امارة الدنبلي= الدنابلة
يذكر شرفخان البدليسي (1543-1603م) في كتابه (شرفنامه) الذي كتبه بين عامي (1597-1599م) عدة آراء بشأن نسب أمراء الدنبلية، فمرة يرجع نسبهم إلى رجل من أعراب الشام يدعى (عيسى). وفي رواية أخرى يقول إنه كان من أهالي الجزيرة العمرية (والمعروف عن الأكراد بجزيرة بوتان)، ولكن الرواية الصحيحة هي أن العشائر الدنبلية قادمة من ولاية البختي، فيطلق عليهم بين الأكراد اسم (دنبلي بخت). ورحل الأمير عيسى إلى نواحي آذربيجان، فأقطعه السلاطين السابقون ناحية (سكمن آباد) من أعمال (خوى)، فتوطن بها مدة من الزمن حيث علا شأنه يوماً فيوماً، وقد التف حوله جمع كثير من العشائر والقبائل. (شرفخان البدليسي، شرفنامه، الجزء الأول، ترجمة محمد علي عوني، دار احياء الكتب العربية/بيروت 1978، ص305). ويضيف البدليسي، كانت الأمراء والعشائر الدنبلية في بادئ الأمر على نحلة اليزيدية المكروهة (كذا)، وأخيراً عاد منهم الأمراء الذين اشتهروا بـ (عيسى بكي)، وبعض من العشائر الأخرى إلى مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يزال هنالك بعض من هؤلاء مصرون على عقيدتهم الفاسدة (كذا).
لقد وصل إلى المراتب العالية في عهد تراكمة الآق قوينلية شخص من أولاد عيسى بك يدعى الشيخ أحمد بك، وقد أسندوا إليه حكومة قلعة (باى) وجزءاً من ولاية حكاري حينما استولى عليها؛ فهكذا كانت حكومة قلعة (باى) في عهدة الطائفة النبلية. (البدليسي، شرفخان، شرفنامه، الجزء الأول، ترجمة محمد علي عوني، دار احياء الكتب العربية/ بيروت 1987، ص 306).
ويرجح شرفخان احتمال تمكن (موسى) من الإفلات من الورطة التي وقع فيها والده وأخواه، واعتصم بجبال كردستان العاتية وتوطن فيها، حيث ان ثلاثة من أولاد (آل برمك) في عهد خلافة بني عباس غادروا بغداد إلى كردستان وسكنوا موضعاً يقال له (خان جوكXan Çuk) بجبل شفتالو من أعمال كنج. (شرفنامه، مصدر سابق، ص 249-250). ويذكر شرفخان أسماء أمراء هذه العائلة بدءاً من (الأمير شهاب) الذي ترك (خان جوك) وذهب إلى عشائر وأقوام السويدية (سيوه رك) فبنى قلعة حصينة بين ظهرانيها وقام بأعباء الرئاسة والإرشاد بينهم. خلفه الأمير جلال بن الأمير شهاب- الأمير محمد بن الأمير جلال- الأمير فخرالدين بن محمد- الأمير حسن بن الأمير فخرالدين بن الأمير محمد- الأمير فخرالدين بن الأمير حسن. أما نجل الأمير حسن الآخر (مير محمد) فقد ترك الدار والجلاء عن الوطن والتوجه إلى بلاط أوزون حسن في ديار بكر. خلف الأمير فخرالدين ابن أخيه (عبدال بك بن الأمير محمد بك) لعدم بلوغ أولاده سن الرشد. خلفه ابنه سبحان بك- خلفه أخوه سلطان أحمد بك بن عبدا بك- مقصود بك بن سبحان بك. ومقصود بك هذا هو آخر أمراء أسرة برمك حيث حارب مع السلطان سليمان خان في نخجوان وأبدى شجاعة فائقة أثار اعجاب السلطان وتقديره وقد صدر مرسومه باسناد سنجق (جبقجور) اليه وجعله وراثياً في اسرته. لكن أمير الأمراء إسكندر باشا الجركسي انتزع (جبقجور) من حكم الأمير مقصود واسنادها إلى أحد العمال العثمانيين، فاضطر الأمير مقصود الى الرحيل إلى إستانبول بقصد رفع مظلمته لمسامع السلطان، لكن لم يتمكن من اللقاء بالسلطان وبقي هناك حتى وافته المنية. (شرفنامه، ص250-254)
أما كتاب (آثار الشيعة الامامية) فقد أفرد بحثاً مسهباً واهتم بالتفاصيل التي جاءت في شرفنامه التي تقول ان العشائر الدنبلية قد نزحت من (حكاري) إلى أذربيجان، وأما الأمير عيسى والد الملك طاهر فقد هاجر من بلدة الجزيرة. (شرفخان البدليسي، شرفنامه، مصدر سابق، ص305) وقد نقل (تاريخ الدنابلة) الذي ألفه (عبد الرزاق بن نجفقلي الدنبلي) باسم (رياض الجنة) باللغة الفارسية. وهناك كتاب آخر باسم (هفت إقليم) من تأليف (أمين أحمد الزازي) في تاريخ أمراء الدنابلة. جاء في هذه الكتب أن أول حاكم من هذه الاسرة هو (طاهر بن الأمير عيسى بن الأمير موسى) حاكم الشام الذي كان نجلاً ليحيى البرمكي وزير الخليفة هارون الرشيد. أما كتاب (أنساب الأكراد) لمؤلفه العالم الشهير والمؤرخ الكبير ابي حنقيفة الدينوري صاحب كتاب “الأخبار الطوال” فيرى أن أصل هذه الأسرة إنما يرجع إلى البرامكة.
وقد تفرعت عن هذه العشيرة شعب عديدة أهمها وأشهرها (دنبلية يحيى) أحفاد الأمير يحيى، و (شمسكي) أحفاد شمس الملك جعفر، و (عيسى بكلو) أحفاد الأمير عيسى، و (بكزاده) أحفاد الأمير (فريدون) و (ايوبخاني).
– مير يحيى: كما يقول (شرفنامه) أن ثلاثين ألف أسرة من الرعايا المسيحيين كانت تتبع هذا الأمير، وكان له مآثر كثيرة حيث بلغ عدد التكايا التي أنشأها في جبال كردستان وآذربيجان والشام ألفاً ومائتين وقد أدركته المنية في عام 477 هجرية.
– مير عيسى بن مير يحيى الشهير بصلاح الدين الكردي: نقل هذا الأمير نحو مائة ألف أسرة من الأكراد من فرع اليزدانية إلى آذربيجان وإلى (كوهستان= قهستان) وكان يمضي أغلب أيامه في تبريز. (محمد أمين زكي، مصدر سابق، ص283-285).
ان الحركة العباسية ودور البرامكة الأساسي فيها، التي بدأت من مناطق خراسان وبلخ والري في شمال وشمال غرب إيران، وصارت بغداد فيما بعد مركز عاصمتها وانتشار اشعاعها، وكذلك تابعية قلعة تكريت إلى والد صلاح الدين الأيوبي وعمه (شيركوه) وولادة صلاح الدين فيها سنة (532هـ/1137م)، هذه العائلة التي تنتمي إلى أكراد الديلم من أحفاد الرواديين القدماء (الزرزائيين) الذين أسسوا الحكومة الروادية في تبريز والسالارية في آذربيجان، كل هذا يدعونا إلى التساؤل، ولو من باب الفضول، هل من علاقة بين (ديلم) صلاح الدين الأيوبي وبين عشائر (الدليم) في الأنبار وبقية مناطق العراق؟
جاء في “موسوعة عشائر العراق” نقلاً عن الحيدري بأن “عشائر الدليم: قبائل كثيرة مشهورة من حمير من العرب العاربة، وهم بنو عم العبيد، وقطع صاحب المطالع بان العبيد من حمير وهؤلاء بنو عمّهم. وقال من الغلط أن نقول أصل الدليم من (الديلم) لمجرد أن نشاهد المقاربة في اللفظ وانما دليم جدّ لم يعرف طريق اتصاله بالضبط. وان التسمية به معروفة قبل الاسلام، وكانت تسمى به (العشائر الحميرية). (عباس العزاوي، موسوعة عشائر العراق، المجلد الأول، الدار العربية للموسوعات، ص 477)، إلاّ أن ابن بطوطة (ت779ه-1377م) عند زيارته لمدينة الحلة يقول، أهل هذه المدينة-الحلة- كلها إمامية اثنا عشرية وهم طائفتان، احداها: تعرف بالأكراد والقبائل البيات والجبور والدليم والجاوان هي كردية الأصل استعربت. كما أرجع الباحث “هنري فيلد” في دراسة إحصائية أنتروبولوجية “قبيلة شمر” إلى الكرد في اقترابهم الكبير من السومريين. فقد رأي هذا الباحث (أن الشمر جزء من الكرد، نزلوا السهول بحثاً عن المراعي فحالوا عن لسانهم وصارت لغتهم عربية)؟ (ينظر: هنري فيلد، ص90. وكذلك: د. محمد رشيد الفيل، الكورد في نظر العلم، ص 35-37)
مما تقدم من الحلقات يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات، فيما يلي أهمها:
1- لايمكن اعتبار جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي المولود سنة (767م) في مدينة بلخ الإيرانية، والمقتول عام (803م) على أيدي سرود آمر حرس هارون الرشيد وبأمر منه في مدينة العُمَر في الأنبار وقيل في بغداد، هو نفسه الأمير جعفر بن حسن الداسني الذي قاتل جيوش الخليفة المعتصم بالله عام (838 م) والذي تجرّح السّم عام (841م) (Kevin Alan Brook, The Jeus of Khazaria, 2009, p.184) بعد هزيمته من قبل جيش ايتاخ. فمن خلال مقارنة بسيطة، نلاحظ اختلاف في أسماء والدي جعفر البرمكي (يحيى) مع جعفر الداسني (حسن).
2- يبدو أن جعفر بن حسن، هو من أحفاد جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، حيث ويرجح شرفخان احتمال تمكن (موسى) من الإفلات من الورطة التي وقع فيها والده وأخواه، واعتصم بجبال كردستان العاتية وتوطن فيها، حيث ان ثلاثة من أولاد (آل برمك) في عهد خلافة بني عباس غادروا بغداد إلى كردستان وسكنوا موضعاً يقال له (خان جوكXan Çuk) بجبل شفتالو من أعمال كنج، وهي ثاني أكبر مدينة في آذربيجان، وليست هي (ماتعيس-مهد) كما جاء في بعض المقالات.
3- من المؤكد إنتماء عائلة البرامكة إلى الشعب الكردي وليس الفارسي، وكانوا من كبار سدنة معند النار اليزدانية (المجوسية، الميثرائية، الزرادشتية) كما تم ذكره في أغلب المصادر ومنها التي أشرنا اليها في المقال.
4- تستبعد أن تكون قرية (مهد/مهت) الحالية التابعة لقضاء الشيخان، ملجأ أو عاصمة لجعفر الداسني الذي قاتل جيش عبد الله الأزدي ومن بعده جيش إيتاخ. حيث ان (مهت) تقع على أراضي سهلية منبسطة لا تصلح للمقاومة، ومن الجانب الآخر لا تدل مظهرها على كونها منطقة أثرية، ولم تكشف فيها لحد اليوم أية آثار ومعالم حضارية.
5- لم أجد أية إشارة في كتاب شرفنامه تشير إلى أن “عائلة البرمك ايزيديين ومن إمارة الدنبلي والمحمودي” وإنما وصف جميع أمراء العشائر الايزيدية بسوء بسبب إنتمائهم الديني، فقال “كانت الأمراء والعشائر الدنبلية في بادئ الأمر على نحلة اليزيدية المكروهة (كذا)”!!
6- لا شك في أن قبيلة الدوملي والمحمودي وعشائر كردية كثيرة كانت تدين بالديانة الايزيدية والزرادشتية وغيرها من الديانات قبل مجئ الإسلام للمنطقة، فقبيلة الدنبلية التي نحن بصددها تحول قسم كبير منها إلى الشيعي (العلويين الزازائيين والبكتاشيين) في تركيا، وبعد معركة جالديران بين الامبراطورتين العثمانية والصفوية، انتشروا في كل من تركيا وإيران ودول أخرى.
7- أعتقد جازماً بوجود علاقة قرابة قوية بين عشيرتي الهكارية والدنبلية/الدوملية كونهما من سكنة الهكارية، وما يعزز إعتقادي هو تكوين القوالين الايزيديين من أتباع عشيرتي الهكاري والدوملي فقط، حيث يجلس القوال من العشيرة الهكارية على يمين السنجق (الطاؤوس) والقوال من العشيرة الدوملية يجلس على يسار السنجق.
8- الملاحظة الأخيرة هي وجود علاقة قوية جداً بين عائلة أجداد الخلفاء العباسيين وعائلة البرامكة أبعد من قضية الأخوة بالرضاعة بين هارون الرشيد وجعفر بن يحيى البرمكي، خاصة إذا علمنا أن والد الرشيد كان أميراً على منطقة خراسان، و (برمك) جد جعفر كان السادن الأكبر لمعبد (نوبهار) القريب من خراسان. ان ذلك التواجد، وتلك العلاقة تدفعنا إلى الشك بالأصل العربي الهاشمي لخلفاء الدولة العباسية، وثانياً يجعلنا نتسائل عن أسباب وقصة ترحيل الأكراد إلى خراسان، وبالتالي تكوين تلك العلاقة بين العائلتين المذكورتين، وهيمنة يحيى بن خالد البرمكي وابناءه على دولة هارون الرشيد وعلى حياته في بداية عهده؟!! بحيث كانوا يسكنون معه في نفس القصر، ويدخلون على الخليفة هارون الرشيد من غير إذن، وصار البرامكة يديرون الدولة نيابة عن هارون الرشيد حتى أنهم وصلوا الى أكثر من ذلك فقد أشرفوا على تربية أولاده نيابة عنه!!. أليس من حقنا القول: (يفترض قراءة وكتابة التاريخ من جديد)
خليل جندي
غوتنغن في 28/1/2021
أحيي جهودكم نحو البحث عن حقيقة التاريخ ….
ينبغي أن لا نخلط بين العرق الاصيل … وبين تهجين الاعراق عند تحولهم رغماً عنهم ، ولكنهم اختلط عرقهم مع المتحولين جينياً …. وربما كانوا في زمن مضى أعتنقوا بمعتقد الايزيدية الذي يعود تاريخه الى ما قبل ظهور الحضارات حسب بحوث المستشرقين والاكتشافات التاريخية والآثارية، او يعود الى زمن النبي نوح قبل عشرات الالاف من السنين حسب النصوص الدينية الايزيدية (الاقوال) .
هناك تناحرات سياسية ودينية وقومية وعشائرية وعرقية و مذهبية … بين الطوائف والمذاهب الاسلامية منذ ظهور الفكر الاسلامي …. وقد نجد منها اشياء وتجوزات دخيلة في الديانة والشعب الايزيدي(الكوردي) …. لكنها مكشوفة وخارجة عن جذور ايديولوجية المعتقد الايزيدي …
ليس غريباً ان نجد جذور وعرق بعض العشائر (العربية ، الفارسية ، الكوردية ….) تعود الى اصول ايزيدية لانهم تحولو عن أصلهم بسبب الغزوات التي تعرضوا لها وهكذا اختلطو جيناً … وربما نجد بين هؤلاء الكثيرين منهم متمسكين ومحافظين على حقيقتهم واصالة اعراقهم القديمة .
سيستمر الصراع بين الخير والشر بين الاصيل والهجين بين الانسان الملاك والانسان المتحول … قد يكتشفه العلم ويتدرج نحو معرفة حقيقة الانسان وسيرته في الأكوان .
خالص تقديري وتحياتي لكم