وقتها”. ويقول أيضاً إن “مسعود بارزاني شكر الإيرانيين والتحالف لمساعدتنا في حرب داعش لكن هذا لا يعني أن نُتهم بدعم داعش كما جاء في الفيلم، في وقت كنا ضحية كبيرة للتنظيم وقدمنا أكثر من ألفي شهيد وآلاف الجرحى الذين يعانون حتى الآن من الإعاقة”، متهماً من سماهم بـ”المهزومين والهاربين” بخلق القصص لسدّ “عقدهم الشخصية”.
وبشأن تأثير الفيلم في علاقات إقليم كردستان وطهران، يرى عوني أن “جميع الكردستانيين مستاؤون من سياسات إيران التي تتهكم على المسؤولين الأكراد وخصوصاً مسعود بارزاني الذي نعتبره مرجعاً كبيراً للكرد ليس في كردستان العراق فقط بل في جميع دول المنطقة”. موجهاً سؤالاً للإيرانيين: “لماذا أنتم صامتون تجاه هجمات إسرائيل في سوريا ضدكم لكنكم تتنمرون على جيرانكم؟”.
بعد عرض الفيلم، لم يمتلك “الحزب الديموقراطي الكردستاني” أي خيار سوى دفع ابن شقيق بارزاني سيروان مسؤول محور “كوير” في قوات البيشمركة للظهور بلقاءٍ خاصٍ على فضائية “روداو” الكردية المقرّبة من شقيقه رئيس الإقليم الحالي نيجيرفان، ليتحدث عن “بطولات” قواته في تلك المرحلة، إلا أنّه أغضب جماهير الاتحاد الوطني الكردستاني بتقليله من الدور القتالي لقوات مكافحة الإرهاب التابعة له، والتي كان مسوؤلاً عنها آنذاك لاهور شيخ جنكي، الرئيس المشترك الحالي للحزب. وتظهر مقاطع فيديو صوّرها مقاتلون في مكافحة الإرهاب الكردية كيف دخلوا قضاء مخمور وفرضوا سيطرتهم على أبرز محورٍ فيه وهو “سايلو مخمور”، ليظهر مقاتلٌ فيه بمقطع فيديو يدعى بيشتوان (قتل لاحقاً في عملية ضدّ داعش) وهو يشيرُ إلى وقت ما بعد الظهيرة من خلال ساعته بالقول: “الآن نحنُ في سايلو مخمور، حررنا القضاء من داعش بعد هروب قوات مسعود بارزاني”.
في ردّها على سيروان بارزاني، اكتفت “قوات لاهور شيخ جنكي” بنشر مقطع فيديو على صفحتها على “فايسبوك”، تظهر لقطات فيديو تؤكد لحظات اقتحامها القضاء القريب من أربيل وتحريره بالكامل، من دون أن يكون هناك أيّ حضور لبيشمركة بارزاني.
في الوقت نفسه، لم ينف زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني في مقابلاتٍ تلفزيونية مدّ إيران يد العون للإقليم أثناء التّصدّي لـ”داعش”، إلا أنه في الوقت ذاته ينفي ما يتم تداوله من مبالغات حول المكالمة الهاتفية التي دارت بينه وبين سليماني في حينها.
دائرة شؤون العلاقات الخارجية في حكومة كردستان قدّمت مذكرة احتجاج سلّمتها للقنصلية الإيرانية العامة في أربيل، احتجاجاً على الفيلم المعروض، مُبلغةً إياها بعدم رضاها على تشويه الحقائق. وأكدت أنّ هذا الأمر لا يصبّ في مصلحة تعزير العلاقات المشتركة بين الطرفين. كما أوضح القنصل العام الإيراني في اربيل نصرالله راشنودي في مقابلة تلفزيونية، أن “قاسم سليماني كان يحترم قادة إقليم كردستان، وتمتلك إيران علاقات تاريخية مع القادة الكرد وبارزاني يعرف موقفنا بأننا ضد مثل هذه الأفلام”. وتابع، “هناك أطراف يريدون تخريب علاقاتنا والتحقيق جار بشأن إنتاج هذا الفيلم”.
ممثل حكومة إقليم كردستان في طهران ناظم الدباغ رفع مذكرة احتجاج إلى الحكومة الإيرانية عبر القنصلية، فجاء الرد الرسمي بأن إيران لا تتبنى هذا الفيلم وتدين ما جاء فيه، كما أكد دبّاغ لـ”درج”.
يرى الدباغ أن إظهار الفيلم وعرضه بهذا الوقت مع ما يحمله من مضمون ورسائل، ليس إلا محاولة لإضعاف الإرادة الكردية وكسرها، أكثر مما هو استهداف لشخصية بارزاني نفسه، “لأن العالم يشهد على تضحيات قوات البيشمركة التي ساهمت بتحرير مناطق عدة من داعش”. ولا يجد أي مبرّر لعرض الفيلم في هذا الوقت. لكنه يعود ويؤكد أن فيلماً كهذا لا يمكنه أن يؤثر في العلاقات بين الشعبين الإيراني والكردي.
ملاحظة حول مداخلة الدباغ:
الدباغ يأتي بتبريرات خاطئة.
البارزاني وعائلته سرقوا ونهبوا الأقليم والعراق واصبحوا مافية سياسية وتجار الأسلحة والصفقات اللا أنسانية ومعروف لدى الكل بأن البارزانى وحزبه ساهموا في صناعة الداعش ولحد الآن بعض قادة الداعش والبعثيين موجودون في أربيل. أذاً بدون شك لولا مساندة ودعم التحالف الدولي وبسالة الجيش العراقي والبئشمهرگه والأيرانيين، لكان وضع العراق بصورة عامة والأقليم بصورة خاصة متدهوراً جداً.
في الفلم بعض الحقيقة لكن عشيرة البارزاني عشيرة إشتراكية بالفطرة ولا يُمكن أن يسرق أياً منهم شيئاً , بل أن السباسات الخاطئة أتت بنتائج مدمرة ولا يزال الأقليم أسيراً لها ولا يبدو تعافيه منها قريباً