الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeاخبار منوعةهل يمكن لبلدٍ شراء بلد آخر؟

هل يمكن لبلدٍ شراء بلد آخر؟

لماذا الدول لا تشتري وتبيع بعضها ببساطة؟

رجل يحدق في خريطة العالم المعلقة على الجدار

في أغسطس 2019، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضجة عارمة عندما طلب من مساعديه البحث في إمكانية شراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك. وكما ذكرت قناة (فوكس نيوز)، أوضح ترامب أنها بشكل أساسي صفقة عقارية كبيرة، وقال إنها ستفيد الدنمارك، التي تقدم مئات الملايين من الدولارات كدعم للجزيرة كل عام. وقال ترامب: ”لذا فهم يتحملون خسارة كبيرة، ومن الناحية الإستراتيجية سيكون ذلك لطيفًا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة“.

سرعان ما أعربت رئيسة الوزراء الدنماركية (ميت فريدريكسن) عن رفض بلادها لأي صفقة، مشيرةً إلى أن جرينلاند منطقة تتمتع بحكم ذاتي داخل الدنمارك منذ عام 1970 ولديها برلمانها المنفصل ورئيس وزرائها وعلمها الخاص، وهي ليست ملكية دنماركية خاصة ليتم بيعها. وأوضحت وفقًا لتصريحاتها في صحيفة Sermitsiaq الجرينلانديّة قائلة: ”أن جرينلاند ليست للبيع، جرينلاند ليست دنماركية، إنما جرينلاندية، وآمل بصدق ألا يكون هذا الأمر جديّاً“.

جادل البعض بأن مصلحة ترامب في شراء جرينلاند لم تكن أمراً غريباً، فمن القرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين، اكتسبت الولايات المتحدة الكثير من أراضيها من خلال عمليات شراء الأراضي، بما في ذلك شراء لويزيانا عام 1803، وصفقة عام 1867 لشراء ألاسكا من الحكومة القيصرية لروسيا. وقد قامت الولايات المتحدة والدنمارك بأعمال تجارية من قبل، على الرغم من أنها كانت منذ أكثر من قرن بقليل.

في عام 1917، اشترت الولايات المتحدة جزر العذراء من الدنمارك، وبالعودة إلى عام 1946 قامت إدارة الرئيس الأسبق للولايات المتحدة (هاري ترومان) بتقديم عرض سري لشراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، كما ذكر في الإذاعة الوطنية العامة.

ومع ذلك، فإن الصفقة التي اقترحها ترامب أخذت أصداء أكثر من كل سابقاتها، لأنه عرض شراء جزيرة أصبحت في الواقع الآن ومن نواح كثيرة دولة منفصلة داخل دولة. هل يمكن لدولة ما أن تشتري دولة أخرى بأكملها؟ إنه مفهوم محير للعقل.

هل حدث ذلك من قبل؟

هناك مثال تاريخي واحد على الأقل لذلك حدث في القرن التاسع عشر. بالعودة إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، عقد ملك بلجيكا (ليوبولد الثاني) ومجموعة من المستثمرين صفقات مع مئات من الحكام المحليين، وفي النهاية ادّعوا السيطرة على حوض نهر الكونغو بأكمله تقريبًا.


جمعت المجموعة الأراضي المشتراة وأعلنوا أنها دولة مستقلة جديدة، دولة الكونغو الحرة، و(ليوبولد) ملكًا عليها. تم الاعتراف بالدولة الجديدة من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى في مؤتمر برلين في 1884-1885، مما منحها قشرة رقيقة من الشرعية.

تبين أن (ليوبولد) كان حاكمًا جشعًا ووحشيًا بشكل مرعب، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أُجبر العديد من الكونغوليين على العمل كعبيد في مزارع المطاط، حيث أبقاهم المشرفون المسلحين بالسياط اللولبية المصنوعة من جلد فرس النهر المجفف منضبطين.


في نهاية المطاف، تنامى الغضب الدولي ضد فظائع (ليوبولد)، التي تسببت في انخفاض عدد سكان البلاد لأكثر من النصف، لدرجة أنه أُجبر على التخلي عن حتى عن عرشه في بلجيكا، حيث نقل السيطرة إلى الحكومة البرلمانية البلجيكية في عام 1908 مقابل دفع مبلغ قدره 50 مليون فرنك بلجيكي، بالإضافة إلى التبرع بمبلغ 40 مليون فرنك لمؤسسة الملك وتحمل 110 ملايين أخرى من الديون –حوالي 63 مليون بالدولار الأمريكي هذه الأيام–.

قد لا يبدو هذا كثيرًا بالنسبة لأمة بأكملها، لكن تذكر أن (ليوبولد) قد سرق بالفعل كميات هائلة من الثروة.

القانون الدولي اليوم

إن شراء بلد بأكمله يبدو اليوم مسألة أكثر تعقيدًا، كما هو الحال بالنسبة لشراء أرضٍ كبيرة كإقليم لويزيانا أو صفقات ألاسكا.

يوضح الأستاذ (جوزيف بلوشر) في كلية (ديوك) للقانون قائلًا: ”كان هذا النوع من الأمور شائعًا جدًا، وقد جعلت القواعد القديمة للقانون الدولي الأمر بسيطًا للغاية، فقد كان على الدول المعنية بشكل أساسي الاتفاق على السعر فقط، ولكن المشهد القانوني قد تغير في القرن الماضي، فلا تنطبق القواعد القديمة على علاقات اليوم. والأهم من ذلك، أن ظهور مبدأ تقرير المصير يعني أنه لكي يكون بيع الأراضي المأهولة بالسكان شرعيًا، يجب أن يستند إلى موافقة السكان الذين يعيشون في تلك الأراضي. لذلك حتى لو امتلكت الدنمارك جرينلاند، كما قال الرئيس، فسيظل من حق سكان جرينلاند أن تتم مشورتهم في الأمر“.

تشرح (ريبيكا ريتشاردز)، أستاذة محاضرة في العلاقات الدولية بجامعة (كيلي) في (نيوكاس) بالمملكة المتحدة، قائلة: ”بصرف النظر عن القانون الدولي والقانون المحلي، من الصعب أن يُنظر إلى بيع الأراضي على أنه سلوك مقبول في النظام الدولي اليوم، لا سيما عندما تكون المنطقة المعنية منطقة مستقلة، هذا السلوك قريب بشكل غير مريح من الممارسات الاستعمارية، ومن الصعب جدًا تخيل الموقف حيث يكون هذا مقبولاً، لا سيما بالنظر إلى الدول المشاركة فيه“.

بمعنى آخر، قد يكون كل هذا مجرد حجة خلافية، وليس فقط لأن الدنمارك رفضت فكرة بيع جرينلاند. يشير (روبرت ديتز)، كبير المستشارين السابقين لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأستاذ السياسة العامة في كلية السياسة والحكومة بجامعة (جورج ميسون) في فيرجينيا الأمريكية: ”لا معنى لشراء وبيع البلدان من الناحية الاقتصادية، فهنالك طرق أكثر فعالية للحصول على الأشياء التي نريدها“.

وبدلاً من شراء الأراضي، يشير (ديتز) إلى أنه من الأسهل والأرخص استئجار الأراضي للقواعد العسكرية ببساطة أو إبرام صفقة بشأن حقوق استخراج الثروة المعدنية (مثل مخزون جرينلاند من المعادن الأرضية النادرة، والتي تعتبر ضرورية للتكنولوجيا الحديثة مثل الهواتف الذكية).

يبدو أن رئيسة الوزراء الدنماركية (فريدريكسن) توافقه في هذا. كما قالت مؤخرًا لمحاور تلفزيوني: ”لحسن الحظ، انتهى الوقت الذي تشتري فيه وتبيع دولًا وسكانًا آخرين“.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular