“ما فائدة وصول اللقاح في الوقت الضائع، الإصابات بالفايروس في انخفاض مستمر، ولا حاجة ضرورية طارئة لتلقيه مع بلوغ مواطني كردستان مرحلة عالية من الوعي في مكافحة كوفيد- 19، واجتيازنا مرحلة الخطر”. هكذا يعبّر ديلان حمه (44 سنة) وهو موظف في أحد المراكز الصحيّة بمحافظة السليمانية، بسخرية سوداء، عن موقفه من وصول لقاح “فايزر” إلى الإقليم في نهاية شهر شباط/ فبراير المقبل، بعدما فتك “كوفيد- 19″، بأرواح والديه، وأحد اصدقائه المقرّبين في الدائرة الصحية حيث يعمل.
أظهر انتشار وباء “كورونا” مواطن الخلل والضعف لدى القطاع الصحي في إقليم كردستان وعدم قدرته على مكافحة الجائحة من دون اللجوء إلى إجراءات صارمة مثل حظر التجوال ومنع التنقل الداخلي بين محافظات الإقليم، وتعطيل المؤسسات التعليمية والخدمية، في وقت ينتشر الفساد لينخر في مختلف القطاعات في كردستان من دون استثناء. ولا يحيد واقع القطاع الصحي الكردستاني عن ذلك الموجود في العراق عموماً الذي يحتل المرتبة 176 من أصل 195 دولة، بحسب المؤشر العالمي للأمن الصحي، استناداً إلى لائحة أعدها مركز “جونز هوبكنز”، ونشر للمرة الأولى عام 2019 وتضمن إشارات إلى مشكلات عدة متعلقة بندرة التمويل، وتدني الأولوية المُعطاة للصحة في الميزانية الحكومية، والبنية التحتية المتداعية ونقص الأطباء وطاقم التمريض. وهناك ما يعادل 8.2 طبيب لكل 10000 نسمة في العراق، وفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية”، وهو ما يجعله عاجزاً عن مواجهة تفشي الفايروس.
شلّ “كوفيد- 19” مع اللحظات الأولى لإنتشاره قبل نحو عام تقريباً دوام المدارس والمعاهد والجامعات والدوائر والمؤسسات الحكومية، لكنها سرعان ما عادت الى عملها شبه الطبيعي تدريجياً بعد فرض حظر تجوال أخذ أسابيع مظلمة اقتصادياً ومادياً من حياة المواطنين، لا سيما الفئات الفقيرة التي تعتمد على دخلها اليومي لتأمين قوتها. وهو أمر يضع الإقليم بين نارين: الانهيار الاقتصادي أو الانهيار الصحي. وكما هي الحال مع معظم بلدان العالم، ينظر إلى اللقاح كمنقذ على هذا الصعيد.
لكن الكثير من الأسئلة والاستفسارات باتت تقلق الشارع الكردي، بعد تعاقد العراق مع شركة “فايزر” لشراء اللقاح، كما أعلن وزير الصحة حسن التميمي، مؤكداً توفير 1.5 مليون جرعة منه على أن تكون أولوية توزيعه على الكوادر الصحية والقوات الأمنية وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة. أكثر الأسئلة التي تسمعها بين الأكراد: هل ستعطي بغداد إربيل حصتها من اللقاح أم أنها ستمتنع عن ذلك؟ وهو سؤال يأتي على خلفية الأزمة السياسية بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، والمتعلقة بملف النفط والمعابر الحدودية وغيرها من الملفات الشائكة العالقة منذ سنين، وقد سبق للعاصمة أن امتنعت عن دفع رواتب كردستان وميزانيتها لرفض الأخيرة الالتزام بالاتفاقات المبرمة بينهما، وهو ما أدى إلى وقوع الإقليم في فوضى تأخر الرواتب ووقوع احتجاجات غاضبة في أجزاء واسعة من الإقليم ضد الفساد وتأخر الرواتب ونظام الادخار الإجباري المفروض على الموظفين.
يستغرب المتحدث بإسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر إثارة هذا النوع من الأسئلة، فـ”التوزيع سيكون مركزياً على جميع المحافظات وبحسب الكثافة السكانية، وستكون لإقليم كردستان حصة معيّنة من الجرعات بالاستناد إلى عدد سكانه ويستلم حصّته كما يستلم بقيّة الأدوية والمستلزمات الطبية من الوزارة الاتحادية”، مؤكداً لـ”درج” عدم قدرة حكومة الإقليم منفردة، على إجراء أو توقيع أي اتفاق لاستلام لقاح “فايزر” أو غيره لأن هذا الإجراء مرتبط حصراً بالحكومة الاتحادية.
يأتي نفي المتحدث حول عدم قدرة حكومة الإقليم على إبرام أي عقد حول اللقاح في وقتٍ عقدت وزارة الصحة في حكومة كردستان أول إجتماع لها مع الشركة المنتجة للقاح “فايزر” في 7 كانون الثاني/ يناير 2021 من أجل تأمينه في الإقليم إضافةً إلى اجتماعين موسعين مع شركة AstraZeneca، لتأمين لقاحها أيضاً.
يؤكد وزير الصحة في حكومة كردستان سامان برزنجي خوض وزارته نقاشات مكثفة مع شركتي “فايزر”، و”أسترازينيكا” من أجل شراء لقاح فايروس كورونا، في الوقت الذي خصصت فيه حكومة الاقليم ميزانية مالية لشراء اللقاح بهدف البدء ببرنامج التطعيم ضد الوباء. برزنجي يقول إن المسؤولين الصحيين العراقيين “أبلغونا بأن اللقاحات ستصل الى البلاد في نهاية شهر شباط المقبل وستكون حصة الاقليم من هذه اللقاحات مضمونة”.
وفتح الإقليم، بحسب وزير صحته، قنوات للتباحاث مع الشركات المنتجة للقاح، وتحدث مع قنصليات بلدانها من أجل تأمين كمية أكبر من الجرعات، مشيراً إلى أن حكومة كردستان أبدت استعدادها مسبقاً لتأمين ميزانية مالية لشراء اللقاح للمواطنين.
لا يقتنع المواطنون في الإقليم بوعود الصحة العراقية وصدقيتها بإرسال حصتهم من اللقاح، يقول هورامان خالد (35 سنة) وهو يدفع عربته لبيع “الشلغ” أمام قلعة أربيل الشهيرة: سيتكرر مشهد إمتناع بغداد عن إرسال اللقاح لكردستان كما حصل مع الرواتب والميزانية الشهرية، تعوّدنا منذ سنوات أن نكون الحطب لنار الصراعات بين السلطتين الكردية والعراقية”.
وإذا كان هورامان لا يثق بالحكومة الاتحادية، فإن كثيرين غيره لا يثقون باللقاح نفسه، بسبب عوامل نفسية وثقافية وإعلامية، إذ يرفض كثيرون في كردستان تلقي اللقاح بسبب نظريات المؤامرة وما يشاع من أخبار ملفقة حول “آثار جانبية خطيرة”، وهو ما يرجعه المتخصص في الأمراض النفسية د. محمد خورشيد في حديثه لـ”درج” إلى عدم قيام وسائل الإعلام بالتوعية الكافية والصحيحة والعلمية لتشجيع المواطنين على ضرورة تلقي اللقاح وعدم الخوف منه كما يُشاع، إضافةً الى تقصير الدوائر المعنية في وزارة الصحة في التسويق لأهمية اللقاح وتشجيع المواطنين على تلقّيه وتقديم الدعم النفسي لهم.
صلاح حسن بابان