كشف قاضي تحقيق محكمة الكرادة، فراس حميد، عبر صحيفة “القضاء”، أن عصابة مكونة من سبعة أشقاء كانت تستولي على أملاك مهاجرين مسيحيين خارج البلاد، وبيعها بعد ذلك”.
وكانت العصابة، التي يعمل جميع أفرادها في مجال شراء العقارات تتبع خطة الاستحواذ على هذه الأملاك عبر ترتيب لقاء مع أصحابها المقيمين خارج البلد، إذ يتم الاتفاق معهم على عملية شرائها، ثم يجري تنظيم عقد مقاولة بيع بينهم مع ذكر عبارة (المبلغ غير واصل) على وعد أن يقوم أفراد العصابة بإرسال الأموال عن طريق حوالات خارجية، حسب القاضي.
ويتابع “عند عودة العصابة إلى العراق تقوم بالتلاعب بعقد البيع من خلال شطب كلمة (غير واصل) وجعل المبلغ (واصل نقداً) باستخدام أدوات معينة في عملية الشطب والتزوير، ثم تنظيم عملية تحويل العقار”.
واعتقلت الأجهزة الأمنية رئيس العصابة إضافة إلى متهم آخر، بعد تلقيها شكاوى وإخباراً سرياً بشأن أعمال هذه العصابة في منطقة الكرادة ببغداد.
وتفككت العصابة بعد اعتراف زعيمها وإدانته والحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات (وفق أحكام المادة 295 و298 من قانون العقوبات)، بينما الثاني فحكم بالسجن لمدة ست سنوات.
كما تم منع أي عملية بيع لأملاك المسيحيين في منطقة الكرادة، في حين أصدرت أحكام قضائية غيابية على بقية أفراد العصابة الهاربين وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة”.
قتل وترحيل
وترجع قصة الاستحواذ على أملاك المسيحيين إلى بدايات عام 2004، حيث استُهدف المسيحيون قبل المكونات الأخرى في العراق، بالقتل والخطف والتهجير.
ومثال ذلك سلسلة تفجيرات نفذت ضد 70 كنيسة بين عامي 2003 – 2012 في بغداد، واستهدفت الانفجارات أيضا محلات بيع المشروبات الكحولية ومراكز الترفيه والأزياء ومراكز التجميل التي كان يديرها مسيحيون.
وتصاعدت أعمال العنف والتطرف عبر تهديد كل امرأة مسيحية لا تغطي رأسها بحجاب، فضلا عن اغتيالات راح ضحيتها الكثير من أبناء الديانة، وكان يسبقها عادة عملية اختطاف ومساومة مقابل مبلغ من المال مقابل فك سراح المختَطف، إلاّ أن النتيجة كانت باستلام المال أو (الفدية) وقتله.
وظهرت بعد ذلك عصابات تقوم بالضغط على المسيحيين وتهديدهم، ما دفعهم للهجرة خشية تعرضهم للقتل، وبيع أملاكهم وعقاراتهم بأسعار متدنية جدا، وأثناء ذلك تم تزوير وكالات بيع من دون دراية أصحاب تلك الأملاك.
ضعف سلطة القانون
وشمل الاستيلاء على أحياء سكنية (غالبية سكانها مسيحيون)، مثل شارع الصناعة والكرادة وشارع السباع.
في هذا الشأن، أكد عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي عام 2016، أن جهات متنفذة استولت على نحو 70% من بيوت المسيحيين المهاجرين من بغداد.
وكانت أبرز الممتلكات المسيحية المسروقة: محلات (906) و (904) و (902) في شارع الصناعة وسط العاصمة، لما لها من موقع اقتصادي مميز.
يقول الناشط الحقوقي وائل جبار لـ “ارفع صوتك” إن “مشكلة الاستحواذ على أملاك المسيحيين تتعلق كلّها بالفساد واستغلال المنصب وضعف سلطة القانون في البلاد”.
ويؤكد “لو كان القضاء العراقي مستقلاً ويتعامل من دون خوف أو ضغوط سياسية وحزبية متنفذة؛ لما تفاقمت التجاوزات تجاه حقوق أبناء المكون المسيحي وممتلكاتهم”.
ويخشى جبار من أن تكون محاولات إنصاف المسيحيين في هذا التوقيت تحديداً، دعائية، بسبب اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية.
ويرى أن “البلاد التي يستشري فيها الفساد، يتم فيها غالباً استغلال المنظومة القضائية؛ لتحقيق عدالة كانت مسلوبة بفعل الفساد، لإيهام الشعب بفكرة القضاء على الفساد للفوز بالانتخابات”.
وكانت وزارة العدل أصدرت عام 2015 توجيهاً لدوائر التسجيل العقاري وهيئات التدقيق اللامركزية بإيقاف العمل بالوكالات في بيع أملاك المسيحيين، وطالبت بمحاسبة المخالف مع بيان الرأي حول التجاوزات التي تم رصدها في هذا الصدد.
وأكد المفتش العام لوزارة العدل، آنذاك، أنه وخلال فترة 2003 – 2007 كانت عمليات الاستيلاء على أملاك المسيحيين تسير “بسهولة من دون أي رادع يذكر، لكنها بدأت بالتناقص تدريجياً حتى عام 2010، ليغدو من الصعب حدوثها إلا بتواطؤ موظفين داخل دائرة التسجيل العقاري”.
“أشعر بالخوف دائماً”
مع تواصل الأزمات التي يتعرض لها المسيحيون، وجدت تارا يوسف (49 عاماً)، التي تقيم مع والدتها في منطقة زيونة ببغداد، أن ما يجري “يؤكد أنه ما من مكان للمسيحيين في العراق بعد الآن”.
وتقول لـ “ارفع صوتك”: “وما يجعلني أشعر بالخوف دائماً، هو ضعف دور القانون في حمايتنا”.
وبقيت تارا مع أمها العجوز، رافضة الهجرة مع أبنائها الثلاثة بعد اختطاف والدهم ومقتله عام 2007، من أجل رعاية أمها والعناية بها.
تضيف ” لم يكن لديّ خيار آخر سوى البقاء مع أمي. رفضت وبشدة مغادرة منزلنا، وهي تريد بعد موتها أن تُدفَن بجانب أبي”.
وتتساءل تارا “ما هي الجريمة التي ارتكبناها كي يتم الاستيلاء على ممتلكاتنا وحقوقنا، في بلد كانت ديانتنا فيه الأوسع انتشاراً في العراق بعد الإسلام؟”.