بعد نصف قرن من إنتهاك القوانين، وفي الخامس من شباط، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي عن توسيع نطاق اختصاصها ليشمل الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967. ويوفر هذا القرار الفرصة للمدعي العام للمحكمة لفتح تخقيق في قضايا تتعلق بجرائم الحرب التي ارتكبت أثناء العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي.
وقد تسبب القرار فى رد فعل حاد فى اسرائيل. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو عاطفي نُشر خصيصاً بهذه المناسبة: “إذا قامت المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة إسرائيل على جرائم حرب خيالية، فستكون معاداة للسامية خالصة. لقد تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لمنع جرائم شبيهة بالهولوكوست، وهي الآن توجه ضد الشعب اليهودي. وتؤكد المحكمة الجنائية الدولية بشكل صارخ أن اليهود الذين يعيشون في وطنهم هم مجرمي حرب. وتقول المحكمة الجنائية الدولية إن الدفاع عن إسرائيل الديمقراطية ضد الإرهابيين الذين يقتلون أطفالها هو جريمة حرب “.
يدرك نتنياهو أن المحكمة الجنائية الدولية هي واحدة من الأوائل من الذين ألقوا الضوء على العملية العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في عام 2014 تحت عنوان عملية “الصخرة الصلدة”. وفي خلال هذه العملية التي استمرت عدة أيام قصف الجيش الإسرائيلي وهاجم أكثر من 1500 هدفاً في قطاع غزة. وقتل 200 شخص، وأصيب حوالي 1400 شخصاً آخراً. وهجر حوالي 20 ألف فرد منازلهم وفروا إلى الجزء الأوسط من القطاع.
هذه الصورة لا تتفق بالطبع مع قول نتنياهو إن: “هذا القرار ينتهك حق الديمقراطية في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، ويصب في مصلحة أولئك الذين يقوضون جهود السلام. وإن المحكمة الجنائية الدولية ترفض التحقيق في الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الديكتاتوريون في إيران وسوريا، والذين يرتكبون جرائم بشعة كل يوم تقريباً. وإننا سنناضل ضد هذا الانحراف للعدالة بكل ما أؤتينا من قوة “.
في شباط عام 2019 ، قررت لجنة دولية شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه يمكن إعتبار تصرفات إسرائيل ضد “مسيرة العودة” الفلسطينية جريمة حرب ضد الإنسانية، حيث أطلق جنود الاحتلال النار على مظاهرات سلمية تحت هذا العنوان تطالب برفع الحصار عن قطاع غزة. وتوفي 189 شخصاً، وأصيب أكثر من 6000. وكان من بين الضحايا عدد من الأطفال. كما اعترضت الولايات المتحدة على قرار المحكمة الجنائية الدولية، لكن بحجج مغايرة. فقد أعلن إدوارد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية: “أنه على الرغم من حقيقة أن فلسطين هي عضو في نظام روما الأساسي لعام 2015، فإننا لا نعتبر أنه من الممكن تأهيل فلسطين كدولة ذات سيادة يمكنها المشاركة في المنظمات أو النشاطات أو المؤتمرات الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية. ولدينا مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة الجنائية الدولية لتوسيع اختصاصها القانوني ليشمل المسؤولين الإسرائيليين “.
كيف يمكننا أن نفهم وجهة نظر الإدارة الأمريكية التي لا تتطابق مع وجهة نظر معظم الدول الأخرى التي وافقت على تبني فلسطين لإتفاقية روما، وتعتبرها عضواً كامل العضوية في المجتمع الدولي. ومع ذلك، ولكن هذا لا يحرج واشنطن. ففي عام 2020، أعلنت إدارة ترامب فرض عقوبات على الممثلين الرسميين للمحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك المدعية العامة فاتو بنسودا، وإلغت تأشيرتها لدخول الولايات المتحدة، بسبب واقع أن المحكمة الجنائية الدولية حاولت التحقيق في جرائم القوات الأمريكية في أفغانستان.
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس قراراً عفوياً. فبالعودة إلى عام 2019 ، صرحت فاتو بنسودة بأن هناك كل الأسباب لبدء تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، فضلاً عن التحقيق في شرعية سياسة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. ورحبت “بالصلاحية القانونية” للقرار وقالت إنها بحاجة إلى بعض الوقت للتحضير لبدء العملية.
لقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في حرب عام 1967. وهذه هي أراضي كانت فلسطين تنوي ضمها إلى أراضي دولتها المستقبلية. وإستوطن اليوم أكثر من 700000 إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ومع ذلك، تعتبر إسرائيل القدس الشرقية جزءاً من عاصمتها غير المقسمة، والضفة الغربية على أنها “منطقة متنازع عليها.”
لقد رحبت هيومن رايتس ووتش بقرار المحكمة الجنائية الدولية ، مشيرة إلى أنه “يمنح ضحايا الجرائم الخطيرة الأمل في حل عادل بعد نصف قرن من الفوضى”.ونظراً لواقع أن إسرائيل ستقاوم التحقيقات بكل قوتها، فقد تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال للمسؤولين الإسرائيليين الذين يسافرون خارج البلاد مما يهدد الحكومة الإسرائيلية بالمشاكل، وعلى وجه الخصوص بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس. لقد طلب الفلسطينيون من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الإجراءات الإسرائيلية عام 2014 ضد الجيش الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك التحقيق في إنشاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وضم القدس الشرقية. ورحب نبيل شعث، مساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال إنه يثبت صحة توجه الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية.ومع ذلك ، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أيضاً التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجيش الفلسطيني. وأعلنت ف. بنسودة أن المحكمة ستنظر في نشاط حماس التي أطلقت الصواريخ على إسرائيل في عام 2014 دون تحديد الأهداف.