الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاتالمجموعة القصصية ( حدائق الارامل ) البحث عن الزمن والهوية: جمعة عبدالله

المجموعة القصصية ( حدائق الارامل ) البحث عن الزمن والهوية: جمعة عبدالله

تمثل هذه المجموعة القصصية للكاتب ( ضياء جبيلي ) تناسق مبدع في الجمع بين الواقع والخيال المتخيل  , في عتبات بين الواقعية الرمزية , والرمزية الفنتازيا الغرائبية , الممتدة في خارطتها الواسعة ,  واتجهاتها الادبية لعوالم شتى في السريالية الغرائبية . التي تجعل شخوصها مصابة بالاحباط والحزن والانكسار والهزيمة , في شتى معالم الصراع الحياتي . في ميادين عديدة في الحب والحرب والرومانسية والبحث عن الهوية والزمن المفقود . في عوالم متضاربة في التداعيات من عوالم كافكا والمسخ , الى عالم زوربا كازنتزاكي وعشيقاته الارامل . الى بروست والبحث عن الزمن المفقود . الى عالم جوروج اورويل في حديقة الحيوان. الى عالم همنغواي في الشيخ والبحر . الى عالم الغرائبي في رواية العطر للكاتب الالماني باتريك زوسكيند . الى عالم رومانسية شكسبير روميو وجوليت  , وغيرهم من الكتاب المشهورين , يطوع ويكيف هذه العوالم يخلطها  في بوتقة واحدة في المناخ العراقي والطقوس العراقية  . يعني براعة تؤليفية في صناعة الحدث السردي في قصص المجموعة التي تضم 17 قصة قصيرة . تناولت بأشكال مختلفة الواقع الاجتماعي العراقي . من خلال المعنى الدال في غرائبية الحدث . بأن تأخذ الاشكال الحياتية بين الغرائبية والفنتازيا . لكنها تكشف عمق ازمة الواقع العراقي  , التي تجعل الانسان مهدداً في حياته , سواء في حالة الحب والحرب , وصراع الارادة التي لا تقهر , في عالمها الواقعي والمتخيل . لنتناول بعض هذه العوالم من خلال بعض القصص القصيرة في المجموعة :
1 – عوالم رواية العطر  للكاتب الالماني باتريك زوسكيند : في عوالمها الغرائيبية في اكتشاف العطر من الاشياء الغريبة من الكائنات الحية بما فيها جلد الانسان وجثته . ففي قصة ( عمر الورد ) تأخذنا الى مسألة الجشع واستغلال الاشياء الجميلة حتى اهلاكها ونخرها بالقبح أو العفونة حتى الموت . ولدت وهي تحمل روائح العطر من خلال دموعها الباكية . فتصورت الام ان هذه روائح العطور من البودرة المعطرة , لكن اكتشف بعد ذلك بأن هذه العطور من دموعها , واعتبرت معجزة وهبة مباركة من الله  . وكانت الام  تأخذ طفلتها الى مجالس الحسينية للنساء في عاشوراء , لجمع الهبات والمال , وحين كبرت تقدم الى طلب يدها للزواج العطارين من تجار العطور  , ولكن حظها وقعت في تاجر عطور بخيل , كان يستخدم العنف حتى تبكي ليجمع دموعها العطرة ليتاجر بها  , حتى انهكها وحولها الى جلد وهيكل عظمي حتى اهلكت وماتت .
2-  ( البحث عن الزمن المفقود ) بروست . في قصة ( البحث عن الزمن المفقود ) في اول يوم من عمله الوظيفي اهديَ اليه رواية ( البحث عن الزمن المفقود ) وخلال اربعين عاماً من الخدمة لم ينجز قرائتها , حتى احيل على التقاعد , وحل محله موظف شاب , واهداء له الرواية لعله يكتشف الزمن الضائع في حياة الانسان .
3 – البحث عن ازمة الهوية : من خلال القصة القصيرة  ( قصة محنة الجندي حميد ) . وجد نفسه مغطى بالجثث فوقه كغطاء يحميه من الرصاص من كلا الجانبين المتحاربين في حرب طاحنة بين العراق وايران. ففضل هذا المنوال ان يكون تحت الجثث بدلاً ان يقتل  في جبهات الحرب , لكن الزمن طال وهو محشوراً بين الجثث , ويسمع اصوات التي تبحث عن  اخلاء الجرحى , لكن الخوف لم يكشف عن نفسه , خوفاً  من أن  يقع في الجانب الخطأ , وممكن ان يطلقوا عليه النار , فبقى على هذه الحال حتى تفسخت جثته , اصبحت جثته من الجثث المجهولة الهوية . وكلا الطرفين يرفض قبول جثته . في الشك بالهوية والانتماء .
4 – زوربا كازنتزاكي وعشيقاته الارامل . في قصة ( حديقة الارامل ) آدم مولع بهوس بالكتب وقراءة الروايات , رغم تحذير أمه الارملة  , التي تلح عليه بترك الكتب وانشغال  بهواية آخرى . لكنه يرفض ذلك  فيقول لها ( أنا لست طفلاُ ) وفي احد الايام اكتشفت بأنه يقرأ رواية ( المسخ ) لكافكا , فأستشاطت غضباً وفي صباح اليوم التالي ذهبت الى مدرسته وحذرت المشرف من مغبة السماح له بقرأءة الكتب ,وقالت وجدت بحوزة ابنها  رواية المسخ , فقال المشرف مستفسراً ( هل تحول أبنك الى صرصار ؟ ) ص39 . فأجابت الام بغضب ( ليس تماماً ) لكنه ( كان بحاجة الى من يقلبه على بطنه ) ص39 . فكان ( آدم ) يحرص في جمع مصرفه اليومي لكي يشتري الكتب , وفي احد الايام اشترى رواية وغلفها بكتاب ديني لكي يخدع أمه المتشائمة من الكتب , فحين رأته قالت ( هذا افضل من كتب المهرطقين ) , واراد ان يتخلص من الرواية فدفنها في حفرة في حديقة البيت , ونثر فوقها فسائل الريحان , ولكن بعد ثلاثة أسابيع تفقد مكان الحفرة التي دفن فيها الكتاب , فشاهد في مكانها اصبع فطر , وحينما حاول ان ينتزعه من مكانه . صاحت به أمه الارملة ( ابتعد عن فطري يا ولد ! ) ص41 , ولكن بعد ايام اخذ الفطر ينمو ويكبر ويتكلم وينطق بالكلمات اليونانية , وكلما اقترب منه , يتناهى له صوت أمه كأنه يسمعه تقول ( أبتعد عن رجلي يا ولد ! ) ص41 , وبعد ايام ازدحمت الحديقة بالنساء الأرامل بالثياب السوداء  يتزاحمن  حول اصبع الفطر , تيقن ان الفضيحة آتية  لا محالة . وقال متذمراً : ( يا الهي !
 – كم زوربا نحتاج لحديقة سوداء من الارامل )ص43 .
5 – شكسبير – روميو وجوليت / رومانسية عشقية في قصة ( الذراع ) :
يتسلل ( حازم ) الى عشيقته من السياج الى شجرة السدرة حتى يصل الى غرفتها , يتطارحان همسات عشقية في نغمات الغرام والهيام , حتى اخذتها الغفوة الحالمة ونامت على ذراعه , ومضت ساعات طويلة وهي في غفوة الحلم العشقي , حتى جاء  الصباح سمع الطرق على باب غرفتها وعرف ان الاصوات هي من  أمها وابيها , يدعوانها الى النهوض لانها تأخرت كثيراً في الذهاب الى جامعتها ,  وتواصل الطرق دون جواب , وشعر ( حازم ) في الارهاق , فقد الاحساس بذراعه فلم يستطع ان يحركها , وهي في الغفوة الحالمة وبعد ثلاثة أيام تخثر الدم في عروقها, فلم يفلح في ايقاظها حتى اصبحت هيكل عظمي وتحولت الى جثة هامدة .
6 – الشيخ والبحر / همنغواي في قصة ( أنتقام المارلين )
 لم يكن الصياد ( عطية ) يكف عن مزاولة مهنة الصيد في البحر حتى بعد التقاعد ,  وبلوغ عمره الرابعة والسبعين عاماً , أن يرتاح مثل بقية زملائه الصيادين المتقاعدين , فظل يواظب على الخروج مبكراً في الصباح , لكنه عاكسه الحظ لعدة ايام يخرج الى البحر ويعود خالي الوفاض , فقرر  ذات صباح ان يخرج ولم يعود بدون صيدة دسمة ,  حتى لو غرق في البحر أو اصبح طعماً لحيتان البحر , استعد لمهمته وابحر بقاربه الصغير  الى البحر ,  وشعر أنه ابتعد كثيراً في البحر ,  وشعر بشيء ثقيل يدور حول حبل صنارته , حاول ان يسحب الحبل فلم يستطع ,  وظل يقاوم هذا الامر لثلاثة ايام في البحر , وفي اليوم الرابع , ذهب ابنائه الى مركز الشرطة لتبليغ عن مصيره المجهول ربما غرق في البحر . واثناء مقاومته ومصارعته الشيء الثقيل الذي علق بحبله  ويرفض الانصياع , شاهد يقترب منه سمكة القرش ارتعب من ذلك ,  ولكن سمكة القرش ألتفت حول حبله , فحاول ان يبعدها عنه , ولكنها  ظلت تدور حوله حتى انهكت قواه , واخذ غفوة بعد التعب الايام المضنية  وحين استفاق من غفوته , شاهد فنار الميناء واضوية المدينة قريبة منه ,  فأخذ  يجر نفسه جراً , ولكن شاهد سمكة القرش ملتفة حول الحبل , فأخذ يسحب القارب مع السمكة نحو ميناء المدينة .
7 – فنتازية عراقية غرائبية , في قصة ( ذروق لتنين ) :
بعد انكسار الجيش العراقي وانسحابه من الكويت , هبت الناس في انتفاضة وهجمت على مخازن المؤن الغذائية لتنهب المواد الموجودة في هذه المخازن , التي اصبحت للنهب والسرقة , وكان من بين الجموع الغفيرة ( سراج الدين ) لكنه  لم يبحث عن المواد الغذائية  مثل  الطحين والسمن والعدس والرز وغيرها من المواد  , بل كان يبحث عن توابل والبهارات الحارة الهندية التي تحرق اللسان . مثل الفلفل الحار والشطة والكجب الهندي وغيرها , وحمل الصناديق الى البيت , حتى بوخته زوخته بهذه الاشياء الهندية المجنونة , التي تسطع منها الادخنة من يتناولها . بعد أخماد انتفاضة عام 1991 , جر الى مديرية الامن ومارس بحقه التعذيب الجسدي  والنفسي , ليس بأنه مشاركاً مع الاخرين في الانتفاضة , وانما عليه ان  يعترف بأنه هندي وليس عراقياً ,  وإلا سيموت تحت التعذيب , رغم انه أقسم وحلف بأنه عراقياً عن أب وجد حتى جده كلكامش ولكن اصرار المحققين , بأن عليه  أن يعترف أنه هندي ( أعترف كلب . . بأنك هندي ) وكانوا يضربونه بقسوة ووحشية حتى تعبوا من الضرب وقال له المحقق ( أعترف سيؤمن لك تسفير عادلاً الى بلدك , بدل ان تموت هنا مثل كلب … أعدك ) ص109 , ولكن بعد مرور عاماً واحد حكم علية بالاعدام شنقاً حتى الموت . وفي أحد الايام نودي عليه , وتيقن في قرارة نفسه بأنه سينفذ حكم الاعدام بحقة , ولكن كانت المفاجئة الصاعقة بأنه افرج عنه واطلق سراحه من حكم الاعدام  , فقال له السجان وهو يصحبه حتى الباب الخارجي للخروج  ( أشكرك معبودتك البقرة أن لكم بلاداً تحترم الانسان مثل الهند , وتقدر مواطنيها الى هذه الدرجة . فعلى الرغم من عدد نفوسها الهائل – مليار؟ أليس كذلك ياعبد البقرة ؟ لكنها طالبت بحياتك , لابد أنك شخصية مهمة , لكي يطالب بك رئيس الوزراء , بلدك عظيم مثل الهند أم أنا مخطئ ؟ ) ص112 .
     جمعة عبدالله

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular