في محاولة لثني أميركا عن غزو العراق عام 2003، وافق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على الاستجابة لمطالب الأمم المتحدة بتدمير صواريخ الصمود 2 في 22 فبراير/شباط 2003.
البداية
كان العراق بدأ تطوير صواريخ الصمود 2 (صاروخ أرض-أرض باليستي تكتيكي يعمل على الوقود السائل) بعد حرب الخليج الثانية 1991، وتم إجراء أوّل تجربه إطلاق له عام 1997.
وأجرى العراق 8 تجارب إطلاق على الصواريخ من الفترة بين 1997 و2000، وبدأ الإنتاج الكمي له في ديسمبر/كانون الأول 2001، حيث كان المخطط هو صناعة 10 صواريخ، ويقال إن العراق اعتمد على خبرات روسية في تطوير الصاروخ، وإنه استورد 280 محرك سام-2 عن طريق شركة بولندية أواخر 2001، ثم 100 محرك عن طريق شركة وسيطة أخرى.
وأشرف مفتشو الأسلحة الدوليون على عملية تدمير الصواريخ في مصنع التاجي لصنع الصواريخ (شمالي بغداد)، بعد أن بعثت الحكومة العراقية الرسالة التي وقعها المستشار في ديوان الرئاسة العراقية آنذاك الفريق عامر السعدي إلى رئيس لجنة المراقبة والتحقق والتفتيش (الأنموفيك) هانز بليكس، مؤكدًا فيها أن بغداد وافقت على طلب تدمير الصواريخ وملحقاتها.
وطالبت الأمم المتحدة بتدمير تلك الصواريخ بدعوى تجاوزها المدى المسموح به بموجب قرارات المنظمة الدولية، والبالغ 150 كيلومترًا، إضافة إلى تدمير قالبي صب ومحركات صواريخ وقذائف ومنصات إطلاق.
التنازل من أجل البقاء
كان صدام مستعدا للتضحية ببعض الأسلحة التقليدية من أجل البقاء في السلطة فترة أكبر، في توقع منه أن تضحيته ببعض الأسلحة ودخول مفتشي الأمم المتحدة إلى العراق يمنحه الوقت لإعادة بناء النظام من جديد وتقويته بعد الضربة التي تعرّض لها عام 1991، لكن توقعاته كانت في غير محلها، كما يقول المحلل السياسي الأكاديمي محمد نعناع؛ فقد استخدمت أميركا خطّة استنزاف عميقة لتستمر في إضعاف النظام وتوسيع فقدان الثقة بينه وبين الشعب.
وهذا يعني -حسب نعناع- أن جميع اللجان التي عُقدت كانت ذات دوافع سياسية، أبرزها قبول الرئيس العراقي تقديم تنازلات ليحقّق هدفا واحدا وهو تخفيف الضغوط الخارجية والداخلية على أمل أن يكسب المزيد من الأصدقاء الدوليين، وينجح في عكس هذا التطور الإيجابي داخليا فيقوي نظامه.
ورغم كل الاتهامات التي وجهت ضده بامتلاكه أسلحة دمار شامل، يؤكد نعناع أنه لحد هذه اللحظة لم يثبت أن العراق كان يمتلك هذا النوع من الأسلحة، لكنه عمل على تجارب محدودة، وهذا ما كانت تعلم به واشنطن، لكنها ضخّمت الموضوع لتبرير غزو العراق.
واعتبر نعناع خلال حديثه للجزيرة نت أن أميركا أرادت توسيع نفوذها وتطبيق نظرية نشر الديمقراطية التي تحمل بين طياتها مشروعا توسعيّا من خلال الحرب وليس نزع أسلحة الدمار الشامل، بالاستناد إلى مرتكز إنساني يتمثّل في إحلال نظام ديمقراطي شعبي مكان آخر استبدادي قمعي، وهذه الفكرة أزاحت فكرة نزع أسلحة الدمار الشامل وحلّت محلّها بعد أيام قليلة من دخول القوات الأميركية العراق عام 2003.
كيف أخطأ صدام حسين؟
إلا أن الضابط السابق في الجيش العراقي سرمد البياتي يرى أن صدام حسين أخطأ بالموافقة على دخول فرق التفتيش المصانع العراقية، معتبرا أن ذلك مهد لكشف أسرار ومقوّمات وإمكانيات العراقيين.
وأعرب عن استغرابه من عدم اتخاذ العراق نفس نهج إيران التي ما زالت ترفض دخول الفرق الدولية إلى مصانعها النووية، رغم العقوبات الكبيرة التي فُرضت عليها، وهذا ما منع كشف الإمكانات الإيرانية حتى الآن.
وإلى حد كبير، يتفق البياتي مع نعناع بشأن أمل صدام في منع الحرب بموافقته على تدمير الصواريخ، معتبرا أن قرار الأمم المتحدة مخالفا ومنتهكا للقوانين والحقوق والاتفاقيات الدولية، بعدم سماحه للعراق بامتلاكه هذه الصواريخ على اعتبار أن مداها يتجاوز 150 كيلومترا، رغم أنها كانت للدفاع فقط.
وفي ردّه على سؤال للجزيرة نت عن صحّة استعانة العراق بروسيا من أجل تطوير الصواريخ من عدمها، ينفي البياتي تقديم أي مساعدة روسية في هذا الأمر، وإنما الاتفاق بين الطرفين تضمّن عقدا لاستيراد منظومة السيطرة الملاحية لصواريخ الصمود، وهي ضمن موافقات لجنة التفتيش في الأمم المتحدة، وتم استيراد هذه المنظومة فقط.
ويبّرر البياتي العقد المذكور بين العراق وروسيا إلى حاجة الصواريخ الباليستية للسيطرة والتوجيه لأنها معقدة للغاية، وتحتاج أيضا إلى محركات ودفّات من أجل توجيهها، ويقول أيضا إن هذه المنظومات لم تكن موجودة لدى العراق لأنه تمّ تدميرها بالكامل، والصواريخ كانت مختلطة بأجزاء عراقية وأخرى روسية، ليُعاد ترتيبها بعد ذلك.
وأثار امتلاك العراق أجهزة ومعدات صناعية طورت محليا قلق لجنة التفتيش الدولية، مما دفعهم إلى مطالبة بغداد بتدمير هذه الصواريخ.
عندما تنتهي صلاحية النظام
ويرى أستاذ العلاقات الدولية أسامة السعيدي أن نظام صدام حسين انتهت صلاحيته منذ عام 1991 بعد انتكاسة غزو الكويت، وما تلاها من عمليات طرد للقوات العراقية منها وشاركت فيها قوى دولية، ومن ثم داخليا خروج احتجاجات شعبية كادت تطيح بالنظام.
واتهم السعيدي أميركا بإنعاش نظام صدام وإبقائه حتى 2003، وهو العام الذي كانت فيه واشنطن بحاجة إلى حروب لتفتح ساحات لمواجهة الجماعات والفصائل المسلحة المعارضة لها، وقادت أوّل حرب ضدها في أفغانستان، ثم العراق في العام المذكور.
ويقّر السعيدي بتقديم صدام تنازلات للجانب الأميركي من أجل ثنيه عن الحرب من خلال السماح بتدمير الصواريخ، ليتضح لاحقًا أن العراق لم يكن في حوزته صواريخ مؤثرة تهدّد أميركا أو إسرائيل، وأن قرار غزو العراق كان من ضمن الحسابات الأميركية في المنطقة، وأن نظام صدام انتهت صلاحيته.
ويضيف أن قرار الغزو كان قائمًا منذ تصويت الكونغرس عليه عام 1999، بقناعة أميركية تامة بضرورة السيطرة العسكرية الأميركية على بغداد والمحافظات الأخرى وتشكيل نظام سياسي جديد.