لا نقصد في هذا الطرح بمصطلح “الموصل” مدينه الموصل وحدها وانما محافظة (الموصل – نينوى) بحدودها الحالية، او ربما بنوع من التداخل مع كردستان العراقية ليكون المصطلح شاملا لولاية الموصل العثمانية وهو ما تقتضيه مصالح الدول المتصارعة على النفوذ في المنطقة ومنهما النفط والغاز وطرق نقلهما، ناهيك عن اقامة القواعد العسكرية الدائمة وحماية اسرائيل.
والعراق بوضعه الحالي وضع قلق ومثخن بالمشاكل تحت وطأة الطائفية والفساد وينتظره مستقل غامض، كما جري ليوغوسلافيا في بدايات تسعينات القرن السابق عندما انقسمت الى ستة دول ثم تبعها اقليم كوسوفو الصغير الذي تميز بالحكم الذاتي، ثم ارادت صربيا وريثة يوغوسلافيا ضمه بالقوة، ولكن تحت القصف المكثف لحلف شمال الأطلسي (98-1999) اضطرت صربيا للإنسحاب وتم وضع الإقليم تحت حماية الامم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهي سابقة جديدة في التاريخ الأوروبي اي كان استقلالاً تحت اشراف دولي بدعم أمريكي واوروبي، وكانت تلك الاحداث بعد ان تمرد الإقليم طالباً الاستقلال عن صربيا.
في 17 فبراير شباط (2008م)، اعلن الإقليم انفصاله الكامل عن صربيا، والتي رفضته ولكن اكثر من مئة دولة اعلنت اعترافها لإستقلال كوسوفو ومن ضمنها تركيا، وتم إقامة قاعدة لحلف شمال الأطلسي في هذا الإقليم الذي تقارب مساحته من 10 آلاف كم2، وتعد من اكبر القواعد في اوروبا.
علماً ان سكان الإقليم لا يتعدى حوالي (2 مليون) غالبيتهم العظمى من الالبان ولا يمتلك منفذاً للبحر لأنه محاط بصربيا وألبانيا والجبل الاسود ومقدونيا.
والذي دفعنا للدوران حول بعض هذه الافكار هي زيارات سفراء الدول الاوروبية، فرنسا والمانيا والدنمارك للموصل دفعه واحده يوم 13 /2 /2021 وقبلها كانت زياره السفير البريطاني، وقد اعلن السفراء عن نياتهم الصريحة بالمساعدة في اعادة تعمير الموصل، ثم اعقبت تلك الزيارات استهداف وقصف بعض المواقع في اربيل من قبل بعض الميليشيات، ولا ندري اكان صدفه ام مقترناً بهذه الزيارات.
جاء بعدها اعلان حلف شمال الأطلسي مضاعفة عدد قواته عده مرات داخل العراق ومن ضمنها القوات التركية الموجودة اصلاً شمال الموصل.
ولا يمكن اهمال زيارة البابا للمنطقة ان تمت على انها تصب في ارساء جذور المسحيين في الموصل وسهل نينوى فقط، بعدما ازدادت هجرتهم الى خارج العراق، ولكنها جزء من عملية مستقبلية تنتظر المنطقة على الاكثر.
ولا ننسى ان هذه الاحداث جاءت بعد تنصيب السيد بايدن رئيسا للولايات المتحدة والمشهور عنه انه كان من المشجعين على اقامة الفيدرالية في العراق ايام كان نائباً لاوباما بين (2001- 2009).
ان انفصال زيارة السفير البريطاني عن زيارة باقي السفراء يعيد للأذهان ذلك الصراع الخفي على المنطقة بين بريطانيا وفرنسا بعد تخلي بريطانيا عن بعض تعهداتها في سايكس بيكو قبل اكثر من مئة عام، واستئثارها بمعظم مناطق ولاية الموصل العثمانية والتي كانت ضمناً داخل النفوذ الفرنسي، وكان النفط والموقع الاستراتيجي للمنطقة من اهم العوامل في استئثار بريطانيا بالمنطقة.
فهل هنالك تنافر في المصالح بين بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي بزعامة فرنسا في الوقت الحاضر، ام هو نوع من التوافق اللا متجانس برعاية أمريكية ستكشف عنه الايام القادمة؟
لقد كتب كثير من المحللين بعد احتلال الموصل من قبل الدواعش وما حولها بأن خريطة الشرق الاوسط ستتبدل، واذا كان الأمر كذلك فان انتشار قوات عدة دول في المناطق السورية المحاذية للموصل وارتفاع حدة الصراع الامريكي – الايراني داخل اراضي العراق هي مؤشرات لهذه الحقيقة.
وقبل ذلك كانت بريطانيا قد استخدمت قوتها لفرض السيطرة على الموصل والعراق في معاهدة لوزان 1923م، وفرض شروطها على تركيا، ثم غلب اسم العراق على الولايات الثلاث كما يقول هنري. أ. فوستر.
ولكن تركيا لم تتخل ضمنياً عن حقها في الموصل رغم إذعانها لمقررات لوزان رسمياً، فهل جاءت الفرصة للدخول مع قوات حلف الأطلسي وبمشاركة التحالف كما وضعت لها قدماً في سوريا؟
قبل مئة عام كان لبريطانيا اليد الطولى وحصلت على النفط والارض، والآن تغيرت الأمور الجيوسياسية ولكن الأطماع ان صح التعبير لم تتغير، وإنما إزدادت تعقيداً بدخول تركيا كحليف رئيسي في حلف الأطلسي، ودخول ايران وروسيا على اطراف اللعبة، ورعاية كل الاطراف لمجموعات ميليشياوية تعمل لخدمة اهدافها.
ان ما يدعو لإثارة هذه الأمور قد يكون مرده الى اقتناع الحلفاء بصعوبة إدارة العراق كوحدة نفطية متكاملة، ووجود كميات هائلة من النفط والغاز في الحقول الشمالية الصحراء الغربية، حيث أثبتت آخر الدراسات ان العراق يقع في المرتبة الخامسة عالمياً في إحتياطياته النفطية والثاني عربياً.
فهل سيؤدي ذلك الى تقسيمه الى فيدراليات او كونفودراليات تحت ادارة شبه مركزية في بغداد وليس بالضرورة الى تقسيمه على طريقة كوسوفو، وتكون عندها منطقه الموصل اكثر المناطق ترشحاً لأي نوع من التقسيم.
ورجوعاً الى مشكلة الموصل، فلا بد من الوقوف على ما ينظر اليه الآخرالى هذه المنطقة التي يصفها هاري تشارلز لوقا في كتابه “الموصل واقلياتها” عام 1924م، بأن هذه المدينة لها أهمية جديدة في عيون العالم وخصوصاً تنوعها الأثنوجرافي وتاريخها الطويل لما يقارب الى 4000عام ، وان العالم المسيحي على استعد للتخلي عن منطقة من مناطقه التاريخية.
ورغم ان منطقه الموصل تشابه القوقاز الذي يوجد فيه فسيفساء من الاجناس اكثر تعقيداً، ولكن المنطقة لم تعرف خلافات حادة اثنية او دينية الا قليلاً، وكانت السمة الابرز في التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود قبل خروجهم الى اسرائيل قبل حوالي سبعين عاماً، وكذلك بين القوميات الرئيسية وهم العرب والكرد والتركمان، لأن الرابطة الدينية كانت اقوى من الرابطة القومية الى ما قبل ظهورها بعد الحرب العالمية الاولى.
ان التواجد الأممي والأوروبي – الأمريكي واضح للعيان في مفاصل كثير من مناطق الموصل بعد هزيمة الدواعش خصوصاً الوجود الكثيف للمنظمات الانسانية، فهل هنالك اشياء ستحدث.
وان الدور التركي بدأ يأخذ أبعاده ولو على استحياء في هذه التشكيلة، ناهيك عن وجوده العسكري وفعالياته على اطراف المنطقة وشمالها.
نحن نرى الظواهر، فهل هنالك اشياء لا ندركها؟ الجواب حتماً نعم ولكن نوع من التغيير واقع لا محالة.
ولكن ليس بسيناريو كوسوفو بالكامل، عندها يكون التدخل الدولي برعاية حلف شمال الأطلسي واردا بعد اعلان الحماية الدولية لسكان المنطقة والأقوى هو الذي سيختار السيناريو حسب التوافق مع مصالحه.