حتى لا يقال إننا نغوص في أعماق التاريخ كي نتحدث عن الشعوب بدافع عنصري. إن كل شعب من شعوب العالم، يتميز بخصوصية خاصة به، تشكلها على مراحل تاريخه جغرافية ومناخ وطنه، التي تفرض عليه الأدوار التي يؤديها في مسيرة حياته، والتي كما قلنا قبل قليل تفرضها طبيعة وجغرافية ومناخ الأرض التي يقيم عليها.
مما لا يخفى على أحد، أن إقليم فارس، الذي مركزه شيراز، يقع في جنوب إيران، وهو بلاد جافة، ذات درجات حرارة عالية تتجاوز الخمسين درجة في فصل الصيف، و أرضها قاحلة غير ذي زرع، تماماً كشبه جزيرة العرب التي تحمل اسمهم؟. فعليه؛ أن الفرس قبل العرب خرجوا من أرضهم الجدباء إلى البلدان الخضراء التي حولهم لكي يحصلوا على قوت يومهم فيها، لكن ليس عن طريق الحوار والمفاوضات وطلب المساعدة، بل عن طريق السيف، لأن العقلية القبلية التي كانت سائدة في ذلك التاريخ لا تسمح بالإذلال والخذلان وطلب المساعدة من نظيره الإنسان والسيف البتار في يده؟. فلذا كان يحصل على ما يريد بالغزو. لقد ذكرت في مقالي السابق بيت شعر للـ(قطامي التغلبي) يقول فيه: وأحياناً على بكر أخينا … إذا ما لم نجد إلا أخانا. تصور أن ثقافته تأبه أن يطلب المساعدة حتى من أخيه بكر، بل يغزوه لكي يأخذ منه ما يحتاجه بحد السيف، هذه هي ثقافة ذلك العصر. عزيزي المتابع، مع فارق التشبيه، هناك حديث يقول: جُعل رِزقي تحت ظلِّ رمحي. وفي حديث آخر يقول: أنفقوا مما رزقكم الله. فلذا كان النبي ينفق على فقراء العرب من المال الذي كان يحصل عليه من الغزو على ديار العرب الذين لم يؤمنوا بالإسلام.
دعونا نعود للبيت القصيد في موضوعنا وما قام به الفرس مِن جرائم وألاعيب خبيثة قبل الميلاد ضد الكورد. في مسيرة عداء الفارسي للكورد، هناك خدعة كبيرة في التاريخ، تسمى بخدعة كورش، الذي قام بها ضد الدولة الميدية الكوردية وعاصمتها مدينة (همدان) وبتلك الخدعة… استولى كورش على دولة ميديا. إن كورش الذي عاش بين أعوام 600 ق.م. 530 ق.م. هو أحد أفراد عائلة هخامنش، مِن قبيلة أخمين، ومن قوم فارس. وبعد كورش جاء كبوجية، وبعده جاء داريوش الأول، أو داريوش الأكبر كما يسمى، الموجود في جدارية كرماشان (كرمنشاه) على سفح جبل “بيستوين” الذي يبعد عن مدينة كرماشان في شرق كوردستان حدود ساعة في السيارة، ويظهر في الجدارية واضع قدمه اليسرى على صدر رجل الدين الزرادشتي الميدي (گەومات = Gawmat) الذي أعلن الثورة عليه وعلى نظام حكمه الجائر. وشاركت في هذه الثورة العارمة مجاميع بشرية من كل الشعوب التي كانت ترزح تحت نير الحكم الفارسي الظالم. يظهر في الجدارية تسعة أسرى أيديهم مكبلة من الخلف، المكبل الأول من الثوار: اسمه آترين من إيلام (عيلام). الثاني: اسمه ندئيت بئير من بابل. الثالث: فرورتيش من ماد (ميديا). الرابع: مرتي ي من إيلام أيضاً. الخامس: جيترتخم من ساگارت المنطقة التي تقع قرب مدينة سيستان وبلوجستان الحالية التي تقع في جنوب شرق إيران التي تقع جزيرة جزيرة طبس بينها وبين محافظة خراسان. وكان جيترتخم قائداً لمجموعته الثائرة. إن داريوش، بعد إلقاء القبض عليه سمل عينيه، وقطع أذنيه وأنفه الخ. السادس: وەیزدات من إقليم فارس، تصور عزيزي المتابع بسبب ظلم الأخميين (الفرس) للرعية حتى أبناء جلدتهم ثاروا عليهم؟. السابع أرخ من بابل أيضا. الثامن: فراد من ماز (ماژ). التاسع: سكونخا من سكا، كان موطنهم جبال قوقاز وآسيا الوسطى.
وفي صدر الإسلام، دس الفرس في المصادر الإسلامية أحاديث وروايات مختلقة وذلك لتشويه الشعب الكوردي، ومن هذه الأحاديث… أن الكوردي الذي كان اسمه “هيزن” من أعراب فارس هو الذي أشار على الملك نمرود بوضع إبراهيم – ابن تارح حسب التوراة، وابن آزر حسب القرآن- في المنجنيق وحرقه بالنار إلى آخر القصة. لقد ذكر هذه الحادثة التاريخية مصادر إسلامية عديدة، كالفقيه والمؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري (838 – 923م) قال في كتابه (جامع البيان في تفسير آي القرآن) ج 10 ص 43:”عن مجاهد في قوله (حرقوه وانصروا آلهتكم) قال: قالها رجل من أعراب فارس، يعني الأكراد، فرجل منهم اسمه (هيزن- Hizen) هو الذي أشار بتحريق النبي إبراهيم بالنار”. ذكر هذه الرواية أيضاً الإمام الحافظ المجتهد المفسر حافظ البغوي (433- 516) للهجرة في كتابه لتفسير القرآن المسمى (معالم التنزيل) ج 3 ص 250. وذكرها فخر الدين الرازي (543- 606) للهجرة في كتابه لتفسير القرآن أيضاً (مفاتيح الغيب) ج11 ص 151. وذكرها محمد بن أحمد الشهير بالقرطبي ولادته غير معروفة لكن وفاته (671) هجرية في كتابه لتفسير القرآن المسمى بـ(جامع لأحكام القرآن) ج11 ص 200. وذكرها ابن الكثير، والبيضاوي، والشوكاني، والآلوسي، والشنقيطي وغيرهم كثر. لكن؛ كالعادة أن الكذاب نساي، ودائماً تجد في روايته براهين قاطعة على كذبه، وذلك بدليل، إنهم – الفرس- حين دسوا هذه الفرية عن الكورد في صدر الإسلام كان الفرس موجودون على مسرح الأحداث، لكن الذين نقلوا الرواية التي تتحدث عن تاريخ 1800- 2000 سنة قبل الميلاد، ربما لم يدركوا، أن في ذلك التاريخ لم يكن الفرس قد ظهروا على مسرح التاريخ حتى الكورد يكونوا أعرابهم؟؟؟ ومن لا يصدقنا فليأتي لنا بمصدر ذكر اسم الفرس في ذلك التاريخ المذكور أعلاه. لكن مصادر عديدة، ومنها التي ذكرناها أعلاه ذكرت الكورد بصريح العبارة، وهذا يعني، أن الكورد شعب عريق سبق الجميع في المنطقة. لزيادة المعلومات، أن العلامة (محمد مردوخ) ينقل عن المؤرخ اليوناني (هيرودوت) 484 ق.م.- 425 ق.م. في كتابه الذي بعنوان (تاريخ كورد وكوردستان وتوابع) ص 178 : إن الفرس كانوا مشغولون بالزراعة وتربية المواشي. أي: أناس رعاة. ويضيف مردوخ: وكانوا – الفرس- يخضعون لدولة ميديا الـ(كوردية) ويدفعون لها سنوياً الإتاوة. للزياد، أن الميديين الكورد هم من أطلقوا اسم “فارس- پارس”على هذه المجموعة البشرية، هذا ليس كلام محمد مندلاوي، بل هو كلام عالم روسي مختص إلا وهو (أ. م. دياكونوف) قاله في كتابه الشهير (تاريخ ميديا) ص (68) الطبعة الفارسية، دار النشر پيام، ترجمة (كريم كشاورز). ثم؛ لنفترض جدلاً أن الفرس كانوا موجودون على الأرض في ذلك التاريخ، يا ترى، بعد ما عرضناه أعلاه مَن كان أعراب مَن؟.
وفي أيامنا هذه، وعلى وجه التحديد إبان الحرب العراقية الإيرانية التي دامت لثمانية أعوام 1980-1988 كان هناك طيار إيراني من قاعدة (تبريز) مركز محافظة آذربايجان الشرقية اسمه (يد الله شريفي راد) برتبة رائد (سَرگرد) أسقطت المقاتلات العراقية طائرته “إف 5″ في جبال جنوب كوردستان، والطيار هبط بمظلته ووصل قوات الـ”پێشمەرگە” (Peshmarge) إليه قبل الجيش العراقي، ووجدوه في حالة يرثى لها، لقد كسرت ذراعه، وتعرض بقية جسده لكسور وإصابات عديدة، بحيث لم يقوى على الوقوف على قديميه، وهو قال في كتابه المشار إليه أدناه في صفحة 99: تنها سرم را توانسته بودم كمى جا بجا كنم= فقط استطعت أن أحرك رأسي قليلا. ويضيف الطيار: درد بر من غلبه كرده بود= لقد انتشر الألم في كل جسدي. ويستمر في حديثه: آنها آرام بلندم كردند درحال هذيان بودم، وانگار بين اعضاى خانوادەم بودم = إنهم – قوات الـ”پێشمەرگە”- حملوني بلطف، وكنت في حلة هذيان، كأني بين أفراد عائلتي. وفي ص 101 يقول: بعد جيب هايم رابه ترتيب خالى كرد. اسلحه كمريم را باز نمود. پولهای کیفم راشمارد. وهمە آنها را روى كاغذى ياداشت كرد. وآخر، همه آنها را در دستمالى پيچید ودر كنارى گذاشت= ثم فرغ أحدهم جيوبي واحداً بعد الآخر، وفك من خصري سلاحي، وعد النقود التي كانت في محفظتي، ودون جميعها على الورق، ومن ثم وضع جميعها في منديل وتركها بجانبي. وفي ص 102 يستطرد الطيار يد الله: دو سه تن جوان – انگار دانشجو باشند – خوش سيما ومهربان آمدند بكمك. وسرگرم شستن خونها وزخمها وپانسمان آنها شدند. زير كوه پناهگاه کوهستانی =وفي ملجأ جبلي، اثنان أو ثلاثة من الشباب – أعتقد كانوا طلبة جامعة- جاءوا لمساعدتي، كالعادة كانوا لطفاء ومهذبون وعاملوني بلطف، لقد غسلوا الدماء التي على جسدي وطببوا جروحي. وتحدث الطيار يد الله في صفحات أخرى كيف حمله أفراد الـ”پێشمەرگە” على الأكتاف إلى إحدى قواعدهم وجاءوا له بطبيب “پێشمەرگە” عالج ذراعه المكسور والإصابات الأخرى التي تعرض لها أثناء هبوطه بالمظلة بين الجبال، وبقي عند تلك القوات الكوردية حتى شفي تماماً من كل الإصابات، وبعدها جاءوا له بدابة ووضعوه داخل صندوق خشبي على ظهر دابة (بغل) وساروا به أياماً حتى أوصلوه بشق الأنفس إلى داره وعائلته في (تبريز) سالماً غانماً. عزيزي القارئ، إن هذا الطيار بعد فترة وجيزة ألف كتاباً بعنوان “سقوط در چهلمین پرواز= السقوط في المهمة أربعين” – الكتاب باللغة الفارسية وموجود عندي في مكتبتي- تحدث فيه الطيار عن سقوط طائرته في جنوب كوردستان والأيام التي قضاها ضيفاً عند القوات الكوردية الـ”پێشمەرگە” بالتفصيل، وأرفق الكتاب ببعض الصور التي التقطت له إبان وجوده عند الكورد. وفي إيران، حولوا قصته التي سردها في كتابه المذكور إلى فلم سينمائي، لقد شاهدته قبل أكثر من ثلاثين عاما، والآن معروض الفلم على الانترنيت باسم “عقابها = العقبان” جمع عقاب. هذا أول شيء غيروا فيه اسم القصة؟؟ وهكذا، غيروا مضمون القصة التي رواها مؤلفها الرائد (يد الله شريفي راد) كاملة. هذه هي إيران الرسمية، لا تنقل القصة عن المقاتلين الكورد الأشاوس الذين أنقذوا طيارها من الوقوع بالأسر في يد الجيش العراقي. أضف لهذا، إنهم – الكورد- طببوه وحملوه على أكتافهم ونقلوه على الدواب حتى سلموه إلى زوجته في تبريز. لو أن الشخصية الرسمية الإيرانية، أو الأدق الشخصية الرسمية الفارسية لم تكن وضيعة لماذا تقوم بنكران جميل الكورد حتى في فلم سينمائي؟؟!!. للتاريخ أقول، أن هذه القوات الكوردية المذكورة أهدى لها عام 1979 – 1980 القائد الليبي الكبير (معمر القذافي) أطناناً كثيرة من الأسلحة وبعثها عن طريق إيران، إلا أن إيران الإسلامية احتجزتها ولم تسلمها إلى المرسل لهم إلا القليل منها!!. كان هذا سرداً مختصراً عن الشخصية الفارسية قديماً وحديثا.
الآن نأتي على الفلم الإيراني المسيء، الذين أنتجته الجهات الرسمية الإيرانية؟، وهو يسيء إلى إقليم كوردستان، ورئيسه (مسعود البارزاني) وقواته العسكرية الـ”پێشمەرگە” ولمشاعر وأحاسيس القومية والوطنية لعموم شعب كوردستان. لقد شاهدت الفلم، وشاهدت المشهد التمثيلي الركيك حين يظهر فيه الرئيس (مسعود البارزاني) مرتبكاً. إن الفلم استهدف القائد البارزاني لأن شخصيته يمنح الثقة والقوة لقواته ولشعبه. حقيقة، أن إخراج هذا الفلم بهذه الطريقة السوقية سذاجة ما بعدها سذاجة، كيف يرتبك في مثل هذه المواقف وهو رأى النور داخل المعارك ضد نظام الشاهنشاهي المقبور!! كيف يرتبك؛ وهو حمل سلاح الشرف والمقاومة منذ نعومة أظفاره ضد الاحتلال العراقي البغيض؟. لو شككوا بقدراته في مظان أخرى ربما تعبر ويصدقهم أحد ما، لكن، يرتبك في المعارك، إنها فرية لا تصدق، أتعرف عزيزي القارئ لماذا، لأن الإنسان حين يتكرر عليه حادثة ما بشكل يومي تصبح الحالة عادية، تصبح جزءاً من حياته اليومية. أنا شخصياً عشت ثمان سنوات ظروف الحرب العراقية الإيرانية القاسية، في أول يوم الحرب حين قصفت الطائرات العراقية مدن شرق كوردستان جميعاً خفنا، لكن في الأيام والأعوام التي تلت أصبح القصف عادياً عندنا ولا نهابه، حتى حين كانت الطائرات الحربية العراقية تأتي وتقصف بدل أن أهرب إلى الملجأ كنت أصعد إلى الطابق العلوي لمنزلي كي أرى أين قصفت. ثم، ليس فقط مسعود البارزاني عاش كل حياته في جو المعارك والقتال، ألم يكن مام جلال الطالباني هو الآخر قائداً عسكرياً ومقاتلاً شجاعاً، ألم يكن نوشێروان مصطفى هكذا، ألم يكن محمد حاج محمود هكذا، ألم يكن ملا بختيار، وكوسرت رسول وآخرون هكذا، ألم تكن غالبية الأحزاب الكوردية قيادة وقواعداً رافعة السلاح وتقاتل جيش الاحتلال العراقي الخ الخ الخ. نقول لأولئك الأعاجم، هذه هي طبيعة الشعب الكوردي، شعب مقاتل ومتفولذ بالنضال، وإلا كيف يواجه الآلة الحربية لإيران والعراق وتركيا وسوريا ومعهم إرهابيي القاعدة وداعش وملحقاتهم؟؟. المعروف في العالم أجمع، أن الجيش يستلهم الدروس والعبر والشجاعة من قائده؟، لو كان هذا القائد الكوردي غير شجاع كيف واجه داعش بأسلحة خفيفة ومتوسطة وهي التي حصلت على آلة حربية متطورة من الجيش العراقي الهارب في الموصل؟؟ لو لم تقاوم القوات الكوردية وقائدها كأبطال الكورد الذين نقرأ عنهم في صفحات كتب التاريخ كيف قدم حدود 2000 قتيل في ساحات الوغى، وأضعاف هذا العدد من الجرحى؟؟. ثم، إذا كانت إيران بهذه القوة الخارقة وطردت داعش من حول أربيل ببضع عشرات من المقاتلين، لماذا على مدى عقد ونيف لم تنتصر على داعش وغيرها في سوريا!! بينما فتيات الكورد في غربي كوردستان هزمت داعش شر هزيمة؟. إذا إيران بهذه القوة والبأس، لماذا لا ترد على إسرائيل التي تستهدف قواتها كل يوم تقريباً في سوريا؟! أليست شعار إيران اليومي: إسرائيل بايد نابود شود= يجب أن تمحى إسرائيل من الوجود. لكن يومياً بضرباتها تقول لها إسرائيل: هذا الميدان يا حميدان.
كالعادة، بدء مع عرض الفلم الإيراني المسيء للكورد وكوردستان هجوم كورد الجنسية على القائد الكوردي (مسعود البارزاني). للأسف الشديد، أن هؤلاء الذين يحملون الجنسية الكوردية ليس لديهم ذرة انتماء للشعب الكوردي ولا إلى كوردستان، كالعادة، حاولوا الصيد في الماء العكر، ولذا برروا ما جاء في الفلمين المسيئين لكي يكسروا هيبة الإقليم ورئيسه، كأنهم جهلة وأغبياء ولا يعرفون أن أي مواطن في أي بلد ما في العالم له حصة في رئيسه، وأية إهانة أو إذاء لفظي أو تهجم غير لائق توجه إليه كأنها موجهة للوطن ولعموم الشعب فرداً فردا.
لقد قالوا:” كوردي وصخرة وبرنو فليأتي العالم جميعا”
29 01 2021