كان عليها حل مشكلة الكورد المجردين من الجنسية السورية
رغم أن الحالات الناجحة المذكورة سابقاً، كانت قليلة جدا مقارنة بنسبة العائلات الذين جردوا من الجنسية، وهي تقترب من نسبة الأطفال الذين تم تسجيلهم في نهايات الستينات عند الولادات على أسم عائلات من الأقرباء، لإنقاذ أطفالهم من العدمية التي عانوه، وهنا لن نأتي على الحالات النادرة التي أدت إلى ظهور إشكاليات بين العائلتين فيما بعد.
رغم ذلك فهؤلاء الأطفال، وعلى خلفية معرفتنا لمجريات الأحداث كشهود على الواقع، كانوا في رهبة نفسية داخلية، في المدرسة أو عند مواجهة موظف حكومي أو حتى أمام المدرسين من غير الكورد، رغم ما كان يتم تلقينهم من قبل العائلتين على ما يشبه الكذب عن انتمائه العائلي، وهنا لا بد من التذكير أن العائلتين عانت من الإشكالية أكثر من الأطفال. فقد كانت السلطة البعثية في بداياتها تدرج الخدعة ضمن خانة جرم التزوير وخرق قوانين الدستور، كما وأننا نعلم أن العديد من هذه العائلات كانت تبتز وبشراهة من قبل مراكز الأمن والدوائر الحكومية التي كانت على دراية بالموضوع. أما الأطفال فالمعاناة النفسية كانت تخف عندهم مع الزمن بعد تعودهم على الواقع، وكانت تزول في فترة الشباب على خلفية إدراكهم للحقيقة، ومع النتائج التي كانوا يحصلون عليها مع الزمن، مقارنة بأصدقائهم الأخرين، وفي النهاية شريحة من هؤلاء في مرحلة الشباب وبعدها عاشوا معاناة تأنيب الضمير، ما بين العائلة الأصل والمنتسبة إليها، حتى ولو أنها طمرت في اللا شعور.
ظلت هذه المشكلة لم تخرج رسميا من جغرافية سوريا، رغم ما قامت به الحراك الكوردي من دعاوي سياسية وعلى الإعلام وفي دوريات، لكنها لم تصل إلى درجة تحفيز اللجان التنفيذية التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو إلى منظمة حقوق الإنسان، المختصين هذه الإشكاليات في جميع دول العالم، إلا مؤخرا في الواقع السوري، فقد كانت النظام يحذر ويحظر على المنظمات الدولية البحث فيها، وبالتالي وعلى خلفيات قوانين ودساتير دولية كانت هذه المنظمات أضعف من أن تتجاوز شروط السلطة السورية، وعليه فلم تتمكن القيام بأي عمل، وظلت هي وغيرها من المنظمات عاجزة أمام ما كانت تقدمه السلطات السورية من الحجج، مقابل عدمية المقدم من قبل الحراك الكوردي، والذي جلها كان فرديا، وعلى أثرها ظلت قضية التجريد من الجنسية السورية في العتمة، ولم تخرج من أروقة الدوائر الحكومية ودوائرها الأمنية، إلا القليل جداً، إلى أن ظهر الأنترنيت، وفضحت إعلاميا بعد عام 2011 أي مع بداية الثورة السورية، وانتشرت على المستويات الدولية، وبلغت مسامع المفوضيات المعنية، علما أن مفوضية الأمم المتحدة كانت قد أصدرت كتابا يعالج فيه إشكاليات انعدام الجنسية في العالم. وشرحتها في الفقرة 6(2) (أ) من النظام الأساسي له، والمادة 1(2) (أ) من اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين. ومنذ ذلك الحين اتسع هذا التكليف بسلسلة من قرارات الجمعية العامة، وعلى وجه الخصوص القرارات 50/152 لعام 1995 و61/137 لعام 2006 والذي عهد للمفوضية بمسؤولية عديمي الجنسية بشكل عام، وللأسف لم يستفيد منه الكورد إلا القليل جداُ.
يمكن مراجعة (كتيب حول حماية الأشخاص عديمي الجنسية وفقا لاتفاقية عام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية جنيف، 2014 المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2014)
https://www.refworld.org/cgi-bin/texis/vtx/rwmain/opendocpdf.pdf?reldoc=y&docid=5ae1a7e84
وهنا لا بد من التعرض إلى مسألة أخرى من المسائل المتعلقة بعدمية الجنسية، وهي في غاية الأهمية روجتها بعض الأطراف، وهي أن حصول المرأة الكوردية على حقوقها كاملة، وفي مقدمتها المجردة من الجنسية، على حق امتلاك الجنسية والمواطنة ضمن سوريا المستقبل، ستحل الكثير من القضايا العائلة بهذه المشكلة. لا خلاف على أن المطروح من الضروريات التي تبنى عليها العائلة، بل ومستقبل الوطن، إلا أنها ليست كافية ولن تحل القضية، فالإشكالية تتجاوز مجرد حق المواطنة، فما تم هو مخطط عنصري استهدف من ورائه القضاء على حقوق الشعب الكوردي في سوريا، وتحريف تاريخهم في منطقتهم ضمن الجزيرة الكوردستانية، وبالتالي كانت غاية تجريد الكورد من الجنسية، الاستيلاء على أملاكهم وأرضهم، وحصرهم سياسيا وإضعافهم ثقافيا واقتصاديا وزيادة معاناتهم معيشيا وصحيا، وهو ما سمحت لشريحة من الكتاب العرب ذوي النزعة العنصرية وتحت سقف الوطنية المزيفة نشطوا في مسيرة تحريف التاريخ الكوردي، والطعن في حقائق ديمغرافية المنطقة، متغاضين عن مسيرة قرن من التعريب والتهجير والتجريد من الجنسية والحصار الاقتصادي-السياسي، وهم بكتاباتهم تلك لا يقلون عنصرية وكراهية للكورد من الأنظمة الشمولية، بل وهم أخبث وأخطر منها، مستغلين البعد الوطني للطعن.
ولعمق وضخامة الإشكالية تجاوزت مضارها الشعب الكوردي إلى المكون العربي الذي يعيش على الجغرافية الكوردستانية، ولهذا فحصر المرأة بهذا الحق، حق الجنسية السورية والمواطنة، طعنة في القضية الكوردية وخدعة للعائلات التي عانوا الويلات على مدى العقود الطويلة الماضية.
وللاستفادة من هذه القضية حاولت سلطة بشار الأسد وتحت غطاء التصليحات في سوريا بعد الثورة، حاول حل القضية الكوردية في سوريا، لكنه حصرها في إعادة الجنسية ولجزء من الذين جردوا منها في بداية الستينات، لكن الطرق والأساليب المستخدمة فاقمت من الإشكالية، والتي كان من المفروض إشراك الطرف الكوردي فيها، أو السماح للإدارة الذاتية القيام بها، وبما أنها لم تقدم على ذلك وتجاهلت الكورد في هذه القضية الحساسة، فكان على الإدارة الذاتية القيام بالخطوة، دون انتظار سلطة بشار الأسد، ووضع حل للجريمة المستمرة على مدى نصف قرن وأكثر.
وكان بإمكانهم كإدارة كوردية-سورية وبمساعدة الأطراف السياسية والقانونية ذوي التوجهات الوطنية، وبناء على بنود يدرجونها ضمن العقد الاجتماعي، إعادة الجنسية لجميع المواطنين الكورد، بل وكان عليها إضافة إلى ذلك تقديم بعض التعويضات لمعدومي الجنسية وعائلاتهم، على ما خسروه وتأذوا منه على مدى جيلين كاملين، من خلال إعادة الأراضي الكوردستانية التي استولت عليها سلطة الأسد وملكتها لأبناء مستوطنات الغمريين، وللأسف كانت هذه واحدة من النواقص التي لم تتداركها الإدارة الذاتية وحاولت سلطة دمشق الاستفادة منها، وأدت إلى ترسيخ الخطأ الذي لا يقل عن الأول، وهي استمرارية المستوطنات وعدم التعرض لما قامت بها سلطة الأسد من الاستيلاء على أراضي الشعب الكوردي.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
6/2/2021م