قالت دراسة علمية حديثة إن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يُطوّق دفاعات الجسم بعدة طرق، ويجرد أنظمة الإنذار المبكر في الجسم من أسلحتها على سبيل المثال، أو يتسبب في اختلال خلايا المناعة، بل إن العدوى يمكن أن تؤدي إلى إنتاج أجسام مضادة تهاجم عن طريق الخطأ أنسجة المريض نفسه بدلاً من الفيروس.
فبحسب سلسلة من الدراسات الجديدة، يمكن أن تستمر ما تُسمى بالأجسام المضادة الذاتية شهوراً بعد انتهاء العدوى، وربما تتسبب في إحداث ضرر لا يمكن إصلاحه، خاصةً أنها قد تدفع الجسم إلى مهاجمة نفسه.
ربما ذلك يفسر بعض الأعراض الباقية لدى الأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19. ويمكن أن تشمل المتلازمة، التي يشار إليها أحياناً باسم لونغ كوفيد (كوفيد طويل الأمد)، مرض الخرف وضباب الدماغ وآلام المفاصل، وفقاً لما نشرته صحيفة New York Times الأمريكية، الخميس 28 يناير/كانون الثاني 2021.
أجسام مضادة ذاتية
ففي أحدث دراسة صغيرة، تضم تسعة مرضى فقط، ظل خمسة منهم يمتلكون أجساماً مضادة ذاتية لسبعة أشهر على الأقل. ولم تخضع الدراسة بعد لمراجعة النظراء قبل نشرها، وحث المؤلفون على توخي الحذر في تفسير النتائج.
من جهتها، قالت الدكتورة ناهد بهاديليا، المديرة الطبية لوحدة مسببات الأمراض الخاصة بمركز بوسطن الطبي، والتي قادت الدراسة: “إنها إشارة، لكنها ليست قاطعة. ولا نعلم مدى انتشارها وما إذا كانت مرتبطة بكوفيد الطويل أم لا”.
إذ إن مسألة المناعة الذاتية بعد الإصابة بفيروس كورونا مهمة وعاجلة، لأن واحداً من بين كل ثلاثة ناجين من كوفيد-19 ظلوا يعانون من الأعراض، كما تقول بهاديليا التي أشارت إلى أنها “ظاهرة حقيقية. ونحن ننظر إلى جائحة ثانية تنطوي على أشخاص يعانون من إعاقة محتملة مستمرة، وقد لا يتمكنون من العودة إلى العمل، وهذا له تأثير كبير على الأنظمة الصحية”.
كما أن مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن المناعة الذاتية تساهم في شدة كوفيد-19 لدى بعض الأشخاص. إذ وجدت دراسة نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول على الإنترنت، أنه من بين كل 52 من المصابين بكوفيد-19 الشديد، يحمل أكثر من 70% منهم أجساماً مضادة للحمض النووي الخاص بهم والبروتينات التي تساعد في تجلط الدم.
فيما اكتشف باحثون أجساماً مضادة للكربوهيدرات التي يصنعها جسم المصابين بكوفيد-19، والتي يمكن أن تفسر الأعراض العصبية، بحسب دراسة أخرى نُشرت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020.
أيضاً وجدت دراسة أخرى، نشرتها دورية Science Translational Medicine في نوفمبر/تشرين الثاني، أن نصف المصابين الذين نُقلوا إلى المستشفى بسبب كوفيد-19، كانت لديهم على الأقل أجسام مضادة مؤقتة تسبب تجلطات الدم وانسداد في الأوعية الدموية.
وبمجرد إفراز الأجسام المضادة الذاتية تلك، لا مجال للرجوع إلى الوراء. إذ تصير جزءاً دائماً من جهاز مناعة الشخص، طبقاً لما أوردته الدكتورة أكيكو إيواساكي، اختصاصية المناعة في جامعة ييل.
كيف تؤثر الأجسام المضادة على الاستجابة للقاح؟
بشأن مدى تأثير تلك الإفرازات على الاستجابة للقاح أو على العدوى المكتسبة حديثاً، قالت إيواساكي: “هذه كلها مسائل لا بد من تناولها، خاصةً أننا نشهد بالفعل استجابات الأجسام المضادة الذاتية التفاعلية في هؤلاء المرضى”.
كذلك، وجد الباحثون أن واحداً من بين كل خمسة مصابين لديه أجسام مضادة ذاتية لخمسة بروتينات في جسمه، وما يصل إلى 80% لبروتين واحد على الأقل. أما المصابون بكوفيد-19 الشديد فقد كان لديهم كثير من هذه الأجسام المضادة، مما أعاق استجاباتهم المناعية وأدى إلى تفاقم المرض. ومن بين الأشخاص الـ15 الذين ماتوا أثناء الدراسة، تكوّن لدى 14 منهم أجسام مضادة لمكون واحد على الأقل في جهاز المناعة.
بدورها، ذكرت ماريون بيبر، اختصاصية المناعة بجامعة واشنطن في سياتل، والتي لم تشارك في البحث، أن الدراسة تُظهر بشكل مقنعٍ أن الأجسام المضادة “تغير مسار المرض”.
فقد أشار تحليل ما لما يقرب من 170 ألف شخص مصابين بأمراض المناعة الذاتية الروماتيزمية النادرة، مثل الذئبة الحمراء وتصلب الجلد، إلى تزايد احتمالات وفاتهم من كوفيد-19، فضلاً عن أن دراسة أجريت على أكثر من 130 ألفاً، وجدت أن حالات المناعة الذاتية مثل السكري من النوع الأول، والصدفية، والتهاب المفاصل الروماتويدي تزيد من خطر الإصابة بمضاعفات في الجهاز التنفسي والوفاة إثر كوفيد-19.
أكثر من 100 مليون مصاب حول العالم
يشار إلى أن أمراض المناعة الذاتية هي مجموعة أمراض تحدث نتيجة فشل الجهاز المناعي لجسم الكائن الحي في التعرف على الأعضاء والأجزاء الداخلية الخاصة به، حيث لا يستطيع معرفة البصمة الوراثية الخاصة بخلايا الجسم فيتعامل معها كأنها غريبة عنه ويبدأ بمهاجمتها باستخدام خلايا المناعة والأجسام المناعية.
إلى ذلك، أظهر إحصاء لوكالة رويترز، الخميس 28 يناير/كانون الثاني 2021، أن ما يربو على 100.37 مليون نسمة أصيبوا بفيروس كورونا المستجد على مستوى العالم، في حين وصل إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس إلى مليونين و165109.
إذ تم تسجيل إصابات بالفيروس في أكثر من 210 دول ومناطق منذ اكتشاف أولى حالات الإصابة في الصين في ديسمبر/كانون الأول 2019.