سوق العمل في العراق له تاريخ يمتد منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة تقريباً والتحديد التاريخي يعود لسبب ضبط الحدود للدولة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وقد كان سوق العمل قائماً ما قبل الاستقلال وإقامة الدول المركزية عبارة عن سوق عامة مشتركة بين أجزاء الدولة العثمانية، وحرية الانتقال للعمل ترتبط بشكل شخصي تقريباً كما يقال ” كسباً للرزق ” فلا توجد قيود تمنع انتقال العامل من العراق الى سوريا أو من سوريا الى مصر او الحجاز او دول المغرب العربي لا بل حتى الدول والمدن غير العربية التي كانت ترضخ للسيطرة العثمانية تتنقل العمالة إليها بمجرد وجود أعمال او تطورات في مجالات الزراعة والصناعة وحركة البناء والتنقيب واستخراج النفط والأعمال الأخرى، وتلاحظ وجود روابط عشائرية وعائلية موجودة في تلك البلدان التي هاجر اليها الناس بقصد العمل او الانتقال للعيش أو اسباب أخرى، ومن المسلمات البحث عن مصدر للعيش وبوجود اغراءات مادية واجتماعية وتطور لأساليب الحياة الحديثة، وبسبب دولهم الفقيرة ذات الدخول المنخفضة بالنسبة للفرد أو المجتمع، وتعد العمالة الأجنبية بعد التنقيب على النفط وبدأ الاستخراج والتسويق والصناعة ذات فوائد جمة بسبب التطور التكنلوجي والتعليم الأكاديمي والمهني المرتفع، وارتفاع مهارات العمال الوافدين في المساهمة بقطاع البناء والمؤسسات الصناعية والتجارية وحتى المساهمة الفعالة في البنى التحتية مثل النقل ومرافق الاقتصاد الحيوية، إلا أن هذه المنافع الإيجابية تصاحبها مشاكل وقضايا سلبية اذا لم تستخدم ضوابط قانونية وإنسانية ونقابيه وبخاصة اذا استخدمت بعشوائية واختصرت على القطاعات الحكومية دون القطاع الخاص كما يجب ضبط الإعداد وفق اتفاقيات قانونية كي لا تكون زيادة مطردة على حساب العمالة الوطنية إضافة لقضايا مستقبلية، وهنا يجب ان يلعب التخطيط المركزي بخصوص استخدام العمالة الأجنبية وفق أسس وطنية وتوازن في سوق العمل الوطني.
في العراق بقيت الحاجة للعمالة الأجنبية قليلة أبان الحكم الملكي والعهد الجمهوري الأول لكن الأمور تغيرت بعد انقلاب 17 / تموز / 1968 واستلام السلطة بعد 30 تموز 1968 بشكل كامل من قبل حزب البعث العراقي، وتبعتها بعد ذلك قرار تأميم النفط والخطة الانفجارية، وقبل شن النظام الحرب على ايران 22 / أيلول / 1980 تواردت الأيدي العاملة بدء من لبنان ثم استمر تدفق العمالة العربية وبخاصة المصرية اثناء الحرب العراقية الإيرانية وزجت أكثرية الطبقة العاملة العراقية في الحرب ليمتلئ القطاع العام بالوافدين ثم القطاع الخاص حتى الخدمي، ولم تخلو أي محافظة من العمالة العربية من اقصى الشمال الى أقصى الجنوب، في هذا الواقع بسبب الحرب وضحاياها كان نصيب الطبقة العاملة العراقية كبيراً في أعداد قتلى الحرب أو الإصابات التي تعد بالآلاف ثم لم يخلو الموقف التراجيدي من هروب الآلاف واللجوء الى دول الجوار ثم الدول الغربية بما فيها أمريكا وكندا وأستراليا، اعداد كبيرة من القوى المنتجة دمرتها الحرب ودمرت مصانعها ومعاملها التي أصبحت عبارة عن هياكل لا فائدة منها، عندما وضعت الحرب اوزاها وتكشفت الحقائق كانت الأيدي العاملة العربية والأجنبية مهيأة للرحيل بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة وعودة آلاف العمال العراقيين الى بيوتهم وليس إلى مواقع الإنتاج المدمرة، وللتخلص من هذا الوضع للنظام والعمال العائدين والعمالة الوافدة فقد بدأ النظام بتقليص الأيدي العاملة الوافدة بطرق لا تختلف عن طرقه الإرهابية مما دفع الى ترحيل الآلاف منهم طوعاً او بسبب الظروف القاسية ومنها الضغط الأمني، وواجه العمال العراقيين حينذاك اصدار القانون 150 لسنة 1987 الذي نص على الغاء ثلثي الطبقة العاملة في قطاع الدولة وأعتبر العمال موظفين ثم اصدر قرار إلغاء قانون العمل رقم 151 لسنة 1970 وتوجه بإصدار قانون عمل مجحف حول التنظيم النقابي رقم 52 لسنة 1987 الذي خص القطاع الخاص والقطاع المختلط والتعاوني “، ثم اصدر استكمالاً لسياسته التعسفية وتجاوزاً على حقوق العمال القانون رقم ( 71 ) لعام 1987 ، وأعتبر هذا القانون من أتعس القوانين التي سنت في أكثرية دول العالم وبخاصة النامية منها ولقب بحق حينذاك بقانون أرباب العمل وليس قانوناً للطبقة العاملة. وواصلت الدكتاتورية سياستها الإجرامية بالتخلص من التنظيم النقابي في قطاع الدولة ” هذا الحال الذي أدى الى تردي الأوضاع السياسية ومن ثم التجاوز على حقوق العمالة الوافدة والطبقة العاملة العراقية المشروعة.
لقد شهد سوق العمل بعد الاحتلال وسقوط النظام الدكتاتوري حالة تتشابه مع حالة أكثرية البلدان التي احتلت عسكريا، وتوافد العمال الأجانب من آسيا اكثر من غيرهم لسوق العمل لوجود فراغ واسع في المجالات الخدمية دون القطاع الحكومي أما القطاع الخاص والمختلط والتعاوني فقد كان شبه مشلول ولم يتعرض الى تدفق العمالة الوافدة لضعف المردود الكبير وبمرور سنوات ما بعد الاحتلال وتشكيل مجلس الحكم والحكومات العراقية ازداد التدفق وأصبحت العمالة الوافدة ثقلاً اقتصادياً وبخاصة العمالة التي ليس لها نفع في الانتاج الوطني الفعلي ، ومن هنا اصبح العمال العراقيين أمام قضية جديدة تجابههم في سوق العمل ( لا يجب ان يفهم رفض وكراهية للعمال الوافدين، لأنها قضية طبقية يمكن ان تحل بطرق إنسانية وقانونية وان تخضع للموقف المتوازن من حقوق للعمال الوافدين وحقوق العمال العراقيين) وواجباتهم ومدى الاستفادة المتبادلة من وجودهم لقضية الإنتاج والعمل الوطني ، لكن تعقيد الظرف العراقي في الوقت الراهن والمشاكل التي يمر بها الشعب وبخاصة الطبقة العاملة العراقية ” عدم الاستقرار و الإرهاب والميليشيات الطائفية التابعة ” لا يمكن التغاضي عن حجم العمالة الوافدة الزائدة عن الطلب المحدد ولا سيما تلك العمالة التي دخلت الى البلاد بصورة غير شرعية حيث أشار لها وزير العمل والشؤون الاجتماعية عادل الركابي في حديث صحفي، “ان الوزارة من خلال متابعتها رصدت وجود ما يقارب الـ 600 ألف عامل أجنبي في البلاد” أنه رقم كبير يدل على مدى اختناق سوق العمل ولا سيما اذا اضيف العدد الشرعي للعمال الوافدين، والرقم غير الشرعي يدل مدى هول الاستنزاف للاقتصاد الوطني بدون أسس قانونية وشرعية، ونتفق مع قرارات الوزارة في إحالة المسؤولين وأصحاب العمل الى القضاء والمحاكمة المتجاوزين على قانون العمل وملاحقة أي تجاوز وضرورة “ تدقق أوراقهم الرسمية في أماكن عملهم بشكل شرعي” ان القيام بدارسة هذه الموضوعة على أسس علمية مسؤولة يتطلب بذل الجهود مع المنظمات العالمية التي تختص بقضايا العمالة الوافدة وقد اعتمد هذا التوجه منظمة اليونسكو في 8 /12 / 2019 وبالتعاون مع وزارة التخطيط وغرفة تجارة وصناعة أربيل اطلاق ورشة تقرير ” تقييم سوق العمل في العراق” وخرج المشروع بدارسات عملية للقطاعات ومشاركة وحضور ما يقارب 100 خبير و 35 متدرب للورشة التدريبية وساعدت ورشة العمل على “ زيادة الوعي بقضايا سوق العمل والتحديات المحتملة في بيئة سريعة النمو في القطاعات الثمانية المحتملة. ولذلك تم تصميم مشروع تقييم سوق العمل وتحليل المهارات القطاعية للتعرف على العرض من الخريجين من مؤسسات التعليم والتدريب” ومازال العراق بحاجة لمثل هذه الدراسات، هذه بعضاً من المشاكل التي تواجه سوق العمل في العراق والعمالة الوافدة والطبقة العاملة العراقية ولهذا يحتاج العراق والاقتصاد العراقي الى دراسة علمية وإيجاد الحلول لمشاكل الطبقة العاملة العراقية والعمالة الوافدة. بدون الاخلال بالحقوق المنصوص عليها في منظمة العمل والحقوق النقابية