لا يزال العديد من الأسئلة يبحث عن إجابات مقنعة حول أسباب عدم مبالاة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بفترة الإنذار الدولي التي انتهت يوم 15 يناير/كانون الثاني 1991 لسحب قواته من الكويت التي غزاها في 2 أغسطس/آب 1990، وإلا تعرض لحرب يشنها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة.
وبعد الغزو العراقي للكويت تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، وشمل أكثر من 30 دولة، يتضمن 750 ألف جندي (75% منهم أميركيون)، و3600 دبابة، و1800 طائرة، و150 قطعة بحرية.
واكتسب التحالف الدولي شرعيته بعد اعتماد مجلس الأمن قراره رقم 678 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، والقاضي باستخدام كل الوسائل اللازمة -بما فيها استعمال القوة العسكرية- ضد العراق إذا لم يسحب قواته من الكويت، وحدد يوم 15 يناير/كانون الثاني 1991 موعدا نهائيا لذلك الانسحاب.
وحين اكتملت الترتيبات الميدانية لقوات التحالف، وانقضت المهلة الممنوحة للعراق للخروج من الكويت تحولت الأزمة إلى مرحلتها الأخيرة التي تمثلت في استخدام القوة العسكرية لإرغام العراق على هذا الانسحاب، وكان أهم فصولها بدء الحرب البرية في 24 فبراير/شباط 1991، وأدت إلى إخراج القوات العراقية من الكويت، وتدمير قدراته العسكرية والاقتصادية، وفرض حصار قاس على العراق سبب مأساة إنسانية كبيرة دامت سنوات عدة انتهت بالغزو الأميركي للبلاد عام 2003 والإطاحة بنظام صدام.
شكوك ما قبل الحرب
من أبرز الشكوك التي لا تزال تحوم حول جهود ما قبل بدء الحرب: لماذا أخفقت جميع المساعي الدولية والعربية في إقناع صدام حسين بعدم خوض حرب أخرى في وقت لم يمض إلا عامان على خروجه من حربه مع إيران 1980-1988؟ وإلى أي مدى لعبت الولايات المتحدة دورا مزدوجا في هذه الحرب؟ وهل أسهمت هذه الحرب بفك الارتباط بين العراق والاتحاد السوفياتي؟
في الساعات الأولى من فجر يوم 2 أغسطس/آب 1990 اخترق الجيش العراقي -بأكثر من 20 ألف جندي- الحدود مع الكويت من 4 محاور، وفي غضون ساعات سيطر على العاصمة الكويت بدعم وإسناد من سلاح الطيران العراقي، وفرض سيطرته على البلاد في يومين، وأعلنت بغداد “تحرير الكويت من حكم آل الصباح”، وفي 4 أغسطس/آب من العام ذاته نصّبت بغداد حكومة جديدة للبلاد موالية لها دامت 4 أيام، وكانت برئاسة العقيد الكويتي علاء حسين الخفاجي (صدر عليه حكم غيابي بالإعدام عام 1993 عقب إدانته بـ”الخيانة والتآمر مع العدو في زمن الحرب”، ثم خفف -إثر عودته إلى البلاد مطلع 2000- إلى السجن مدى الحياة).
حسابات خاطئة
رفض الانسحاب من الكويت كان أمرا شائكا بالنسبة لصدام حسين، انطلاقا من اعتقاد بأن قواته قادرة على مقاومة القوات الأميركية وحلفائها، خاصة أن الجيش العراقي خارج من تجربة حرب مع إيران استمرت 8 سنوات، وذلك وفق الصحفي إدريس الزوبعي الذي استدرك بالقول إن العراق خرج من حربه مع إيران منهكا اجتماعيا واقتصاديا ومحملا بديون الحرب.
ويصف الزوبعي -وهو من الكوادر السابقة لحزب البعث- دخول العراق الكويت بالخطأ التاريخي، وبأنه تفرد بالقرار الوطني وانتهاك للأخوة العربية وخرق للقانون الدولي، مستغربا من عدم اللجوء إلى التفاهم وإيجاد الحلول السلمية أو اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أو اللجوء لوساطة الدول الصديقة بدلا من خيار الحرب.
وفي تلك الفترة عرف العراق بعلاقته الوطيدة مع الاتحاد السوفياتي، إلا أن الزوبعي -في رده على سؤال للجزيرة نت في ما إذا كانت أميركا نجحت بفك العلاقة الوطيدة بين العراق والاتحاد السوفياتي من خلال هذه الحرب- يرى أن واشنطن أسقطت الصلة بينهما خلال هذه الأزمة إلى الأبد.
ويضيف أن القيادة السوفياتية قامت بدور ضاغط على العراق لسحب قواته من الكويت، وإرسال موفد لتحذيره من مخاطر عدم الانسحاب، مشيرا إلى أن الاتحاد السوفياتي حينها كان يمر بتحولات سياسية، فاستغل التحالف الدولي ذلك ليستفرد بالعراق.
هدية أميركا لصدام
ملامح حرب الخليج الثانية تكشف في ظاهرها أن الولايات المتحدة استغلت توتر العلاقات بين بعض الدول الخليجية، حيث شجعت ضمنيا السفيرة الأميركية لدى العراق يومئذ أبريل غلاسبي الرئيس صدام حسين على تنفيذ تهديداته للكويت، وذلك حين قالت له -خلال لقائهما يوم 25 يونيو/حزيران 1990- إن حكومة بلادها “ليس لها رأي بشأن الخلافات العربية العربية”، وذلك وفق قول المحلل السياسي خالد القره غولي الذي يضيف “لكن أميركا تزعمت لاحقا التحالف المناهض للعراق عندما غزا الكويت”.
ويتفق القره غولي مع الزوبعي بأن دخول العراق للكويت يعد خطأ فادحا يتحمل مسؤوليته صدام، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعدت سيناريو دخول العراق للكويت وقدمته لصدام هدية الحرب الإيرانية العراقية، واصفا هذا الدخول بـ”القشة التي قصمت ظهر البعير” وجعلت الشعب العراقي يدفع ضريبته حتى اليوم.
ويضيف القره غولي -في حديثه للجزيرة نت- أن دخول العراق للكويت سيناريو معد من أميركا، بدليل قول صدام الشهير -قبل بدء الحملة العسكرية لحرب الخليج الثانية- “ولقد غدر الغادرون”، وهي إشارة إلى أميركا، وفق قول القره غولي.
مفهوم جديد للحرب
ومن وجهة نظر عسكرية، أسهم التفوق التكنولوجي للمعركة -إضافة إلى اعتماد الجيش الأميركي بنسبة كبيرة على القوة الجوية والبحرية- في حسم الحرب بصورة عاجلة، وهذا ما زاد صعوبة تنقل قطاعات الجيش العراقي وأعاق حركتها، وفق قول الخبير العسكري أعياد الطوفان الذي يضيف سببا آخر لحسم الحرب، وهو تطور الحروب خلال العقود الأخيرة والتي باتت تكنولوجية واقتصادية بدرجة أساسية.
ومن المعطيات التي زادت ضعف الجيش العراقي أمام عدوه الأميركي في حرب عاصفة الصحراء أن بعض الأسلحة والمعدات لديه كانت خارج العمر الزمني المحدد للصلاحية، فضلا عن استهلاكها تماما، فهي لم تكن صالحة للاستخدام، في وقت كان الجيش العراقي بأمس الحاجة للأنواع المتطورة من الأسلحة والصواريخ، وهو خارج من حرب قاسية مع إيران استمرت 8 سنوات.
ويتفق الطوفان -الذي كان ضابطا في الجيش العراقي السابق برتبة عميد ركن- مع الزوبعي والقره غولي بوصف دخول الكويت بـ”الخطوة الخاطئة والمستعجلة”، مؤكدا للجزيرة نت أن الشعب العراقي لا يزال يدفع ثمن هذا الخطأ إلى الآن.